الأحد , ديسمبر 22 2024

قبل فوات الآوان


12047736_10153544680276830_99143461_n

بقلم/ الكاتب المصري ماجد سوس

جريدة الاهرام الكندية

منذ فجر التاريخ و منذ لحظة بزوغ الشر الكامن داخل الإنسان بسبب ترك أذنه لفم الشيطان و هو يبدأ من نقطة واحدة وهي نقطة التمرد و الانقسام.إما بانقسام الذات فتطفو على سطح العلاقات البشرية او حتى في العلاقة مع الله ذاته فيبدأ الانسان يشعر أحيانا انه ليس في حاجة الى الله ويبدأ ان يطلب ان يأكل من الشجرة التي منعه الله ان يأكل منها . وحتى بعد ان بدأت الحياة الإنسانية بدأ ينقسم على أخيه فسجل الإنسان أول جريمة قتل عرفتها البشرية بسبب الذات فلماذا تقبل ذبيحة أخي ولا تقبل ذبيحتي هكذا تساءل قايين وبدلا من ان يبحث في اسباب عدم قبول الله لذبيحته راح ينتقم من اخيه.
حتى رجال الله العظام كانت أخطاؤهم نتيجة لانقسام حاد في ذواتهم فلنتذكر الصراع الذي دار داخل داود النبي حينما ترك الحرب مع أعداء مملكته و راح ينظر ويشتهي بل ويزني مع جارته امرأة أحد قادته . ثم جاء سليمان الحكيم و الذي بانتهاء عصره بدأ الانقسام وانقسمت المملكة وبدأ الخراب يدب فيها ولكن لسبب آخر هو حب الرئاسة الذي أدى الى التفتت.أما المثال الثلاث فهو خلاف عائلي كاد ان يتسبب في أزمة لولا حكمة أبونا ابراهيم حينما توترت العلاقة بين رجاله وخدامه مع رجال وخدام لوط ابن اخيه فطلب لوط الانفصال و انقسمت العائلة و ترك كل منهما الآخر.
عندما تجسد السيد المسيح أسس فداءه على فكرة المصالحة و اعادة وحدة الانسان سواء مع الله او مع اخيه الانسان فحمل معه قوة الوحدة وأعطاها للإنسان و قبلها جعل الاثنين واحدا أي السماء والأرض فأصبح هو رأس الكنيسة وأصبحت الكنيسة بكل فرد فيها – بلا استثناء – جسده .
فبات واضحا ان فلسفة الخلاص هي الوحدانية بين القدوس و المقدسين فيه فأعطي للبشرية امكانية الاتحاد به كما اتحد هو بطبيعتنا و صرنا شركاء طبيعته الالهية .و الوحدانية بين اعضاء الكنيسة التي لا يمكن لها بأي حال من الاحوال ان تحيد عنها فإن لم يشعر العضو بتألم العضو الآخر فلاتكن وحدانية بعد .
بكل أسف منذ أن اعلن لنا الرب يسوع هذا السر العظيم ، ما لبث الشيطان يغوي البشر على تأجيج فكر الانقسام حتى ان الرب حين كان يؤسس كنيسته سمع يوما تلاميذه يتناحرون من يكون الاول و من يكون المتقدم حتى حزن عليهم وقال كلماته الذهبية من أرد ان يكون فيكم اولا فيكن خادما للكل . فخادم القوم سيدهم لذا من يقدم نفسه للخدمة بكل تواضع وانكسار و تجرد يصير و يكرس القلب والحياة لخدمة كرم الرب صارت الكنيسة تناديه سيدنا .
على ان رب المجد حذرنا قائلا: هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة (لو22 : 31 ) وللأسف و رغم تحذير الرب لنا إلا ان عدو الخير نجح في قسم الكنيسة و تشتتها شرقا وغربا حتى تفتت الكنيسة الواحدة الى كنائس كثيرة فضعفت و خارت قواها و الضحية كانت النفوس .
فتحولت الكنائس في كرازتها بالمسيح الى كنائس تتباهى بمعتقداتها و تاريخها ولغتها و قوميتها دون ان تعي خطورة عدم ترتيب الاوليات و صرنا نفتخر بمن يحفظ اللحن او يجيد التجويد او يعرف اللغة القديمة دون ان نعرف هل هي وسائط حقيقية لربط النفوس بعلاقة حية بالمسيح ام لا و صار الحديث عن خطورة هذا الاتجاه ، جريمة قد تصل الى حد اتهامك بأنك تحارب الكنيسة !.
