كتبت الكاتبة السعودية بثينه النصر رسالة الى كل مغترب تناشده فيها العمل بها واليكم نص الرسالة
عزيزي المغترب
بالدّرجة الأولى عليك أن تهيئ ذاتك للتخلّص تماما من عقلية السائح في مكان إقامتك الجديد.. حفاظا بالدّرجة الأولى على ما في جيبك، وأيضا لكي يتنبّه زائروك من وطنك الأصلي إلى أنّك في هذا المكان مختلف عن وضعهم تماما..!
وكن مستعدّا لرؤية أوجه أهل البلد مكان الإقامة سافرة على حقيقتها بدون أقنعة.
لا تندفع في أي صداقات تكوّنها، وقلّل من توقّعاتك إلى أدنى مستوى ممكن.. فلا يوجد في الغربة من يشبه حتّى ولو بشكل بسيط أهلك وناسك..
صفحة تهتم بأحوال المغتربين بالخليج اشترك بها
وليكن في علمك بأنّ قصّة “من خرج من داره قلّ مقداره” هي قصة واقعية مائة بالمائة..! فما عليك إلّا أن تتصالح معها وتكبّر عقلك خشية الإصابة بأمراض ضغط الدّم أو السّكر، وما إلى ذلك من أمراض تنتظر إشارة من أعصابك لتتناهشك ..!
ستجد من يكرهونك ويتحسّسون منك لمجرّد أنّك تتحدث بلهجة غير متقنة للغتهم.. وستجد من يقبلون عليك بشكل مريب ويريدون صحبتك ليلا نهارا لأنّك غريب..!
مع الصّنف الأوّل اضحك من قلبك على كل نكاتهم السّمجة، فهذا أمر من شأنه إذابة الكثير من الجليد.. وستصل يوما ما، ثق بي، سيضحكك حقيقة ما يضحكهم دون وبدون تكلّف أو ادعاء.
أمّا الصّنف الثاني فضع هذا السّؤال دائما نصب عينيك في تعاملك معهم: ماذا يريدون منّي؟
ادرس المكان الذي أنت فيه.. وتمتع بمعلومات عنه وافية، عن تاريخه وعن تضاريسه وعن اثنيات من به.. واستنبط نقاط الضّعف والقوّة واحفظها !!!
فهي فقط ما ستسهّل عليك الاندماج في مجتمعهم بكامل كرامتك وبأقل أضرار ممكنة.
فالإنسان بطبيعته ليس أقوى أمام من “يفهمه” جيّدا.. “أي أنت” في هذه الحالة!
لا تخطئ وتنحاز لفئة عندهم على أخرى علنا.. خصوصا في التّوجهات السّياسيّة، مهما حاولوا استنطاقك.. احتفظ برأيك هذا لأهلك وناسك في بلدك.
لا تخطئ أكثر وتتحمّس في انتقاد شيئا فيهم أو في بلدهم مهما علا صوت من أمامك.. ففي اللحظة الّتي سينتبه فيها بأنّك تنتقد وطنه لن يغفر لك..!
لذا استحضر الإيجابيات التي درستها وحفظتها عن بلد الاغتراب كي تستخدمها في هكذا موقف بالذّات.. فمن يشتكي يريد مواساة، لا أن يزيدها غريب عليه !!
سيسألونك عن وطنك كثيرا.. لا تذكره إلّا بالخير… وابلع همّك وأسباب رحيلك عنه وقدّم لهم أسبابا تبدو منطقية وعادية لتغرّبك.
أمّا من تجده في الغربة صديقا فهو كنز حقيقي.. حافظ عليه بكل ما أوتيت من عرفان.
وعليك أن تزيد ما ترصده من ميزانيتك لشراء علب المناديل.. فالعلاقة طردية جدّا في الغربة بين الضحك والبكاء..
فحين تكون في أوج نشوتك بقضاء وقت ممتع يحلّق بك نحو السّحاب تأكّد بأنّك ستعود لتلقي بكيانك على وسادتك لتغمرها أنهار دموعك وانت تتحسّر على أنّ ذلك الوقت الرّائع قضيته مع أناس غير أهلك وناسك.
عزيزي المغترب.. لن أطيل عليك أكثر فقط كن بألف خير وعد سالما دائما.
“شمعتي يا شمعتي، أستحضر من ضيّك دفئا يخفّف وطأة صقيع أوصال غربتي، وميضا تنتعش به مكوّنات روحي، وهجا لآمال يستبشر بها غدي، دربا تستنير فيه خطى أمنيتي.”