الكاتب : مايكل عزيز البشموري
تباينت ردود الافعال داخل الاوساط القبطية ما بين مؤيد ومعارض لفكرة تنظيم مظاهرة يعتزم بعض النشطاء الاقباط إجراءها يوم 9/9 من شهر اكتوبر المقبل ، وذلك أمام مقر الكاتدرائية المرقصية بالعباسية ، وتهدف المظاهرة التي جاءت تحت شعار : ” شعب الكنيسة .. غضبان يا كنيسة ” كما يروج منظمي التظاهرة ، تهدف بالتنديد ببعض المخالفات الادارية والمالية التي يرتكبها بعض من رجال الدين بالكنيسة ، وتأتي تلك المخالفات المالية التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات من عشور وتبرعات الاقباط ، فيري اولئك النشطاء كما يعتقدون بأن رجال الدين هؤلاء هم المسئولين الوحيدين عن إهدار تلك الاموال الذي قد ائتمنوا عليها ، فتلك الاموال الكثيرة تُصرف علي أمور غير اعتيادية حسب زعمهم ، وهناك مخالفات نسمع عنها بين الحين والاخر يروج لها البعض ، فمثلا نسمع أن هناك :
+ أسقف قبطي قد أهدر أكثر من 7 ملايين دولار علي شراء قصر خاص به ، ومصاريف رحلاته وحفلاته ببذخ حتي اقتربت إيبارشيته عن إعلان إفلاسها ، وهذا الاسقف إيبارشيته متواجده في القارة الاسترالية .
+ أسقف آخر لإيبارشية فقيرة بمصر أخذ مليون دولار وسافر بالاموال علي أمريكا ، ولم تعلم الكنيسة ماذا فعل هذا الاسقف بأموال إيبارشيته ولم تفتح الكنيسة تحقيق حول مصير تلك الاموال .
+هناك أساقفة وقسوس يسافرون الي دول المهجر بمتوسط 4 رحلات سنوية لهؤلاء الاساقفة والرهبان ، والخدمة بالمهجر لا تحتاج إليهم من الاساس ، وتكاليف تلك السفريات يصل إلي الالاف الدولارات سنوياً .
+ أساقفة وكهنة لديهم أحدث السيارات الفارهة : هامر وفولفو وسبورت ، تبلغ مئات الالاف من الدولارات .
+ هناك أباء كهنة يمتلكون مئات الالاف ( والملايين ) في أرصدتهم البنكية ولا نعلم من أين أتوا بكل تلك الاموال .
+هناك أباء كهنة وأبناءهم يمتلكون فيلات وقصور في الساحل الشمالي ومارينا والمدن الساحلية .
+ هناك ملايين الجنيهات تضيع هباءاً كل عام بنشر التهاني والمعايدات في الجرائد والمجلات ، تحت مسمي تهنئة أصحاب النيافة والقداسة والغبطة من الاساقفة والكهنة ( مرة لرسامة نيافته راهباً ، ومرة أخري لعيد رسامة نيافته أسقفاً … إلخ ! ) .
+ رهبان قد تجردوا عن العالم واختاور الفقر الاختياري لديهم موبيلات ( آيفون 6 وسامسونج جلاجكسي أحدث موديل .. ناهيك عن السيارات الفارهه التي يمتلكونها ، وقلاياتهم المكيفة !!!!!!!
+ ملايين الجنيهات تهدر سنوياً علي أكثر من 25 قناة قبطية لا تقدم شيئ سوي تقديم خطاب ديني مغيب ورجعي ! .
*تساؤلات مطروحه :
هناك الكثير والكثير من ملفات الفساد المالي والاداري بل والاخلاقي داخل المنظومة الكنسية القبطية ، ولكي نكون منصفين هناك أيضا فساد في الكنائس والطوائف الاخري .. السؤال هنا : هل نصمت علي هذا الفساد ؟! وهل لا يوجد فســاد والدنيا حلوة والناس كلها قديسين ؟ هل المتظاهرين يوم 9/9 هدفهم التظاهر ضد العقيدة والايمان ، وتشويه صورة كنيستنا القبطية ؟ هل التظاهر ممنوع وضد القانون ؟ ولماذا أعرب البعض عن إمتعاضه وإستنكاره لقيام مثل تلك المظاهرة ؟ مظاهرات 9/9 هل هي ثورة ؟ أم لعب شوية عيال كما يروج لها البعض ؟ وأخيرا ماذا نريد من كنيستنا القبطية ؟
في الحقيقة تلك المظاهرة ليست ثورة من الاساس ، وفي ذات الوقت ليست لعب عيال ، ولكن الجديد في الامر أن هناك تطور نوعي قد حدث داخل المشهد القبطي ، هذا التطور يتلخص في نقل المعارضة الفيسبوكية ضد تصرفات وأفعال بعض من رجال الدين ( بتوع السياسة ) من مجرد نشر كلمات وبوستات مناهضة لهم ، وذلك عبر عالمنا الافتراضي بمواقع التواصل الاجتماعي بالفيس بوك ، الي نشر تلك المعارضة علي أرض الواقع عبر التظاهر الجدي الذي تبناه الاخ المثير للجدل / وحيد شنودة ، وكما قولنا هذا الامر يعتبر تطور نوعي يشهده الشارع القبطي ، فلإول مرة يخرج علينا بعض الاشخاص المحسوبين علي الاقباط ليتظاهروا ، ويطالبون عنوة بضرورة إجراء إصلاحات هيكلية داخل المنظومة المالية والادارية بالكنيسة القبطية الارثوذكسية .
” نرجع إلي سؤالنا الاول : هل يوجد فساد ( مالي ) داخل الكنيسة القبطية ؟ بالطبع الفساد يوجد ومستشري في كل مكان بمصر ، ويؤسفنا القول بأنه يوجد رجال دين فاسدين بالكنيسة وفي كل كنيسة ! ، والاقباط يعلمون بهذا الامر علم المعرفة ، وهي من الامور المسلم بها بينهم ، ولكن مثلما تعود الاقباط علي الصمت أمام الاضطهادات والضيقات التي يتعرضون لها في وطنهم ، فإنهم أيضا قد إلتزموا الصمت ولم يفتحوا فاه حيال تجاوزات الكهنة ورجال الدين المسيحي الذي إستفحلت ثروات البعض منهم ، وكعادة المصريين البسطاء ، أكتفي الاقباط بالسخرية فقط من أوضاعهم بترديد الامثال الشعبية فيما بينهم مثل : ” سنة بالفرجية ولا عشرة في السعودية “.. وهذا مثل قبطي شهير يردده الاقباط دوما عندما يتحدثون عن الغناء الفاحش لرجال الدين الاقباط و “الفرجية” هنا تعني رداء ذات لون اسود يرتديه الكهنة في مصر . ومن الاشياء الطريفة التي يتداولها الاقباط فيما بينهم هو لحن : شيري ني ماريا ، هذا اللحن القبطي الشهير الذي قام الاقباط بتحريفه ليتواصف مع حالة الفساد التي يرونها أمامهم ، فقاموا بتغيير الكلمات بنفس اللحن ليتغنوا به قائلين : شيري ني ماريا .. أبونا أشتري عربية .. شيري ني ماريا .. ملاكي إسكندرية .. إلخ “.
ماذا نريد من كنيستنا القبطية ؟
الكنيسة .. ( أي كنيسة ) .. هو بيت يجتمع فيه المؤمنين للصلاة من أجل خلاص البشرية ، ومن أهم أهداف الكنيسة : دعوة الخطاة إلي التوبة ، والافتقـــــاد الروحـــي ، والتبشير بكرازة الانجيل في العالم أجمع ، ولإجل تلك الغاية المقدسة ، يتم تنصيب القادة الروحيين لتولي الرتب الكهنوتية داخل الكنيسة مروراً بالبطريرك ، ووصولاً لإصغر شماس بالكنيسة ، وعندما يتناسي قادة أي كنيسة مسئولياتهم الروحية تلك تجاه رعاياهم الروحيين ، نستطيع القول بأن اولئك القادة الروحيين قد إنحرفوا عن مسارهم الروحي الذي قد عُينوا خصيصاً من أجله وهو الافتقاد والصلاة من أجل خلاص البشرية ودعوة الخطاة الي التوبة والبشارة بإنجيل مخلصنا المسيح .. والانحراف عن هذا المسار الروحي يعتبر إشكالية كبيرة في بنيان وسلام الكنيسة الواحدة ، فلا يمكن أن تخدم الكنيسة الله وقيصر ، ولا يمكن أيضاً أن تخدم الكنيسة الله والمال في آن واحد .
فإذا تغلب الطابع الاجتماعي علي الطابع الروحي الذي تقوم به الكنيسة ، فهذا يعني تحويل جدران الكنيسة إلي نادي إجتماعي يُقام به عدة أنشطة عالمية ليس له أي دخل بخلاص الانسان وعلاقته مع الله ، لان الطابع الاجتماعي سوف يغلب بدوره الطابع الروحي ، وهذا الخطر الكبير الذي يواجه أغلب الكنائس ، وتحديدا في كنائس منطقة الشرق الاوسط ومسيحيي المشرق ، والسبب في ذلك يرجع إلي أن المسيحيين بالشرق العربي ، باتوا يرون في كنائسهم بأنها الحصن الاخيــر المتبقي لهم ، فالكنيسة بالنسبة اليهم أصبحت الملجأ والمدرسة ، والنادي ، والحضانة ، والحفلات ، والمؤتمرات ، والمهرجانات ، والرحلات وغيرها من الانشطة التي يفتقدون إليها ولا يجدونها في دولهم ، وأصبح رجل الدين المسيحي ( خاصتاً في مصر ) بات يلعب عدة أدوار : ديني وسياسي وإجتماعي ، ويجب أن نعترف بأن هذا الامر ليس ذنب ومسئولية رجال الدين المسيحي في مصر ، ولكن المسئولية كلها ترجع علي عاتق أنظمة الحكم العسكرية التي حكمت مصر طيلة ستون عام ، فقد فشلت تلك الانظمة في إحتواء مواطنيها المسيحيين ، فأضطر رجل الدين القبطي تمثيل المواطن المسيحي المصري سياسياً وإجتماعياً أمام دولته المصرية الذي باتت تري في رجال الدين هؤلاء أنهم شركاء معها في السلطة السياسية بشكلاً أو بآخر ، وبات ينظر رجال الدولة الي الاقباط علي انهم قطيع من الخراف ورعايا مسئول عنهم بالدرجة الاولي كنيستهم القبطية وليست الدولة المصرية ، وهنا الاشكالية الكبري ، فقد أصبح رجل الدين القبطي يمتلك كل الصلاحيات والمهمات التي تخول له للعب هذا الدور الخطير ، وبات مستقبل الاقباط السياسي مرهوناً بتعامل رجال دينهم مع القيادات السياسية ، فإذا كان رجل الدين مطيع ومتعاون ستسلك الامور بشكلها الاعتيادي ، وإذا كان غير متعاون ستسلك الامور أيضا بشكلها الاعتيادي ، وهو ظلم الاقباط في كافة النواحي ! .
مظاهرة يوم 9/9 أمام الكاتدرائية المرقصية بالعباسية بالنسبة لي هو جرس البداية فقط ، حتي إن لم تكتمل ملامح وأهداف تلك المظاهرة ، فهناك رسالة يراد إرسالها ، مفادها : هو أن الاقباط مثل أغلبية ” حزب الكنبة ” لــن يقبلون بإستمرار الاوضاع المتدهورة التي تمر بها كنيستهم الان ، وذلك من خلال انقسام الصف الارثوذكسي الذي يغذيه المتطرفين من الاقباط الارثوذكس من ناحية ، وبين أصحاب الاجندات والمصالح الشخصية من رجال الكنيسة ورجال الاعمال الاقباط الذين ينافقونهم من ناحية أخري ، وحتي لو فشلت تلك المظاهرة ، فيكفي أنها تعتبر الخطوة الاولي لنزول الاقباط إلي الشارع للمطالبة بالاصلاح الحقيقي الذي يسعي اليه كل قبطي داخل كنيسته ، الذي تآثرت بكل أسف بعوامل السياسة ، عبر احتكاك رجالات الكنيسة بالمسؤولين وصناع القرار المصري ، الذي بدورهم قاموا بتهميش التيار القبطي العلماني والاحزاب المدنية الليبرالية لصالح رجال الدين هؤلاء ، إن مظاهرة 9/9 لن تكون الاولي ولن تكون الاخيرة .. ولكنها البداية الحقيقية للمناداة بضرورة فصل السلطات المدنية والتشريعية القبطية عن وصاية رجال الكنيسة القبطية ، الذين باتوا يحتكرون كل شيئ لصالحهم ، فتلك السلطات والمؤسسات القبطية قد خولت اليهم كما أشرنا بفعل الانظمة الفاشلة التي حكمت مصر طيلة الستون عام الماضية .. ومن أهم السلطات المدنية والتشريعية التي يطالب التيار القبطي العلماني بإستقلالها كالاتي : 1- المجالس الملية 2- هيئات الاوقاف القبطية 3-المشروعات الكبري 4- المركز الثقافي القبطي 5-المدراس والمعاهد القبطية ، كل تلك المؤسسات المدنية ليس من حق رجال الدين إدارتها ، لانه كما أشرنا ليس من إختصاصات رجال الدين لعب دوراً إجتماعي شامل ، فإختصاصهم الحقيقي والاساسي هو العمل الروحي والرعوي فقط ، أما علي الجانب الاجتماعي والسياسي فيجب أن يمثل العلمانيين الاقباط عبر إدارتهم لتلك المؤسسات التي تمثل الذراع السياسي الحقيقي للاقباط ، وهنا نري وجوبية إستقلال تلك المؤسسات بأسرع وقت ممكن ، وذلك لتشكيل قيادة علمانية قبطية سياسية ، تستطيع تلك القيادة العلمانية المطالبة بحقوق الاقباط المصريين ، ولترسيخ مبدأ ومفهوم العلمانية والمساواة بين المصريين .
أخيــراً
” في الاول يتجاهلونك .. ثم يسخرون منك .. ثم يحاربونك .. ثم تنتصر ”
( المهاتما غاندي )
الوسوممايكل عزيز البشموري
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …