بقلم:سالم هاشم
ولما عصفت به الأفكار “قرر ان يرحل من المكان” تأبط نعله المهترئ وكتفه يحمل بؤجته معلقة بعصاه المعقدة بتورمات خشبيه صنعتها الطبيعة كمسارة المعوج..راح يمد الخطى ولا يعتبر لحصى الطريق..
فى عناد غاشم” يطوى المسافات فى صمت وتجمد لملامح وجهه الملئ بالشعر المغبر بخليط من تراب السكة وغبار الحياة الجاحدة لوجوده..
فى نهاية القرية” وقف عند مفترق طرق..وضع حذائة وألقى حمل كتفه متحيرا ..راح يلتفت يمنة ويسرى” وقفت سيارة قبالته ..جاى يا بلدينا..ودون كلام حدف نفسة داخلها كقطعة حجر القت فى الماء..تعجب السائق مسترسلا فى اشمئزاز ..قليل البخت!! وانطلق
الى أين.. لا يعرف المسكين!!..ولماذا يعرف!! ..فقد قضى من عمره النصف بل أكثر وهوا لا يعرف لماذا أتى وإلى اين سيذهب !!..حتى فى دينه الذى ولد عليه ..لم يعرف عنه شئ ..ومن أين له ان يعرف وقد ولد فى بقعة معزولة عن الحياة بأمر من حاكمها الملعون..
السيارة تشق الطريق” ومن حين للآخر” تقف لتحمل راكبا وتنزل آخر ..وصاحبنا كمن أتى من كوكب خارجى.. يجلس فى صمت متخشب ..
كأنه أخرس..من حين لآخر “يرمقه السائق باشمئزاز ونفور “يتمتم فى نفسه وكأنه يسبها عندما وقف لهذا الصنم الجالس جارة أشعثا أغبر ذو رائحة غير طيبة..
السيارة تمضى والركب محله دون حركه والسائق ينتظر كلمة..على جنب يا اسطى..
ولكن بلافائدة فداس السائق فرملته فكبح عجلات السيارة لتتسمر مكانها ..نزل منها فتح الباب وفى صوت جهورى غاضب ..هنا أخرنا يا بلدينا ..انزل..التفت له (بلدينا )بنظره جامدة مفطورة بطبيعة بدائية لكنها خليطة بحزن..انتبه السائق للرجل وسرعان ما غاص فى عينيه ليكشف من حال المسكين ما يبعث الشفقة فى القلب..استوقفه ..وراح يسأله عن نفسة !! وما هى الا دقائق وانطلقت السيارة ثانية وبها المسكين وبؤجته تلازمة وكعادته تابع الرجل الغريب الذى أشفق على حاله بعدما سمع حدوته…..
ساعة من الوقت ووقفت السيارة لينزلا الإثنين السائق والمسكين..دلفا الى حارة كبيرة” تعج بالناس والحرفين فى تصنيع وبياض النحاس..أصوات الدق على رتابتها إلا أنها أزعجته..سحبه من يده ليدخل على شيخ كبير” يجلس على أريكة فخمة من العيدان الخشبية المربطة بحبال ملونه فى شكل زخرفى جميل..مال السائق على أذن الشيخ وما ان رفع رأسه وانتهى من الوشوشة الا وأشار الشيخ للمسكين بالجلوس وأمر باحضار الطعام..ذهب السائق بعدما ربت على كتف المسكين وابتسم له مطمئنا ..بقى المسكين مع الشيخ ومرت الأيام تلو الأيام وتواترت السنين ليموت الشيخ ويعتلى المسكين الكرسى مكانه بوصية مكتوبة ليكون حاكم الحارة والبلاد ومنها قريته المعزولة والتى أنقذها من الحاكم الملعون بطرده خارج البلاد بعدما سلبه كل ما يملك حتى حذائة ليخرج حافيا تاركا للبلدة مالها الذى اغتصبه وحريتهاالتى قيدها لتولد القرية فتعود لها الحياة من جديد..
الوسومسالم هاشم
شاهد أيضاً
لماذا تصلي الكنيسة على المنتقلين !؟
جوزيف شهدي في الايمان الارثوذكسي أن الكنيسة الموجودة على الارض تسمي الكنيسة المجاهدة وأن أبناءها …