عندما سألوا البابا أثناسيوس الرسولي: (العالم كله ضدك يا أثناسيوس) ، فرد عليهم:( وأنا ضد العالم). هذا المنطق تحديد صرنا بحاجة إليه اليوم لتثبيت القيم الإنسانية الصحيحة بلا خوف من نظرة العالم ولا من حسابهم وعقابهم للناس.
صرح جون كيري من كام يوم في مقابلة لمجلة النيو يوركر- The New Yorker، أنه وزوجته تريزا هينز جمعتهما طاولة العشاء بمطعم بدمشقي في أحد أيام 2009، مع الرئيس السوري بشار الأسد و زوجته السيدة أسماء، وأخبره الأسد عن أمه السيدة أنيسة:
( أمي لم تعد قادرة على الذهاب للمسجد وهي تلبس التنورة. والبنات في الكليات، والنساء المهنيات أصبحن يرتدينّ الحجاب الآن. نريد أن نكون بلداً علمانياً ولا نريد أن نكون متخلفين) .
اليوم جون كيري وغربه المأزوم من أشد أعداء الفكر العلماني الأسدي و يسعى جاهداً برحيل بشار وإسقاط نظامه العلماني ليفرض نظام إسلامي داعشي شره لشرب دماء الشعوب التي يقطع كل شريان للحياة بإسم تطبيق الشريعة والحدود! كيري الذي كان صديقاً لبشار بالأمس، اليوم يخبرنا أن بشار ” هتلر سوريا” ولم تشفع لبشار لا علمانيته ولا فكره المنفتح على العالم ولا مجتمعه السوري قبل أن تصيبه آفات المرض الداعشي وتستوطنه. كانت سوريا في عهده عقداً من زهر الياسمين قبل أن تؤول لما هي عليه اليوم من خراب .
متى تتعلم شعوبنا أن الله ليس إلهاً عنصرياً وضد تدينهم الكاذب الذي يريدونه بمقاس قطعة قماشتهم الخرقاء التي هي من صُنع ذكوريتهم المخنثة وفحولتهم العقيمة. يرون فيها المرأة مجرد معبر لهم ولمآربهم و متاع إرث لفكرهم الذي لا يلد إلا كل قُبحٍ. ذاك الفكر الذي بدأت حتى بعض نسائنا المؤمنات لا ترى الأمور إلا بعيون ذكورهم لا رجالهم و التي إرتضت لنفسها أن تصير بمرتبة أدني من الرجل. فليس بقطعة ملبس سيُدخلني الله جنته ولا بتنورة قصيرة سيمنعني عنها !
حتى لو ساد الخطأ مجتمع بأكمله وصارت كل تعاليم الناس منحرفة ومريضة، ستبقى الحقيقة ناصعة تؤرقهم ، فلا تمش بإتجاه الأغلبية لمجرد أن تصير واحداً من الناس. عافر بقضيتك و احفر لها جذور لتعمقها في وجدان المجتمع وضميره الذي إنحرف كثيراً نتيجة السير بإتجاه القطيع. تمسك بما تؤمن به عن قناعاتك الشخصية قبل محاولة إقناع الأخرين ولو حتى كانت قناعتك ضد عالمهم وضد ثقافتهم، وحتى لو سار الجميع بإتجاهِ وأنت وحدك بالإتجاه المقابل.
كم حلمنا بتغيير نظرة المجتمع والعالم للأفضل، وكلما إزددنا عمراً وخبرة نكتشف أن العالم لن يتغير إلا للأسوء نحو حافة هاويته. وعندما كبرنا قللنا من أحلامنا وطموحنا وأدركت أن أبدأ التغيير بمن حولي و أن أمنحهم خبرتي من وحيّ تجاربي، فوجدتهم لا يفضلون المثالية رغم إن إستخدام نعمة التفكير ليس حرام ولا مثالية ولا من كماليات إنسانيتنا! حتى المثل البلدي” كُلّ إللي يعجبك وإلبس إللي يعجب الناس” مش صحيح. لأني لو أرضيت الناس في ملبسي هيوصلوا بي لأن أرتدي الحجاب الخليجي أو النقاب السعودي إللي مَرض به مجتمعي، وسار أغلبيته بإتجاه القطيع! .
وكم أكتشفت أن الوقت قد عدى وفات والمبادئ و الفضيلة أصبحت دَقّة قديمة. اليوم أحتضر على حافة الحياة قررت أن أبدأ بنفسي وأعيش متأملة أتعبد للصمت أكثر مما للكلام . لا تهمني نظرة الناس لي ولتصرفاتي حتى وإن إنتقدوا مظهري و ما أرتدي، فمن سيحبني سيراني كما أنا. فشخصية المرأة وسلوكها وعفتها لن تحجمها قطعة قماش فرضتها ذكورتهم العقيمة على نسائهم، فمن يحجب طفلة عمرها خمسة سنوات أو أقل، قادر بفكره المنحط والمريض أن يغتصبها طالما وجد فيها ما يثير لعابه وحيوانيته ما جعله يغطيها بقطعة القماش إياها ! لا أحب أزياء التمثيل وسأكون على طبيعتي بلا نفاق ولا مداهنة، فإن لم يأت التدين كفضيلة من داخل الإنسان لن يأتني بإرتدائي لقناع أضحك به على المجتمع لدرجة أن صارت مجتمعاتنا العربية فارغة من فحوى التدين الحقيقي وإرتفعت فيه نسبة التحرش والإغتصاب رغم أن المرأة قاربت الإختفاء تحت أكوام الملابس التي فُرضت عليها. فلا أملك إلا وجهاً واحداً يعرفني الناس به ولن أترك إيماني للأخرين ليتحكموا فيه بأزيائهم التي لا تمت بعلاقة لثقافتي ولا لفكري ولا لشخصيتي.
ابدأ بنفسك وبأسرتك في تعليمهم معنى الفضيلة الأخلاقية التي لن تجدها بقطعة قماش. أبدأ بذاتك فلا وطن سيتغير للأفضل ولا فكر الناس سيستقيم ليروا الفضيلة قبل الملبس ولا الجمال قبل قبح التدين وملابسهم التنكرية لسهرات النفاق. فمن ذا الذي يفصلنا عن معرفة الله الحقة و محبته فهو لا يريد إلا قلب الإنسان لا ملبسه، فمن فضلة القلب يخرج كل إيمان سليم وكل سلوك قويم.
الوسومنانا جاورجيوس
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …