بقلم : نانا جاورجيوس
تكملة للمقال السابق عن أدب الثيؤطوكية، رأينا كيف انه لا يمكننا الفصل بين مفهومه وما يحتويه فيه من سر التجسد ولاهوت العهد الجديد الذي تحققت فيه رموز العهد القديم. هل أخطأت أَلِيصَابَات حين دعت بروح النبوة عذرائنا بـ « أم ربي» ؟! واحد ناصح من إخوتنا إياهم قال أن آية : « فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟» –لو1: 43، و أن كلمة «أم ربي» تعني «أم سيدي» ! كبرياء المعاندين كثيراً ما يفقدهم البصر والبصيرة فإن تنكَّروا لإعلان الوحي الإلهي فماذا تبقى لهم من إيمان؟!.
4- سؤالي الرابع: هل « والدة الإله» لقباً كتابياً أم لا ؟، لو بحثوا بالتوراة العبرية المترجم لليونانية وفي الإنجيل اليوناني لتوصلوا إلى أن «ثيؤطوكوس- Θεοτόκος، «والدة الإله»، لقباً كتابياً صِرفاً لا جدال فيه ولا غِشْ كما سأوضح. وإن أَلِيصَابَات حين دعت مريم «أم الرب» فلم يكن هذا اللقب محض صدفة. فلفظة « الرب» في هذه الآية، تُرجمت للإنجليزية إلى« Lord» بإستخدام الحرف الكبير والذي لا يعني إلا« الرب» وليس« السيد». وفي الترجمة اللاتينية أستخدم لفظ أم الرب« mater Domini» والتي تقابل« أم يهوه» بالعِبرية. وفي ترجمة الإنجيل اليوناني للعِبرية تُرجمت« אם אדני – إيمي يهوه- والدة يهوه، أم الرب». وفي التوراة العبرية التي ترجمت للنسخة اليونانية السبعينية قبل ميلاد المسيح بثلاثة قرون، ترجمت إلى «كيريوس – κύριος -kurios » .. ثم ورد اللقب الإلهي في الأصل اليوناني بإنجيل متى ولوقا ومرقس أيضاً بلفظة (كيريوس – κύριος » وليس لها معنى أخر سوى «الرب» وهي تساوي تماما لفظ الإله باليونانية « ثيؤس-الإله-θεὸς- theos » كما سأورد فيما بعد.
– وقد إقتبس السيد المسيح لقبه κύριος من مزامير داود عندما سأل اليهود محاولاً أن يثبت لهم أن المسيح هو الله المتجسد، كما وعدهم بمجيئه إليهم في نبوآت توراتهم، فقال لهم: « كيف يقول الكتبة أن المسيح ابن داود؟ لأن داود نفسه قال بالروح القدس: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ»- مز110: 1
– « الرَّبُّ لِرَبِّي» – يهوه ايلوهيم- יְהוָה אֱלֹהִים – LORD God والتي باليونانية « ο κυριος τω κυριω» «أو كيريوس تو كيريو».
حتى أن توما الشكاك قال للسيد المسيح بعد قيامته :أَجَابَ تُومَا: «رَبِّي وَإِلَهِي» والتي باليونانية κυριος μου και ο θεος μου » κύριος θεὸς« كيريوس ثيؤس- الرب الإله
فجميعها لقب إلهي واحد متساوي المعني أطلقهم الرب يسوع المسيح لنفسه بإستحقاقٍ وهو اليهودي الذي يعلم جيداً أن الألقاب الإلهية لا يستطيع أن يقترب منها إنساناً او حتى نبياً، وأعلن هذه الحقيقة الإلهية لليهود بصيغ مختلفة لعلهم يفهمون .
ولهذا كان الوحيّ أميناً في إنتقائه لكلماته وألقاب الرب الإله بدقة متناهية، حتى قبل ميلاد السيد المسيح بمئات السنين. فلا فرق بين: «أم الله و أم إبن الله، والدة الإله» بحسب قول ملاك البشارة لها: « فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ»«لو1: 35»، وبالمناسبة لقب«القدوس» لقب إلهي خالص لا يُطلق أبداً على إنسان ولا على كائن سماوي ولا أرضي مهما كانت درجة قداسته. فإن كان هو القدوس فتكون هي «أم القدوس»، وإن كان يُدعى«ابن الله» فتكون هي« أم إبن الله، وأم الإله وأم الله و أم الرب كما دعتها أليصابات» فهي مستحقة أن تكون« ثيؤطوكس، والدة الإله»، فللإمومة الروحية سلطان ،وليس هبة ولا تفضلاً ولا منحة من أحد بل جائت ألقابها بتعيين إلهي لأنها حاملة سر التدبير الخلاصي. فقبل « غير المحوي » في بطنها ومن قِبل ثمرتها أدرك جنسنا سرّ الخلاص الأبدي بحسب التدبير الإلهي لسر الفداء العظيم.
