الأحد , ديسمبر 22 2024
الأهرام الكندى

رقصة التانجو….. و…..يصير الأثنان جسداً واحداً (مت ٥:١٩)

11062359_869579156431598_1616658174380427974_n

Samir Girguis

رقصة التانجو….. و…..يصير الأثنان جسداً واحداً (مت ٥:١٩)

رقصة التانجو الارجنتينيه من الرقصات المثيره للدهشه والعجب فهي تعتمد في الخطوات والتحركات على التلقائيه و الارتجال الكاملين، وقمة الأبداع في هذه الرقصه يتمثل في أن لا توجد بها أي خطوات مدروسه بل لا أبالغ إذا قلت إن احدهُما لا يعرف-في معظم الوقت- في أي اتجاه سيتحرك الأخر في الخطوه القادمه ،بل يُسَلم احدَهما القياده للآخر بالتبادل ويتواصل معه على مستوى الأحساس فيقوم كل طرف منهم بتأدية الحركات التى تتماشى مع حركات الطرف الآخر في سهوله وانسجام كاملين وكما يقول الكتاب “ليس للمرأة تسلط على جسدها، بل للرجل. وكذلك الرجل أيضا ليس له تسلط على جسده، بل للمرأة” (1 كو 7: 4) و على هذا الأساس فهي تمثل لغة حوار بين قلبين ،لغه من نوع فريد لا تعتمد على الكلمات ولا على القواعد المكتوبه ولكن تعتمد على شعور المشارك بشريكه في الرقص ومدي قدرة كل منهما على إيصال احساسه للاخر بشكل كامل ويصبح الجسدين خلال الرقصه جسداً واحداً حتي يُخيل إليك انهُما شخصٌ واحد يسبح في بحر من النغم ويحلق في جو من الحب والسلام و كما يقول الكتاب “يصير الأثنان جسداً واحداً إذ ليسا بعد أثنان بل جسداً واحداً ” و كما نصلي في صلاة الأكليل المقدس قائلين “هؤلاء الذىن الفهم الروح القدس معا مثل قيثاره مسبحين الله فى كل شىء ” .
وهذه الرقصه ترسم صوره رائعه من صور الحياه الزوجيه حيث يرقص الأثنان وهما متلاصقين بدون اختناق فهما يتلاصقان وفي نفس الوقت توجد مسافه مناسبه لكل منهما لكي يتحرك فيها بحريه تساعده على أبراز مواهبه الخاصه من أجل توظيفها في خدمة الرقصه لاِنجَاحها . فتلاصقهما لا يُحِد من قدرة كل منهما على الأبداع “لذلك يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا..” (تك 23: 2) بل وأكثر من ذلك فهذه الرقصه تمثل الواقعيه في الحياه فهي لا تعبر عن الأحاسيس الجميله فقط بل أنها تشكل تجميعا لكل المشاعر الإنسانية بما في ذلك المشاعر المتوافقه أو المتضادة، فتجد فيها الرومانسية والرقة والاحتواء من جانب كما تجد الرفض والخصام والأحتجاج من جانب أخر ويمكن بسهوله أن ترى الأكتفاء والاحتياج، الأحساس بالوحده و الأحساس بالسعاده، الضحك والدموع. ولكن أجمل ما فيها أن التعبير عن كل هذه الأحاسيس المتناقضه يتم بحريه بدون خوف و هما مُرتمِيانِ في احضان بعضهم مما يوفر الأحساس بالامان والمشاركه التي تجعل كل منهما عزيزاً وثميناً في عيني الأخر ويكون الزواج مكرما.(عب4: 13).
ولكن حينما يفقد الأثنان التواصل على مستوى الأحساس وينقطع هذا الوهج و التلاصق نتيجه لضغوط الحياه ،يبدأ الأثنان في التغير و النظر في اتجاهات مختلفه بدلاً من تركيز نظراتهما على بعضهما البعض وتبدأ الشكوى من بعضهما بعدما كان يشكوان لبعضهما ،فتفقد الحياه بهجتها ويشعر الزوجين أن تلاصقهما يؤدي إلى الأختناق فيبدأ الأثنان في الدوس على أقدام بعضهما ويكثُر الأنين و يتعمق جرح المشاعر ويفشلان في اقتفاء أثر بعضهما “وتبرد محبة الكثيرين” وينقطع الصبر فتتحول العشره الى تشهير وتجريح…. بل الى محاكم واقسام و يبدأ السوأل التقليدي” ما الذى غيرهما؟؟؟” ….هذا الرجل الذى يئن من زوجته ويطلب طلاقها أو هذه الزوجه التي تئن من زوجها و تطلب طلاقه!!.. الم يكونا فى يوم من الايام يعيشان كانهما فى الاحلام من كثرة الحب والهيام؟ ما الذى افسد عشهما……وتبدأ أيضاً الأجابات التقليديه ونقع في فخ محاولة تحديد من منهما المخطيء ومن المصيب فلانصل إلى نتيجه فكل الأراء لها وجاهتها وكل منهم يستعمل كل قدرته على الاقناع في الدفاع عن نفسه و يضيع الوقت في بحث المشكلات الفرعيه- التي تتجدد بصوره شبه يوميه- ولا ندخل إلى عمق المشكله وتتوه وتتشتت كل محاولات الأصلاح.

الأجابه الحقيقيه ،الموئلمه والموجعه جداً انهما توقفا عن أن يكونا جسداً وحداً ، لقد تراجعا واصبحا أثنان كما كانا من قبل، لم يعد تركيز كلاً منهما وجل اهتمامه منصباً على الأخر وبالتالي فقدا التواصل على مستوى الأحساس ففسدت الرقصه وضاعت الموسيقى من حياتهم ولم يبقى الا نعيق البوم ،لم تعد الحياه جديره بالاهتمام، كُلٌ لنفسِه، وليكن ما يكون. فتحل قساوة القلب -التي كانت من مبررات الطلاق في العهد القديم-” ان موسى من اجل قساوة قلوبكم اذن لكم ان تطلقوا نساءكن…ولكن من البدء لم يكن هذا…” (مت ٨:١٩)- تحل محل الرومانسية و الرقة والاحتواء وتطردها من القلب شر طرده و يتصور الأثنان أن السعاده -كل السعاده- تكمن في الأنفصال عن هذا الشخص المقيت بعد أن كانت كل السعاده في القرب منه .فلا يكون من الغريب أبداً بعد كل ذلك أن يبدأ الأثنان في تمزيق البقيه الباقيه من الود والأحترام.

و الحل الوحيد لهذه المأساه يكمن أولاً في تقييم مدى استعداد الطرفين لاعاده المحاوله من أجل انقاذ الحياه الزوجيه عن طريق أعادة اكتشاف المشاعر و تجديد زمن الحب كما قال الرب في سفر حزقيال ٨:١٦ “مررت بك فاذا زمنك زمن الحب” ، تجديد زمن الحب يتم باحياء و تجديد التواصل على مستوى المشاعر واذكاء التواصل العاطفي، وأعادة تقييم و اكتشاف لغة الجسد بما فيها نبرة الصوت واللفظ وتدريب الطرفين على الإصغاء للمشاعر المختفيه وراء الكلمات وهي عمليه ليست بالسهله ولكنها ليست بالمستحيله طالما هناك استجابه من الطرفين ورغبه صادقه في انجاح المحاوله. كما يقول الكتاب “أذكر من أين سقطت ” روء ٥:٢

وكم اتمنى أن تقوم الكنيسه في أرض الوطن كموءسسه روحيه تهتم باولادها بتنظيم اجتماعات يتم فيها تقديم التوعيه والمشوره بصوره علميه -عن طريق متخصصين- للازواج حتى لا ينزلقوا الى هذا المنحدر الذي يستنزف كثيراً من الجهد في اصلاحه.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …