الكاتب : مايكل عزيز البشموري
قمت بشراء فيلا ، وبالطبع يوجد مع كل ( فيلا ) قطعة أرض خاصة بها ، ويمكن ان تستخدم تلك الارض كحديقة أو مكان خاص للعب الأطفال (حسب رغبتى) ، وفى إحدى الايام جائني أشخاصا فقراء ومعوزين ليس لديهم منزلاً ، قالوا لي : ” هل تسمح لنا بأن نسكن في أرضك الخاصة التي تمتلكها خارج منزلك لكي نعيش فيها ايضا ؟؟! .. بعد تفكير عميق ، قررت السماح لإولئك الأشخاص بالسكن في الأرض الخارجية التابعة لمنزلي ، فبالنسبة لي لست بحاجة الي تلك الأرض الآن .. تمر الأيام بل وتمر السنين واحتاج ان أبنٌي حمام سباحة خاص لأطفالي بحديقة منزلى الخارجية – حينها – طالبت الأشخاص الساكنين فيها ، البحث عن مكان بديل للعيش فيه ، تمهيداً لبناء حمام السباحة الخاص لإبنائي ، وبدلاً من ان يقوم هؤلاء الأشخاص بترك الارض والبحث عن مكان أخر بديل ، اعترضوا قائلين : ” هذة الأرض تابعة لنا ، لأننا أقمنا فيها منذ زماناً طويل وبالتالي تلك الأرض ليست مملوكة لك الان ! ” .
هذا هو الحال تقريباً فيما يحدث مع رهبان دير وادي الريان بالفيوم وبين الدولة المصرية ، مع اختلاف بسيط في التفاصيل ، فالدولة لا تريد من الرهبان الرحيل من الأرض المقيمين فيها ، نظرا لوجود مغارات وقلالى مسيحية أثرية ، يرجع تاريخها للقرن الرابع الميلادي ، فالحكومة تريد فقط السماح لها ببناء طريق بري يخدم مشروعات التنمية علي حد زعمها ، ولسوء الحظ هذا الطريق البري المزمع إنشائه سيمر بوسط الدير، وبالتالى سيفسد الحياة الرهبانية فيه .
* دير الريان .. عندما تجتمع الصراعات فى مكانً واحد :
بالنسبة للجانب الكنسي ، فهناك إشكالية كنسية وقانونية كبيرة في بقاء المجموعات الرهبانية المتواجدة بتلك البقعة الصحراوية : فالدير ليس معترف به كنسياً ، والرهبان المقيمين فيه يتبعون نهج الاب المتنيح / متى المسكين ، الذى كان وما يزال محل جدال كبير داخل الاوساط الكنسية الارثوذكسية .
وبالنسبة للحكومة المصرية فهى تريد شق الطريق المتصل داخل الدير لبناء طريق إستراتيجي يربط الفيوم بالواحات ، ليمر الطريق الجديد بمدينة الزعفرانة على البحر الأحمر ليصل إلى مدينة الضبعة على البحر المتوسط مرورا بطريق الفيوم والواحات . أضف إلى ذلك تعنت هيئة الاثار المصرية بالموافقة على استكمال الطريق الدولى المزمع إنشائه لانه سيضر بالآثار المتواجده بوادي الريان الآثري .
* دير الريان بين الماضي والحاضر :
لقد خرج من القلالي الجبلية المتواجدة بجبال وادي الريان الاثرية ، زعيمان روحيان قادا الملايين من أبناء شعبيهما ، فالاول هو الراهب / أنطونيوس السرياني ، الذي صار فيما بعد بطريركا للكنيسة القبطية الارثوذكسية بإسم البابا شنودة الثالث ، والثاني هو الاب / متي المسكين ، الذي صار فيما بعد منارة رهبانية آبائية يأتي إليه طالبى الرهبنة ومحبى العلوم الكنسية للمنفعة من كتبه وخبراته الروحية .
وقد خطى الأب متي المسكين وتلاميذه أقدامهم بتلك المنطقة للمرة الاولي في ستينيات القرن الماضي ، وكان برفقتهم حينها الاب أنطونيوس السريانى ( البابا شنودة لاحقا ) ، فقد لجئو بمنطقة وادى الريان بعد خلاف كبير نشب بين المسكين والبابا كيرلس السادس ، وبعد اقامة الاب انطونيوس السرياني فترة من الزمان بهذا المكان ، ترك الأب متى المسكين ورحل عنه لأسباب لا نعرفها ، ليتجه الي ديره ببرية شيهيت بوادي النطرون.
وبعد شفاعة الانبا ميخائيل مطران أسيوط لدى البابا كيرلس السادس، للعفو عن متي المسكين وتلاميذه ، أمر البابا كيرلس برجوع الأب متي ورهبانه لتعمير دير أبو مقار بوادي النطرون ليترأس تعميره وإحياء الرهبنة القبطية فيه من جديد .
هذا وقد سمح الرئيس المصري الاسبق حسنى مبارك ، للآب متي بأن يعمر أبناءه الرهبان منطقة وادي الريان للمرة الثانية ، وتم ذلك بمنتصف التسعينيات دون تحرش من وزارة الآثار المصرية التي تتبعها تلك المنطقة مباشرةً ، فقام الأب اليشع المقارى والاب بولس المقاري تلميذا الاب متي بالرجوع للمنطقة مجدداً ، وابتدأ برسامة الرهبان وإقامة حياة رهبانية مستقلة ، وتم هذا الامر دون الرجوع للسلطات الكنسية ، وبدون علم مسبق منها ، لان القوانين الكنسية تحظر صراحتا رسامة راهب لراهب أخر دون الرجوع الي الاسقف أو البطريرك ، فأبتدا يصبح الدير مكاناً خارجاً عن سيطرة الكنيسة الأم ، وأبتدات تتكون فيه مجموعات رهبانية مستقلة يديرها أبناء وتلاميذ المتنيح الاب متي المسكين ، ونجحت تلك المجموعات الرهبانية بالاستحواذ والسيطرة على مساحات شاسعة من الاراضي تبلغ 13 ألف فدان .
وعن موقف المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث نحو هذا الدير ، فكان يري بأنه لا يجب أن يتدخل فيه أو يعاقب المسؤولين عنه ، نظرا لحساسية العلاقة المتوترة بينه وبين الاب الراحل متي المسكين، وحتى لا يقال عن البابا شنودة بأنه إستهدف بإواخر حياته أبناء وتلاميذ الراحل الاب متي بعد وفاته ، ولكنه حاول بقدر الامكان إحتواء هؤلاء الرهبان والاستماع إلى مطالبهم ، وهذا التصرف النبيل ُيحسب لقداسة البابا شنودة الثالث .
* الدير بين الحلول المُرضية والصراعات الطفولية :
وبالنسبة لحل مشكلة دير وادى الريان بالفيوم ، يقول الاستاذ عماد خليل الصحفي بالمصرى اليوم :
” لقد تدخل الانبا أرميا ورجل الأعمال القبطى أيوب عدلى أيوب وتوصلوا لاتفاق مرضى بشكل كبير للجميع ومنه :
أ- شق الطريق مع عمل سور للحفاظ على الاراضى المتبقية من الدير والتى تزيد عن أربعة الأف متر .
ب- يقوم المهندس عدلى أيوب وشركته بتنفيذ شق الطريق والبدء فى عمل سور أولا للرهبان
ج- الاحتفاظ للرهبان بعيون المياه والتى بالمناسبة تم زحزحة الطريق خصيصا لدخولها ضمن نطاق الدير .
د- تقنين وضع الأرض لانها جزء من محمية وادى الريان .
هـ- ومن ثم تسمح الكنيسة بعد ذلك بالبدء فى إجراءات وجود دير وحياة رهبانية فى المكان وبالمناسبة هناك لجنة الأديرة والحياة الرهبانية فى المجمع المقدس للكنيسة الارثوذكسية تقضى باجراءات معينة لتاسيس دير وهى – وجود تجمع رهبانى – وجود مدبر روحى – وجود ملكية – وبعدها تعرض اللجنة تقرير عن المكان حتى يتم الاعتراف به دير وبالرهبان فيه .
وفى تصعيد خطير قام المستشار وائل مكرم محافظ الفيوم بهدم 500 متر من سور الدير بمنتصف ليل الاربعاء الماضي يوم 3/16 ، تمهيدا لتنفيذ الطريق ولكن الرهبان رفضوا هذا التصرف الاستفزازي ، وقاموا بمطاردة جميع اللوادر وتم حرق إحداهما، وبعدها بساعات قام الراهبين مارتيروس وبضابا بالنزول فجرا لقلاية الراهب بولس المقارى (الريانى) وتكميمه وتسليمه للشرطة فى مركز يوسف الصديق ” .
للحديث بقية