حتى أن آباء الكنيسة الأولى إستخدموا هذا لقب «والدة الإله، ثيؤطوكوس» في الليتورجيات الأولى«الطقس الآبائي الأول». فكان موجوداً ومحفوظاً في ضمير و إيمان الكنيسة الأولى و وعيها وتعليمها الشفهي وصلواتها. فوُجِد لقبها فى الليتورجية « الطقس» الذي إستخدمته الكنيسة السريانية الأولى والتي تعود بعضها للقرن الأول مثل « ليتورجية أورشليم» لقداس القديس يعقوب الرسول أخو الرب أول أساقفة أورشليم «سنة 70 م». فهي أول ليتورجية تداولت مفهوم ولقب« ثيؤطوكوس» في تعاليم الكنيسة وصلواتها الشفهية، والتي كُتبت في أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس أي قبل أن يثبتها مجمتع افسس.
فهو لقباً ليس مستحدثاً منذ مجمع أفسس 431م كما يدعون بل كان متداولاً في التعاليم الشفهية وصلوات الكنيسة التأسيسية الأولى، ولكن مجمع أفسس المسكوني أقرّه رسميا وثبَّته كمصطلحاً كنسياً، ولكنه كان عقيدة متداولة بالكنيسة التأسيسية، وكان سبب تثبيتها بالمجمع رسميا أنها أتت ضمن دحض المجتمع لبدعة نسطور ضد لاهوت المسيح. فإعتراض نسطور على إستخدام لقب العذراء « ثيؤطوكوس» دليل دامغ على أنه كان لقباً متداولاً ومستخدما فعلياً في ضمير الكنيسة قبل إعتراضه وهرطقته، فجميع الكتابات الأولى بدءاً من التلميذ يعقوب أخو الرب، وكل الآباء الأولين أستخدموه وتداوله قديسي مدرسة الأسكندرية كـ أوريجانوس«210 – 254 م»، وتلميذه ميثوديوس من أوليمبوس« تنيح 311 م»، و أثناسيوس الرسولى« 330 م»، و غريغوريوس اللاهوتى « الناطق بالالهيات»« 370 »، يوحنا ذهبى الفم، و« 345 – 407 م»،والقديس كيرلس والقديس الأمازيغي أغسطينوس ، والبابا ألكسندروس الـ19. كذلك غريغوريوس الترنيزي يقول: « من لا يعترف بأن مريم هي أم الله فهو منفصل عن الله» وكان قوله هذا سنة 428 م أي قبل أن يقره مجمع أفسس سنة431م.
وقبل أن يقره رسمياً المجمع المسكوني الثالث بأفسس عام 431م، قال القديس كيرلس الكبير بأن جسد المسيح لا شأن له إلا في شخص ابن الله وتجسده الإلهي: «ان الكلمة بإتخاذه في شخصه جسداً تحييه نفسٌ عاقلة صار إنساناً. ليس لناسوت المسيح شأن إلا في شخص ابن الله الإلهي، الذي إتخذه وخص به ذاته منذ الحبل به». وجاء بإعلانه: «أن مريم أصبحت في الحقيقة والدة الإله لا لكون كلمة الله إتخذ منها طبيعته الإلهية، ولكن لكونه إتخذ منها الجسد المقدس مقروناً بنفس عاقلة والذي إتحد به الكلمة شخصياً».
5- وسؤالي الخامس: هل لقب« يهوه» بالعبرية يعني«الله أم الرب» أو كلاهما؟ عندما ترجم اليهود توراتهم«قبل ميلاد المسيح بثلاثة قرون» إلى اليونانية في النسخة السبعينية، تُرجموا « يهوه- יהוה » =الرَّبُّ إِلهُـكُمْ κύριος ὁ θεὸς= كيريوس ثيوس
وهو يساوي «يهوه – الرب» لقب « الله بالعبرية= κύριος = יהוה »
نستخلص من هذه الترجمة أن: « κύριος كيريوس = יהוה يهوه »
كذلك« θεὸς ثيوس = يهوه יהוה ».. إذاً « κύριος θεὸς – الرب الإله»
יהוה = يهوه= الرب = الله = ثيوس= كيريوس !
إذاً: أم الرب= أم الله بالعربية ويقابلها باليونانية: « Μήτηρ του κυριου = Μήτηρ του Θεού ».. وتنطق « ميتير تو كيريو= ميتير تو ثيؤ.. أي= أم الرب كيريو » = أم الله أو والدة الإله ثيؤس.
فالوحي المقدس و بمنتهى الدقة على لسان أليصابات وتسميتها المستحقة لها «أم ربي» مساوياً تماماً لـ « أم إلهي- أم الله- والدة الإله»
لهذا كان الوحي المقدس دقيقاً حين وصف حالة أليصابات الروحية التي تنبأت بها بأنها كانت ممتلئة من الروح القدس: « وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ..» لوقا 1 : 43 » « ، فجاء لقب «والدة الإله» بوحي الروح القدس، ولم يبتدعه لا الرُسل ولا الآباء الأولين.
فبإنكارهم لقب «والدة الإله» يكونوا قد وقعوا في هرطقة نسطور التي إعتبرت المسيح إنسان سكن فيه « الله الكلمة» مثلما يسكن الروح القدس في القديسين! فأعتبر أن الطبيعتين منفصلتين حين قال: « لم يولد الله الكلمة من مريم لكنه سكن في ذاك الذي ولد من مريم.. سوف نفرِّق الطبائع ونوحد الكرامة، سوف نعترف بشخص مزدوج ونعبده كواحد»، فهو أعتقد بوجود شخصين في المسيح وبالتالي مشيئتين منفصلتين، شخص الإله الكلمة أحد أقانيم الله الثلاث وشخص الإنسان يسوع! وهو ما يضع إيمان هؤلاء الحمقى موضع الشرك وتعدد الآلهة. لا كـ « ابن وحيد الجنس» طبيعة واحدة متحد فيها لاهوته بناسوته « إنسانيته؛ كإبن الإنسان+ إلوهيته؛ كإبن الله» إتحاداً طبيعياً، أي إتحاداً أقنومياً للكلمة بالجسد، إتحاداً حقيقياً و واقعياً « إتحد بنفسه أو لنفسه حسب الأقنوم – ήνωσεν έαυτώ καθ’ υποστασιν ».
لهذا كان قول الملاك للرعاة: «أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ» «لو 2: 11». فهو لم يقل: سوف يصير ربًّا ولا سوف يسكن فيه الرب، بل كان قولاً دقيقاً واضحاً: «هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ ».لهذا جاء قول أليصابات « أم ربي ». فلا يوجد مسيحي حقيقي يقول مثلما يدعي هؤلاء المنشقين عن الكنيسة الرسولية. نؤمن بأن مسيح الله «ليس إنسان متأله بل إله متجسد»، لهذا لا نقول أبداً أن العذراء «والدة الإنسان يسوع»، وإلا نكون بنجرده من كينونته وطبيعته الإلهية الفريدة وأنه« الابن الوحيد الجنس- مونوجينيس »كما وصفه يوحنا الإنجيلي.
هذا الوحيد الجنس،و المتفرد بجنسه وبكينونته، متحداً فيه طبيعتيه « لاهوته+ ناسوته» إتحاداً كيفياً فريد. جاء إتحاد جسده بلاهوته « إتحاداً طبيعياً وأقنومياً»، فالجسد هو جسد الله الكلمة «الجسد الإلهي» وبدون لاهوته الحالّ في جسده لا يصبح لجسده قيمة أو يصلح ليكون ذبيحته كفارية أبدية « غير محدودة» تفي بالعدل الإلهي لجميع البشر منذ آدم وحتى إنقضاء الدهر. لأنه لو لم يكن جسده « جسداً مقدساً إلهياً لله الظاهر فيه»، ولو لم يكن متحداً« إتحاداً طبيعياً أقنومياً» بلاهوته فلا تفي ذبيحته الكفارية لتسديد دين الخطية للبشرية جمعاء عبر كل عصورها وحتى مجيئه الثاني ليُدين الأحياء والأموات بنفس طبيعته التي صعد بها لسماء عرشه وجلس بها عن يمين العظمة في الأعالي كما يقول الإنجيل، ففي طبيعته الإلهية إحتوى فيها طبيعته الإنسانية أي «لاهوته غير المحوي » إحتوى فيه « جسده المحوي» ، فتوحدت الطبيعتين بهذا الجسد الإلهي الذي لم ينفصل عن لاهوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. فكيف يجرأون الآن أن يفصلوا وِحدة الطبيعتين كما فعل نسطور، حين يتعلق الأمر بلقب العذراء « والدة الإله، ثيؤطوكوس»؟!!