بقلم : نانا جاورجيوس
« أرسم نفسي لأني غالباً ما أجدني وحيدة، ولأن ذلك الموضوع الذي أعرفه أكثر من سواه». هكذا عبّرت « فريدا كاهلو دي ريفيرا» بإختصار عن نفسها في لوحاتها التي خلدت مأساتها قبل إسمها.
أصيبت في طفولتها بشلل في رجلها اليمنى إثر حادث أتوبيس، وُلدت منه ولكن ظلت قعيدة منفاها، مسلوبة الحرية، قضت أغلب حياتها حبيسة سرير بين جدران حجرتها وفوق سريرها وضعت لها أمها مرآة كبيرة. إنكفأت ترسم مأساتها على هيئة لوحات إبداعية رغم أنها لم تدرس الفن أكاديمياً فكان الرسم هو سلاحها ضد اليأس وسلوتها الذي عبّرت به عن آلامها وحرمانها من حريتها ومن حلم الأمومة الذي ظلت تحلم به . خصوصا عندما خانها زوجها الرسام يغو ريفيرا مع أختها، فوقع الطلاق وتزوجت من سان فرانسيسكو.أحبت زعيم الثورة الروسية ليون تروتسكي الذي أسس الجيش الأحمر الروسي وأفضل العقول المفكرة في الحزب الشيوعي الروسي، هرب من وجه ستالين إلى المكسيك في منزل فريدا وزوجها لفترة حتى أنتقل لمزل أخر فبعث ستالين إليه بمن يقتله. أعجبت فريدا بتروتسكي فأهدته يوماً لوحتها « بين الستارين» التي رسمت فيها نفسها كفراشة صفراء بين ستارين.
من إبداعاتها لوحة « بدون أمل» التي صورت نفسها في حالة ولادة ولكنها ولدت أحشاء الألم من فمها، حيث أنها فقدت حلم الأمومة حين تعرضت للإجهاض عام 1932 حين كانت تعيش في أمريكا. رسمت بعدها لوحتها الشهيرة عن لحظة إجهاضها لطفلها هذه، وهي لوحة « مستشفى هنري فورد»، فصارت لوحة لحلم لم يكتمل، ظل ناقصاً أبداً، كانت الحياة بالنسبة لها هي الأمومة، لهذا ظلت الحياة بالنسبة لها إنتظاراً فالأمومة إنتظار.
في سنواتها الأخيرة بترت ساقها اليمنى حتى رُكبتها بسبب الغانغرينا وأصيبت بإلتهاب رئوي. حفظ رمادها بعد وفاتها في جرة أختلطت فيها برماد زوجها دييجو في بيتها « البيت الأزرق» إللي عشقت جدراته وألوانه وعطر أركانه. والذي تحول لمتحف فنياً للوحاتها ومقتنياتها الشخصية و التي خلدت إسمها و عبّرت بسريالية من خلالها عن ملامح حياتها ومأساتها ومدى الوجع من قهرها عاطفياً ومعاناتها النفسية والجسدية معبّرة عنهم بلوحات من ألم، والتي كانت وسيلتها الوحيدة في التعبير عن تدميرها نفسياً ومعنوياً، لم تكن سلبية أبداً طيلة حياتها قاومت قدر إستطاعتها ظلم الحياة لها، ربما وصلت لتحقيق جزء من هدفها أثناء الحياة. كتبت في مذكراتها« لم أرسم أبداً أحلاماً، بل أرسم واقعي الحقيقي فقط».
لهذا كانت ترسم ملامح وجهها في لوحاتها خالياً من أي جمال وأنوثة لأنه كان وجهاً واقعياً بحاجبين معقودين كحاجبي الرجل، وشفتين مضمومتين مشعّرة بشنب كالرجال، نقلت هذه الملامح بكل ما يحمل وجهها من مأساة و من جراح مثخنة التفاصيل. كانت كل لوحاتها ذات ألوان حيّة ومتدفقة، عندما سألوها لماذا أغلب لوحاتك ترسمين فيها نفسك، قالت: «أرسم نفسي لأني غالباً ما أجدني وحيدة، ولأن ذلك الموضوع الذي أعرفه أكثر من سواه».
قامت الفنانة سلمى حايك بتمثيل دورها في فيلم عالمي« فريدا.. الحياة المتنافسة». نال الفيلم جائزة الأوسكار 2003 كأحسن ممثلة نالتها الفنانة المكسيكية من أصل لبناني سلمي حايك.
ربما عاشت فريدا وماتت سنة 1054 مجهولة الإسم والعنوان، أو لم يكن يعرفها الكثيرين أثناء حياتها ،ولكن هكذا العالم لا يعترف بهم و لا يعرف كيف يخلدهم إلا بعد موتهم. فظلت لوحاتها أيقونة مقدسة للفن الشعبي المكسيكي، لوحات خلدت مأساتها قبل إسمها، وعرفها العالم فيما بعد ولكنها لم تحمل من العالم إلا أوجاعها. نعم؛ فالإبداع دائماً مصدر للإلهام ولكنه أيضاً مأساة للأوجاع والحرمان؛ «حرمان بدون أمل».
الوسومنانا جاورجيوس
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …