الكاتب : مايكل عزيز البشموري
” دقت طبول الحرب ، وأستعد الناس للقتال ، فلا يمكن أن ترجع ساعات الزمن إلي الوراء ، فالفقراء يتضورون جوعاً ، والاغنياء يزدادون غناءاً ، أما رجال الدين فأصبحوا يتسيدوا البلاد والعباد – ولما لا ؟ – فهم بإمكانهم منحك ملكوت السموات بمجرد شرائك صكوك ورقية من الاموال قد تمنحك الابدية السعيدة “.
كان هذا حال المانيا في زمن الكاثوليكية بالعصور الوسطي والتي تُعرف “بعصور الظلام”، فقد فسدت الكنيسة في ذلك الزمان ، وفقدت روح الرب بسبب روح التسلط والكبرياء اللذان سيطرا علي رجال الكنيسة وقيادتها آنذاك ، وعلي أثر تلك الحالة المزرية ظهر راهب شاب ليحسم الامور لصالح بؤساء تلك الكنيسة ليتمرد علي تلك الاوضاع ، فأبتدأ يتخلي هذا الراهب عن ثوابته الايمانيه بدعوي الاصلاح كي يتحرر من قبضة وهيمنة (الباب العالي) الممثل في الفاتيكان آنذاك !
بدء الراهب الألماني مارتن لوثر بالدعوة الي فكره الجديد والمعروف بالبروتساتنية أي المحتج ، فحازت أفكاره الاصلاحية علي إعجاب وأهتمام الفقراء الكاثوليك ، وإنضم لحركته الاصلاحية عامة الشعب ( خاصتا الفلاحين الذين كانوا يعانون من دفع الضرائب لكل من الامراء والكنيسة ) فقرر لوثر ترجمة الكتاب المقدس والذي كان محروماً علي العامة قراءته ، ورفض ما عُرف بصكوك الغفران ، وأدان الطبقية التي ظهرت داخل جدران الكنيسة ، وحارب محاباة رجال الدين لإصحاب المال والاعمال ، وهذا الامر لقي إستحساناً كبيراً لدي عموم الشعب الكاثوليكي .
ثورة الفلاحين الالمان :
كانت المبادئ التي أرساها مارتن لوثر نقطة البداية لقيام ما يعرف بثورة الفلاحين الالمان ضد رجال الدين الكاثوليك وحكام ألمانيا من الامراء ، فكان يشعر الفلاح الالماني حينها بمحاباة الكنيسة لهؤلاء الامراء الذين كانوا يجبروهم علي دفع الضرائب لهم بإستمرار ، وقد أخذت طبقة رجال الدين تفقد مكانتها وإحترامها لدي أبناء الشعب الكاثوليكي بصفتها السلطة الحاكمة في جميع القضايا داخل الدولة ، فإنتشار التعليم والنهضة الإنسانية أدي إلي زيادة التعليم بجميع أنحاء الامبراطورية الرومانية.
وقد كسر هذا الامر احتكار الكاثوليكية للتعليم العالي. ولعلي من أهم مسببات ثورة الفلاحين هو انتشار الفساد داخل المؤسسات الكاثوليكية.
فتفشى الجهل الاكليركي والسيمونية والتعددية .
واستخدام المؤسسات الكاثوليكية سلطتها الدينية كوسيلة رئيسية لابتزاز ثروات الشعب، إضافة إلى بيع صكوك الغفران وفبركة المعجزات الوهمية ، كل هذا أدي إلي سخط الشعب الكاثوليكي علي فساد كنيستهم وقيادتهم .
وتعبيرا عن الثوران الديني الذي عرف باسم الإصلاح ، والذي قاده الراهب لوثر من خلال تحديه الكنيسة الكاثوليكية ونظامها السياسي .
ذهب الفلاحين الالمان الي لوثر ظناً منهم بأنه سيكون الحصن الامين لهم ، والمرجعية الروحية التي سيعتمدون عليها بحربهم علي الامراء الاقطاعيين ورجال الكنيسة الكاثوليكية الفاسدين ، ولكن مثلما رأس المال جبان ، فإيضاً رجل الدين يعادل جبن صاحب رأس المال ، وتلك الاحجية كانت طوق النجاة بالنسبة للكنيسة الكاثوليكة .
فلو تتبعنا أحداث تلك الثورة فسوف نري أن مارتن لوثر هو صاحب الفضل في إخمادها ، فخوف لوثر من خسارة السلطة الدنيوية الممثلة بالامراء والاغنياء جعله يتراجع عن تأييد ثورة الفلاحين ، ورأي أبضا أن هذا الامر لن يخدم مذهبه الجديد الذي يروج له ، ففي بداية الامر حاول لوثر مهادنة الفلاحين ، وأحتضن البعض منهم وأقر بحقوقهم ولكن في نهاية المطاف سأل نفسه قائلاً : ماذا سأستفيد من هؤلاء الفلاحين ؟ ، ماذا لو خسر أولئك البؤساء في حربهم ضد الامراء والاغنياء ؟ الاجابة جاءت : لن أربح شيئاً ! .
إنقاذ الرب للكنيسة الكاثوليكية :
إنحاز مارتن لوثر أخيراً لصالح السلطة الزمنية ، وقام بالتبرأ من ثورة الفلاحين ، بل أكثر من ذلك أعلن لوثر : ” أن علي هؤلاء الفلاحين الخضوع لسادتهم وحكامهم وعليهم أن يلتزموا بدفع الضرائب لانهم خرجوا عن تعاليم الكتاب وأصبحوا هراطقة ” ، الامر الذي أعطي الحق للسلطات الحاكمة بألمانيا قمع تلك الثورة ، وقتل كل من شارك فيها ، وذلك عام 1524 م ، وتشير بعض الاحصائيات بأن عدد الفلاحين الذين قتلوا بتلك الثورة قد تجاوز الــ 100 ألف فلاح ، وكانت تلك خيبة أمل كبيرة في حق لوثر وأتباعه أصحاب المذهب البروتستانتي الجديد لان دماء اولئك الفلاحين قد أرتبطت بهم – هنا – يلزم علينا التساؤل : ماذا لو إنحاز مارتن لوثر لثورة الفلاحين تلك منذ بدايتها ونجحت في أهدافها ؟
* سقوط الكنيسة الروسية الارثوذكسية :
نشكر الله أن لوثر وأعوانه لم يشاركوا بثورة الفلاحين بألمانيا لانه لو نجحت تلك الثورة فكانت النتيجة ستكون إختفاء الكنيسة الكاثوليكية من الوجود مثلما حدث مع نظيرتها الروسية الارثوذكسية عام 1917 م .
فقد أرتكبت الكنيسة الارثوذكسية الروسية نفس الاخطاء الفادحة التي ارتكبتها نظيرتها الكاثوليكية قبل أربعمائة عام من ثورة الفلاحين الكاثوليك ، وإنضمت الكنيسة الارثوذكسية لصالح معسكر الاغنياء والامراء ، وذلك لمحاربة البلاشفة والعمال والفلاحين في ثورتهم ضد الطبقية .
وساهمت الكنيسة بسبب الفساد المستشري بداخلها بظهور الالحاد والشيوعية في البلاد ، فإسم راسبوتين الراهب الفاسد وعلاقته الوطيدة بالاسرة الحاكمة قد أثر بالسلب علي سمعة الكنيسة الارثوذكسية لدي أبناء شعبها الامر الذي أدي الي ظهور الالحاد بين الشباب الروسي .
ومن سوء حظ الكنيسة الارثوذكسية الروسية أنه لم يكن يوجد لديها شخصية إصلاحية مثل مارتن لوثر لكي ينحاز إلي السلطة الزمنية الحاكمة مثلما حدث مع الكنيسة الكاثوليكية ، بل علي العكس وجد العمال والفلاحين الثوار البلاشفة من يقف بجوارهم في حربهم ضد الكنيسة والاغنياء ، فكان البلاشفة الشيوعيين هم السند الحقيقي لثورة العمال والفلاحين بروسيا ، فأصبح يوجد لدينا جيشين
الجيش الاحمر الشيوعي بقيادة جوزيف ستالين وليون تروتسكي ،والجيش الابيض الذي يضم طبقة الاغنياء ورجال الكنيسة والامراء .
فنشبت الحرب الاهلية الروسية ما بين عام 1917 حتي 1922 لتنتهي تلك الحرب الكارثية بمقتل ما لا يقل عن 13 مليون مواطن روسي من جميع جمهوريات روسيا الاتحادية و قيام الاتحاد السوفيتي عام 1922 وإنتشار الشيوعية والالحاد علي حساب الكنيسة الارثوذكسية التي دُمرت بسبب فساد قياداتها الكنسية .
يتبع .