من حقك ان تفتخر بأن ابنك يحفظ الألحان ويجيدها لكن لا تقف عند هذا لأنه لاقيمة له عند الله ان لم يتحول الى تسبيح قلبي وصلاة سهمية تدخل الى قلب الله و تغير المؤدي والمستمع . من حقك ان تتباهى ان ابنتك تقرأ او تتكلم القبطية لكن لا تقف عند هذا بل تأكد ان تعرف لغة الحوار مع الله فتكلم الله العبرية و تكلم ايضا مع الامم بلغاتهم المختلفة وتكلم الروح القدس بكل اللغات يوم الخمسين على ان العامل المشترك بينهم كانت فحوى الكلام و تأثيرها على النفوس فأنضم للكنيسة الكثيرين بسبب تأثير الكلام لا حروف اللغة.
لا يفوتني في هذا المقام ان اقدم تحية قلبية لمن ساهم من الآباء آساقفة المهجر في انشاء كنائس امريكية تابعة للكنيسة القبطية المصرية و قد طالب الكجمع بإبقاء كلمة قبطية في عنوانها للإحتفظ بالهوية القبطية و هو أمر مقبول من حيث أهمية الشكل أما المضمون فهو ان نم على شيء ينم عن استنارة عالية ووعي شديد لخطورة ان تفقد الكنيسة اولادها الامريكان او متحدثي اللهجة الأمريكية من ناحية وان تفقد الكنيسة دورها الكرازي في المجتمع الأمريكي من ناحية أخرى.
إنها ليست دعوة للتوقف او عدم التوقف عن الصلاة بالقبطية او الالحان الكنسية فكلها اشياء احبها بل اعشقها منذ طفولتي ولكن يجب علينا ان نقف وقفة صريحة مع نفوسنا و نتذكر كلام المسيح له كل المجد حينما تساءل أيهما اهم المذبح ام القربان بالطبع الاجابة ستكون القربان هكذا ايهما اهم الممارسات الجوفاء او الاطالة في الصلاة ام اولادنا هنا يجب ان نصرخ بكل قوة ونقول أبناءنا ، ابناءنا ، ابناءنا . أتذكر حينما خاطب ابونا القمص تادرس يعقوب مجموعة من الشمامسة قائلا لاتطيلوا في الالحان لئلا نفقد ابناءنا الذين لايعرفوها ويتذوقوها مثلكم و قال من اجل اخيك لا تتفاخر انك تصلي اربع ساعات بل صلي ساعتان و اكسب للكنيسة نفوس لئلا تقع في دينونة انك تركت اخيك يخرج من الحظيرة ولعلة كنت تطيل الصلوات. وقال القديس الأنبا أنطونيوس : ” الطريق الوسطى خلّصت كثيرين “
وقال سليمان الحكيم: ” لا تكن باراً كثيراً، ولا تكن حكيماً بزيادة، لماذا تُخرِب نفسك ؟! ” ( جا 7 : 16 ) . فقد حاول البعض محاكاة القامات الروحية العالية ، فى صومهم وسهرهم وجهادهم وإطالتهم في الصلوات او التسبيح ، فباءت كل جهودهم بالفشل ، لعدم الاعتدال ، أو لعدم التدرج فى التدريبات الروحية ، أو لرفض المشورة الصالحة ، أو بسبب الكبرياء والتفاخر بالعمل فضاع الأمل و الاهم من هذا وذاك ان يضيع الهدف من كل هذا.
أرجو ان تعذرني عزيزي القاريء و تلتمس لي وجيعتي و تمزق قلبي بالكم الهائل من شبابنا الذين يتركون الكنيسة لعدة اسباب من اهمها ان بعضنا لايقدم لهم المسيح الذي يقبل الخاطي كما هو بكل ضعفاته بشكله بملبسه بطريقته في الكلام و اصبح انتقاده وادانته وجرحه اول شيء يصطدم به الشاب حينما يقترب منا و اصبح العديد من مدارس الاحد والاجتماعات تركز على القصص الحالمة البعيدة عن واقع اولادنا .اولادنا يا احبائي يريدون من يشعر بهم من يحترم مشاعرهم وافكارهم ، من يسمع لهم ، من يحقق لهم مطالبهم قدر الامكان ، من يشعرهم بأنه يحبهم حبا حقيقيا و مستعد ان يبذل نفسه من اجله ، أقول هذا يا اخوتي قبل فوات الآوان .

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …