الكاتب : مايكل عزيز البشموري
انتاب البعض حالة من التوجس والريبة ، حيال السماع عن تنظيم مظاهرة يوم 9 سبتمبر ، الذي ستنظم أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية ، ولعلي من أبرز تلك التوجسات ، هو الشك في إنتماءات الاشخاص الداعين إليها ، وعدم معرفة القبطي البسيط الهدف المرجو من تلك المظاهرة ، فهناك أهداف صريحة ، أعلن عنها المنظمين ، وهو مكافحة الفساد المالي والاداري من قبل ( بعض رجال الدين ) داخل الكنيسة القبطية ، والمطالبة بمعاقبة ( رجال الدين هؤلاء ) المتسببين في إهدار ملايين الاموال من تبرعات وعشور الاقباط في أمور ليست ضرورية ، ومن بين الاسباب الاخري التي اعلن عنها المنظمين ، التظاهر ضد عجز رجالات الكنيسة القبطية ، الذين فشلوا حتي تلك اللحظة في إيجاد حلولاً عادلة لمتضرري ملف الاحوال الشخصية ، وفشلهم في كتابة لائحة جديدة من شأنها حل مشاكل متضرري هذا الملف .
وبالنسبة للاقباط الرافضين ، فيعتقدون بأن المظاهرة ستستخدم لإهداف غير معلنه ، أبرزها : تشوية صورة وسمعة الكنيسة القبطية في الداخل والخارج ، ومحاولة إبتزاز رجال الكنيسة لفرض المتظاهرين مطالبهم – حسب اعتقادهم – ، أضف إلي ذلك التخوف من دخول أيادي مندسة بين المتظاهرين ، من شأنه إحداث أعمال شغب قد يؤدي بالنهاية لإعمال عنف وتخريب ممنهجة .
* الأبــواب المغلقــة :
علي الجانب الاخر تم أصدار بيانا رسمي من المجمع المقدس ، للتعقيب على تظاهرة يوم 9/9 ، وعبر الأنبا رافائيل سكرتير المجمع المقدس بأن : ” قداسة البابا تواضروس الثاني ، بابه مفتوح لكل من له مشكلة ، وأعرب نيافته في بيانه : ” عن رفضه التام لفكرة التظاهرة التي يعتزم البعض تنظيمها أمام الكاتدرائية احتجاجا على عدم حل مشكلاتهم الخاصة بالأحوال الشخصية ، مشيرا الي ان الكنيسة التي تعد كيانا روحيا لا يليق أن يدار بالصدام والمظاهرات محذرا من استغلال المغرضين لهذه المظاهرة لأحداث شغب غير مبرر ، وأكد نيافته : بأن قداسة البابا بابه مفتوح للجميع وهو يبذل جهدا كبيرا في سبيل نمو وانتظام الرعاية في الكنيسة وأن قداسته يتخذ القرارات من خلال لجان تدرس الموضوعات ثم ترفع توصياتها للمجمع المقدس لتتخذ القرارات بجماعية وبالأغلبية .
وقبل بيان الكنيسة الصادر مساء الاربعاء 9/2 ( أي قبل اربعة وعشرون ساعة تقريبا ) ، قمت بطرح مبادرة شخصية حول إجراء حوار مع قيادات الكنيسة بشأن مظاهرات 9/9 ، وتم نشر المبادرة في جريدة المصري اليوم ، وأغلب المواقع القبطية ، لمحاولة تقريب المسافات ووجهات النظر بين الفريقين ، وعرضت خمسة مطالب إصلاحية ينادي بها أغلب النشطاء من أقباط الداخل والمهجر ، ومن أبرز تلك المطالب :
1- استقلال المجالس الملية عن الكنيسة .
2- استقلال هيئة الأوقاف القبطية ، ودمجها تحت إدارة المجلس الملي العام .
3- استقلال المركز الثقافي القبطي.
4-منع تولي رجال الأعمال الأقباط لأي منصب إداري داخل الكنيسة لمدة لا تقل عن خمس سنوات .
5-تشكيل هيئة قبطية تضم أقباط علمانيين ورجال الكنيسة، لكتابة لائحة جديدة للأحوال الشخصية، تعمل على حل مشاكل متضرري هذا الملف بأسرع وقت ممكن .
وأضفت بأن دعوتي تلك جاءت للحفاظ علي الامن والسلم المصري ، نظراً لعدم إستقرار الاوضاع الامنية داخل مصر ، حتي لا يتدخل أيادي مندسة وسط المتظاهرين ، لإحداث أعمال عنف وتخريب ممنهجة ، مثلما وقع بإحداث مذبحة ماسبيرو .
وقد دعوت الكنيسة القبطية إلي إصدار بيان صحفي ، من المتحدث الرسمي بإسمها ، بشأن النظر لتلك المطالب ، وتحديد جدول زمني لتنفيذها ، والذي في حال الاستجابة لتلك المطالب ، سيتم إلغاء المظاهرة علي الفور .
” وبالفعل نجحت بالتواصل تليفونياً ، مع جناب القس الورع بولس حليم ، المتحدث بإسم الكنيسة القبطية الارثوذكسية ، وأبلغته بتلك المطالب الاصلاحية مباشرة ، لمحاولة فتح باب الحوار بشأنها ، وفي حقيقة الامر لم أجد منه أي إجابات شافيه حول تساؤلاتي والاقتراحات المقدمة اليه ، وما وجدته في حديثي معه ، هو تعنت ، ورفض واضح وصريح ، لإغلب المطالب المقترحة ، وهذا الامر يعكس حالة التناقض بين بيان الكنيسة الرسمي وحديث متحدثها الرسمي معي !.
وبناءاً علي هذا الموقف أعلنت من جانبي ، عدم المناداة بالتظاهر يوم 9/9 ، لإن التظاهر لن يكون له أي جدوي ، أو آثر إيجابي . و الإكتفاء بالتضامن فكريا مع النشطاء ، في حال رغبتهم بالتظاهر . لإن عكس ذلك سيعني التصعيد ضد الكنيسة وأبائها ، الذين أصبحوا للاسف يعيشون في وادي ، والشعب القبطي في وادىً آخر .
– تساؤلات :
– أين هذا الباب المفتوح الذي يتحدث عنه رجال الدين هؤلاء ؟!
– لماذا لا يريد رجال الدين هؤلاء مناقشة تلك المطالب الاصلاحية ؟
– لماذا أدمن أغلب رجال الدين المسيحي بمصر دمج العمل الرعوي مع العمل السياسي ؟
– هل من المنطقي إتهام كل شخص يطالب بالاصلاح الكنسي، أنه صاحب مشكلة بالاحوال الشخصية ؟!
– هل لدي الاقباط جماعة (المسيحية السياسية ) مثل جماعة ( الاسلام السياسي ) ؟
– ما هو الدور السلبي الذي يلعبه جماعة المسيحية السياسية ؟
* المسيحية السياسية ومستقبل الاقباط في مصر :
+ إن إستعلاء وغطرسة ( بعـض ) من رجال الدين الاقباط ، وعدم سماعهم لمطالب شعبهم ، سيؤدي بطبيعة الحال إلــي حدوث حالة من التمرد داخل صفوف الشباب القبطي ، فالكتاب المقدس يقول : ” أيها الاباء لا تغيظوا أبناءكم ” . وما نراه الان يحدث ، أن ( بعض ) رجال الدين فقدوا إحترامهم بنظر العديد من الشباب المسيحي الثائر ، والسبب في ذلك يرجع إلي تخلي أولئك الاباء عن مذبح الرب وهيكله ، وتركهم خدمة الافتقاد والعمل الرعوي ، والاهتمام بجمع المال ، والانشغال بالعمل السياسي ، وذلك علي حساب العمل الرعوي المعينين له خصيصاً – هنا – نجد أنفسنا أمام رجال دين يمارسون نشاطاً سياسي ، وهذا يعني اننا أمام ( جماعة المسيحية السياسية ) ولعلي من الامثلة التي توضح لنا توغل جماعة المسيحية السياسية بالشأن القبطي ، هو قضية الطالبة مريم ، والمعروفة اعلامياً بطالبة صفر الثانوية ، والذي أقحم عدداً كبير من رجال الكنيسة أنفسهم بتلك القضية ، علي اعتبار أن لديهم توكيل رسمي للدفاع عن قضايا الاقباط وحقوقهم ! ، وقد جاءت الصفعة القوية علي وجوه رجال الدين هؤلاء ، عندما رفضت الطالبة مريم بكل جرأة تقديم مساعدتهم لها ، موضحة بأن قضيتها وطنية من الدرجة الاولي ، وليست طائفية ، ومحاولة تدخل رجال الكنيسة لحل قضيتها (الذي يريد البعض منهم تلميع صورته ) يعد أمراً طائفي بنظرها ، وضد دولة المواطنة والقانون ، وبناءاً علي ذلك رفضت الطالبة / مريم ، مقابلة قداسة البابا تواضروس الثاني بسبب هذا الامر .
+” المسيحية السياسية ” وهو مصطلح سياسي للتعبير عن المشهد الذي يتعايشه الاقباط الان ، فيجب الاعتراف بأن تلك الجماعة يقودون الاقباط نحــو الهــاوية ، وهم من يحركون دوافع الاقباط الوطنية والدينية في آن واحد ، وتتمثل المسيحية السياسية في تعيين رجال الكنيسة ليكونوا أوصياء علي شعبهم في كافة القطاعات والمؤسسات ( وهذا ما كان يحدث بالقرون الوسطي في زمن تسلط الكنيسة الكاثوليكية ) ، ورجال الدين الاقباط مسئولين عن ترسيخ مفهوم هذا المصطلح السياسي ، الذي يعمل علي ترسيخه اليمين الاصولي المتطرف من الارثوذكس المتشددين ، الذين يعملون بجهد داؤوب علي تحريض بسطاء الاقباط لتشوية صورة وسمعة العلمانيين والفكر العلماني لديهم ، وبالمقابل تلميع صورة رجل الكنيسة الذي دائما ما يصفونه ( بالاسد المرقسي ) لتدعيم عملهم بكافة الامور الدنيا ، ( وهذا يذكرنا بالاسلام السياسي وإيدلوجية جماعة الاخوان المسلمين والسلفيين ) – وهنا نجد شيئ عجيب للغاية – وهو أن الاصوليين الارثوذكس من المسيحيين ، يتوافقون بشكل كبير في الفكر مع الاصوليين الاسلاميين ، في كرههم ونبذهم للفكر العلماني التنويري ، فأصبح الاسلاميين ونظرائهم من المسيحيين في خندق واحد ، فكما ان الاسلام هو ديناً ودنيا بالنسبة لجماعة الاسلام السياسي ( إخوان وسلفيين ) ، أصبح الحال أيضا مع جماعة المسيحية السياسية الذين يرون أن المسيحية هو ديناً ودنيا .
+ في الحقيقة لن يتحسن أوضاع الاقباط في مصر إلا بعد الانتهاء والتخلص من ( جماعة المسيحية السياسية ) ، فكما تخلص المصريين جميعاً ( مسلمين ومسيحيين ) من جماعة الاسلام السياسي في 30 يونيو ، علي المصريين أيضا التخلص والثورة ضد جماعة المسيحية السياسية ، لإن تلك الجماعة قد توغلت في الشأن القبطي العام بشكلاً صارخ ، وبدأو يعرقلون دولة المواطنة بإيدلوجيتهم المتطرفة ، ومحاربتهم للفكر العلماني المعتدل ، وذلك عبر صفحاتهم وأقلامهم ووسائل إعلامهم ، من خلال تقديمهم لخطاب ديني ( رجعي وتقوقعي ) ،عمل هذا الخطاب الديني علي إغتيال الشخصية القبطية ، ( وللحديث عن إغتيال الشخصية القبطية السياسية يحتاج الامر منا عدة مقالات وسنناقش هذا الامر في وقتا لاحق ) ، ويعمل الخطاب الديني الذي يقدمه أولئك ( الرجعيين ) علي تغييب العقل القبطي دائما ، والالقاء بنظر الاقباط بعيداً نحو الماضي ، ليعيش القبطي أسيراً فيما تعرض له من حوادث والآلآم بالماضي البعيد ، ليقتنع بأنه ليس من هذا العالم وأن الاضطهاد والاستشهاد هو مصيره الحتمي ، وبالتالي الادراك بإن الكنيسة ورجال الدين هما الملاذ الآمن لهم ، وان العلمانيين من الاقباط ما هم إلا عبارة عن حفنة من الاشخاص المنحرفيين يعملون ضد العقيدة والايمان !، بالطبع كل تلك الخرافات ينشرها ويروج لها اولئك الاقباط الرجعيين لإخضاع المسيحيين وإيهامهم بأن رجال الدين هم القادرين علي حمايتهم أمام بطش الاكثرية .
+ علي الجميع إدراك أن أي عمل إصلاحي نناشد به ، هو لإجل بنيان كنيسة الله المقدسة الجامعة الرسولية ، وأننا حريصين كل الحرص علي وحدانية كنيستنا القبطية الارثوذكسية الرسولية .
+ علي رجال الدين الاقباط الإدراك ، بأنهم يتعاملون مع شباب قبطي قد شارك في ثورتين خلال ثلاث أعوام فقط ، وأن هذا الشباب القبطي قادر أن يثور ضدهم في حال عدم الرضوخ لمطالبهم الاصلاحية .
+ علي رجال الدين الاقباط الإدراك ، بأنهم باتوا يلعبون دورا سلبي للغاية في عرقلة دولة المواطنة ، وذلك بسبب تصرفاتهم الشاذة ، وعدم تمييزهم الفصل بين العمل الرعوي ، والعمل السياسي .
+ علي رجال الدين الاقباط الإدراك ، بأنهم قاموا بالاستيلاء علي المؤسسات القبطية المدنية دون وجه حق ، فتلك المؤسسات لا يحق لهم الاستحواذ عليها لا من قريب أو من بعيد ، فعلي سبيل المثال لم تقم الكنيسة بتشكيل المجلس الملي العام للاقباط الارثوذكس أو هيئة الاوقاف القبطية ، بل الدولة المصرية من قامت بذلك عام 1874 ، لتكون تلك المؤسسات الواجهة السياسية للاقباط ” .
+ علي رجال الكنيسة إعطاء الفرصة للعلمانيين الاقباط ، للامساك بزمام الامور ، وقيادة الاقباط سياسيا وإجتماعيا ، بدلا من القيادة المرتعشة لرجال الدين الاقباط .
+ علي الاقباط الإدراك ، بأنهم إن لم يتحرروا من جماعة المسيحية السياسية ، والخروج من عباءة رجال الدين ، فإن حقوقهم سوف تسلب وسيكون رقمهم صفــر في المعادلة السياسية المصرية .
+ علي صفحات اليمين الارثوذكسي المتطرف المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الإدراك ، بأن ما يفعلونه من تحريض سافر ضد العلمانيين الاقباط ، والهجوم علي العقائد ومعتقدات الاخرين ، سيضعهم هذا الامر مع نظرائهم الاسلاميين في خندق واحد .
+ علي أخوتي الاقباط بأن لا ينظرون إلي الخلف ، ويتحسرون علي الماضي بجماله وأشواكه مثل إمراءة لوط ، بل عليهم التطلع نحو المستقبل بإشراق ، والعمل علي بعث روح الارادة والتحدي لنهضة وطننا وكنيستنا القبطية .
” من له إذنان للسمع فليسمع ” .
الوسوممايكل عزيز البشموري
شاهد أيضاً
المحاكمات (التأديبات) الكنسية … منظور ارثوذكسى
كمال زاخرالخميس 19 ديسمبر 2024 البيان الذى القاه ابينا الأسقف الأنبا ميخائيل اسقف حلوان بشأن …