بقلم : الأديبة السورية نادية خلوف
يسكنني شوق وحنين إلى الإنسان. أبحث عنه ليل نهار. لا أريد منه سوى أن نتبادل كلمات التّعاطف والحبّ.
في ذلك الوادي السّحيق الذي اختاره البشر كي يكملوا العيش فيه بعيداً عن الكوكب الأخضر. تهبّ نسمات مسمومة تخترق أعماقنا، نصاب بأمراض تقيم فينا، ويرحل الحبّ إلى عالم آخر.
اخترنا عالمنا والثالوث المقدّس الخاص بنا، والذي كان عنوانه الرّحمة، تغير مع الزمن فأصبح عنوانه “المال والسّلطة والجنس”
الوادي السّحيق فيه سوق على مدّ النّظر يبيع منتجاته، يشرف على البيع مخلوقات أتت من كوكب الشّر، والنّاس على عجلة من أمرها ترغب بشراء بعض الشّرور قبل أن ينتهي البازار.
إنّني من سكان ذلك الوادي. قصدت السّوق. أرغب بإعادة ضميري إلى مكانه. ذهبت إلى طبيب السّوق كي يعطيني وصفة. قال لي: تبحثين عن شيء غير موجود. كلمة الضمير، والأخلاق تشبهان كلمة الوطن، والحبّ، والجمال. هي كلمات مبهمة. توسّلت إليه أن يعيدني إلى الفرح بطريقة ما.
أعيش اليوم حالة من الهذيان بعد وصفة الطبيب. رأيت تحصيله العلمي، وشهادته معلّقة مع الترخيص، وثقت به. إعلاناته تعمّ الوادي السّحيق،والنّاس يأتون إليه من كلّ فج عميق. يطلبون وصفات، ويعطيهم نفس الوصفة التي جعلتني أنام دهراً، وأستيقظ مخبولة، وعندما ذهبت لمراجعته رأيت النّاس صفوفاً تصطدم أكتافهم ببعضهم البعض كأنّهم يبحثون عن شيء أضاعوه.
قال لي أحد المرضى: هذا الطبيب ممتاز. اقتلع مني كلمة الرّحمة فأصبحت سعيداً أفتّش عن أناي ، لا أهتم حتى لحياة أطفالي، ” فأنا، ومن بعدي الطّوفان”
وصفني بالمغفّلة لأنني أبحث عن أشياء غير ملموسة.
أصبحت أشكّ أنني مغفلة فعلاً.
أرغب أن أغادر الوادي السّحيق. نسيت موضوع المرض أرغب أن أنجو من الشرور. أخشى أن يأخذ العلاج مفعوله، وأفقد ضميري إلى الأبد. . .