الإثنين , ديسمبر 23 2024
مدحت عويضة

مدحت عويضة يكتب: في الغربة نري الله بأعيننا (1)

رغم قسوة الغربة وصعوبتها الا اننا نري الله فيها بأعيننا، نلمس عمل يديه ونرى عجائبه معنا، في خلال عملي بخدمة المهاجرين الجدد رأيت عمل الله مع أسر كثيرة، فقررت أن أكتب بعضها، لن أذكر أسماء ولكنني سأذكر عمل الله وحده، فنحن شهود له، لأنه عمله هو وليس نحن وقد يستخدم الله شخص ضعيف كأداة في يده.
كانت أسرة مكونة من شخص صاحب مهنة مرموقة بكنداا، وابن في منتصف العشرينات، أتصل بي صاحب المهنة المرموقة يطلب مني المساعدة في إيجاد عمل له أو للأبن، طلبت من الأسرة الحضور لأحد الأماكن العامة لمقابلتي، وقبل الموعد المحدد أتصلوا بي ليخبروني بأن لم يلحقا بالأتوبيس، واليوم يوم أحد والأتوبيس القادم سيكون بعد ساعة، فقررت أن أذهب أنا لهما
كان صاحب المهنة المرموقة متعسرا في معادلته، عندما تكلم عن أن فرصته باتت قليلة ليمارس مهنته مرة أخري نزلت دموعه، أحسست بالألم وأنا أري دموع رجل من أسرة كريمة وراقية وقد قسى عليه الزمن، طلب مني أي فرصة عمل وهو يعلم وأنا معه أن فرصة العمل قد تعطله عن مهمته الأساسية وهي الدراسة.
تناقشت مع الشاب وهو خريج هندسة ميكانيكا ويتقن الإنجليزية بطريقة جيدة، فقرت أن أبحث عن فرصة عمل للشاب، وأترك الأخر لدراسته، كان شاب مؤدب جدا ومحترم جدا ولكنه يبدو أنه لم يعمل في حياته، ولكن لديه الاستعداد ليعمل في أي عمل حتي تتحسن ظروف العائلة.

خرجت لأجري اتصالاتي بأكثر من شخص طالبا فرصة عمل للشاب، استجاب أحدهم، فسارعت بالاتصال بالشاب لأعطية رقم صاحب العمل، وفي اليوم التالي اتصلت بالشاب لأطمئن أنه تواصل مع صاحب العمل، وإذا به يرد أنه لم يتصل به، سألته عن السبب فوجدته أنه لا يشعر بالراحة ليمارس هذه الوظيفة.
تفهمت وجهة نظرة وقمت بالاتصال بأخر وألحيت عليه في مقابلة الشاب ومساعدته، وبعد موافقته رجعت للشاب لأعطية بيانات صاحب العمل، ولكني شعرت أنه لن يتصل!!!!، وفعلا هذا ما عرفته بعد يومين، فبحثت عن ثالث وقمت بالاتصال به ولكن الشاب لم يتصل للمرة الثالث.

من عاداتي أن لا أقدم الغير متحمس للعمل، لأنه يترك انطباعا سيئا لدي أصحاب الأعمال، وربما يعطل فرصة شخص أخر فيما بعد، فعندما تقدم موظف نشيط لصاحب عمل سيقوم بالاتصال بك عندما يحتاج أخر، ولكن أن لم يكن الشخص الذي أرسلته نشيط ربما يرفض صاحب العمل أي شخص ترسله اليه فى المستقبل.
ولكنني قررت أن أساعد الأسرة، تحدثت مع الشاب عن نوعية العمل التي يستطيع المهاجر الجديد العمل بها “لغاية ما تفرج” وجدته متفهم جدا ولكن ليس لديه الاستعداد للعمل في هذه الأعمال، فقولت له ربنا يدبرها أن شاء الله.

في ذات ليلة وعند عودتي من كنيسة مار جرجس بتورنتو حيث كنت أشارك في حفل خيري بالكنيسة، كنت أقود سيارتي عندما رأيت نمرة “غريبة” قام صاحبها بالاتصال بي ، كنا قد اقتربنا من منتصف الليل، ترددت هل أقوم بالاتصال أم أنتظر للغد، وبالرغم أنني كنت أقود سيارتي إلا أن شيئا دفعني للاتصال في هذا الوقت المتأخر، ربما إحساسي بأنه قادم جديد ويحتاج خدمة، أو ربما الذي شجعني أنه لم يمضي وقتا طويلا علي اتصاله هو.

تشجعت وطلبت الرقم وإذ به شخص يقول لي علمت أنك تخدم المهاجرين الجدد، والشركة لدينا تطلب مهندس ميكانيكا، يجيد الإنجليزية، ويكمل أن العمل يتطلب شخص لديه المقدرة علي السفر لعدة مقاطعات، وبدء يسرد المواصفات وكأنه يملي عليه صفات الشاب الذي أريد مساعدته.

علي الفور وفي منتصف الليل قمت بالاتصال بصديقي الشاب، شعرت بالفرحة في صوته ويكاد لا يصدق ما أقوله، طلبت منه الاتصال في الغد وأن يكون جادا هذه المرة، فوجدته يؤكد عليه في جديته.

بعد أيام قليلة بدء صديقي العمل بمرتب محترم جدا هنأته علي العمل الجديد وقلت له أنه عمل الله، فالرجل عندما كان يقول لي مواصفات من يريد شعرت أنه يصفك صديقي. بعد عدة شهور اتصل بي صديقي الشاب وأخبرني أنه يريد مقابلتي وأن صاحب المهنة المرموقة قد وضع قدمه علي اعتاب مهنته بعد ان اجتاز الامتحانات، وانهما يريدان زيارتي في منزلي لتقديم هدية بسيطة، فكان ردي أنا لا أقبل هدايا يا صديقي ولكن الهدية الوحيدة التي لا أرفضها أن تصلي لأجلي، وعندما ستقوم بخدمة شخص أخر لإيجاد عمل ستكون قد قدمت هديه لي، أفعل كما فعل زميلك، ولم أري صديقي منذ ذلك الوقت ولم أري صاحب المهنة المرموقة ولكنهما قدما لي خدمه جليلة عندما رأيت عمل الله بعيني فليتمجد أسمك يارب.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …