بقلم : نانا جاورجيوس
ما الذي جعل ممالك النفط الخليجي صامدة، وإلى متى ؟!
الإسلام السياسي «كدين ودولة» يشكِّل تهديداً لتلك الممالك النفطية قبل غيرها من الدول العربية الأخرى خارج جزيرتهم، فهو يبني دولته المستقبلية وفق فكر الماضي لا فكر الحداثة المتمثل في العلمانية التي ليس فيها مسلمات ولا مطلقات مقدسة وترفض أن تعيش في جلباب ماضوي بل تساير الحاضر بكل تجلياته وديناميكيته. العلمانية لا تجتر الماضي ولا تحتاج لإعادة إنتاجه وتكريسه من جديد لأن الحداثة تساير روح العصر وكل جديد، بينما الإسلام كدين و دولة فهو يشد الحاضر و المستقبل بإستمرار إلى الماضي.
الحداثة لا تنكر الأديان، بينما رجال الدين ينكرون سياسات الدول وتوجهاتها التي من المفترض أن يتساوى فيها مواطنيها. فلا تفرق الحداثة بين أفراد الشعب ولا هؤلاء ذميون وهؤلاء أصحاب دين الأعلون، تنظر للشعب على أنهم مواطنين لا أصحاب ديانات وطوائف ومذاهب. كما أنها الحداثة التي تقوم على إعمال العقل لا النقل، و لا تكفِّر كل من يختلف معها في الرأي أو العقيدة أو المذهب أو الدين.
التنظيمات الإسلامية بكافة إنتماءاتها وأهدافها سواء الحركات الدعوية منها أو التي تتستر بالدين لتفرض سطوتها السياسية وتمنح إجرامها هالة مقدسة لترهب الشعوب وتقمعها وتغطي تغول أطماعها للأوطان والإحاء بأنها حروب جهادية مقدسة، كميلشيات التطرف من تنظيمات جماعة الإخوان و السلفية الجهادية التي تفضي في النهاية لمصلحة تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية داعش. فأهدافهم الدينية والسياسية واحدة وهي إقامة دولة الخلافة ولو فوق جثث وأشلاء الشعوب كما حدث ويحدث دائماً منذ بداية الحروب المذهبية الأولى، وحجتهم دائماً أن الإسلام في أساسه بدأ كدين و دولة! و لهم مايبررهم في النهاية وهو أنهم ينشدون الشرعية لا الديمقراطية التي يعتبرونها بدعة غربية، لهذا تظل الخلافة في الفكر الإسلامي قائمة على التصارع والتناحر المذهبي كما يشهد تاريخهم الإسلاموي الدموي عبر عصور خلافاتهم. وهو ما تكرره سيناريوهات الإقتتال الداعشي للدولة الإسلامية التي بدأت بؤر منها تظهر في أغلب الدول العربية حتى تتسع هذه البؤر مساحاتهم وتتلاحم في النهاية كبقع الزيت حين تتجمع في المحيط، لتنهار حدود الدول كما حدث بين العراق وسوريا للتغير في النهاية وجه خريطة منطقة الشرق الأوسط ككل.
جميع الدول العربية قائمة على أنظمة إستبدادية دكتاتورية وإلزاماً عليها التنازل عن الكثير من إستقلالياتها لصالح مؤسساتها الدينية التي تتخذها واجهة و تدعمها وهي دائماً مؤسسات معارضة لتلك الأنظمة لأنها أشد تطرفاً فكرياً فهي لا تعترف بالسياسة المدنية ولا العلمانية المستقلة ودائما وأبداً ناقدة لها، ودائما يدها تسبق يد سلطة الحاكم. ففكرها الديني منصرف بإتجاه الخلافة الإسلامية لا غير، وهي أيضاً مؤسسات أصبحت تحمل فكر التطرف الديني وحادت عن وسطيتها كما بدأت، يوم إنتهجت الفكر الوهابي المتطرف الذي نشرتها مملكة آل سعود بالمنطقة فأصبحت تلك المؤسسات تحمي عقيدة التكفير الجهادي المقدس والتي أصبح يؤمن بها أكثر من 90% من شعوب المنطقة.
لهذا فكر التيارات الإسلامية سواء المؤسسات الدينية الدعوية أو تيارات الإسلام السياسي سنجدها دائماً تشكك في سلطات الأسر الحاكمة لهذه الممالك النفطية حد التكفير والإستباحة وسط تنامي الأصوات الشعبية التي تستقطبها هذه التيارات كقوة معارضة على أساس فكر ديني شرَّبته للعقول وللفكر الجمعي لتلك الشعوب على مدار عقود وعقود، للمطالبة بإسقاط الأسر الملكية الحاكمة لأنها مستبدة ولا تنتهج السلوك الإسلامي الصحيح من وجهة نظرها، بل وصل الأمر أن هناك شخصيات عامة من داخل المنظومة السياسية لهذه الدول إنضمت للتيارات الإسلامية كأصوات معارضة للدولة أو مخربة لها في الخفاء مما أدى لوجود حالة ضغط داخلي وخارجي لتلك الشعوب بهذه الممالك لإنتظار النقطة الحرجة للإنفجار الموقوت.
وعندما ظهرت الدولة الإسلامية كنا نعتقد أنها مجرد تنظيم إرهابي سيتم القضاء عليه خلال شهور أو سنة أو سنتين على أقصى كما وعد التحالف الدولي بالقضاء عليهم. وهاهي الولايات الأمريكية وحلفائها من الجيوش الجرارة اليوم يعلنون فشل إستراتيجيتهم الجوية –عن عمدٍ- في القضاء على تنظيم داعش بعد أن سقطت مدينة الرمادي عاصمة الأنبار بالعراق، وسقطت تدمر بسوريا، وبعد أن أنفقت أمريكا 40 مليار دولار بحسب زعمها لتدريب الجيش العراقي« الذي فككته أساساً منذ سقوط صدام حسين» والآن تقوم بتفكيك الجيش السوري النظامي و إضعافه بتمويلها للجيش الإسلامي الحُر لإنشاء جيش سوري يوافق مصالحها! وبعد أن نجحت الدولة الإسلامية في فتح حدود كثير من الدول بل ومحوها فعلياً على أرض الواقع كما نرى اليوم إقتطاعها لآراضي شاسعة بين العراق وسوريا وكثير من محافظات الدولتين لإنشاء دولتهم الإسلامية واليوم أيضاً نجد أحزاب إسلامية تطالب بإقامة دولة الخلافة، كحزب التحرير الفلسطيني وفروع مكاتبه في الشام و مصر وتركيا وباكستان على إعتبار إن كل هذه الدول هي ولايات إسلامية كما ظهر في فيديوهات مؤتمراتهم« ولاية الشام- ولاية مصر بعد أن كانت ولاية سيناء فقط – ولاية تركيا…ألخ»، وبدأت عمليات التهجير والطرد والسبي على أساس ديني لمسيحي و أزيدي وأكراد العراق والشام، ثم بدأت الآن ملامح الإنقسامات المذهبية بين السُنّة والشيعة تتضح و هي المرحلة الأخيرة التي يديرها تنظيم دولة داعش السُنية التي تموله بجدية دول النفط الخليجي وعلى رأسهم السعودية وقطر بالإضافة لتركيا.
وكان الهدف الأول التي بدأت به داعش حربها هو ترهيب الأقليات غير المسلمة لتفريغ المنطقة وترحيلهم منها على أساس ديمغرافي، فلا يجتمع دينان في الجزيرة، لتتسع تلك العقيدة الأصولية لدى الداعش لتشمل المنطقة العربية كلها وكل مدينة يسلبونها ويسيطرون عليها!
والآن أتت المرحلة الخطيرة و الأكثر تفصيلاً والتي بدأت بالفعل للتخلص من كل المذاهب التي لا تندرج تحت اللواء السُني الوهابي الذي تتزعمه وتمول إنتشاره مملكة آل سعود بأموالهم النفطية. وهي حرب التطهير المذهبية التي بدأ بالفعل التجهيز لها ولأجل غير معروف مداه.
فالتطهير المذهبي بدأ فعلياً تحت لواء التحالف العربي بعاصفة الحزم للقضاء على «الحوثيين» شيعة اليمن الذين يطوقون جنوب الجزيرة، ثم جاءت مرحلة أخرى أكثر تغلغلاً وتوغلاً وتفصيلاً داخل التجمعات الشيعية داخل الأراضي السعودية ذاتها بتفجير مسجد القديح الشيعي بالقطيف والتي يقطنها أغلبية شيعية والمحاولة الفاشلة بتفجير مسجد الحسين بحي العنود بالدمام، بإستخدام«الخلايا الداعشية النائمة» والمتمددة داخل أراضي المملكة، وسقوط عشرات المصليين لتفريغ المد الشيعي داخلها والذي يعرقل كثيراً تمددها الوهابي السلفي لفرض كامل نفوذها على أراضها قبل أن تتغول مقابل مليارات الريالات لوهبنة دول المنطقة بكاملها لتحمي في النهاية مملكة آل سعود نفوذها وسياستها الممتدة لعقود بالمنطقة بل والعالم.
و الأهم أن السعودية تعتبر الوجود الشيعي داخلها هو إمتداد للنفوذ الإيراني داخل أرضها، لهذا نجد أن هذه النوعية من العمليات الإرهابية التي يصعب على النظام السعودي القيام بها علنية إلا من خلال خلاياه الداعشية الكامنة. لهذا سيكون دائماُ أول تصريح لمسئولي المملكة و بعد كل حادث إرهابي مذهبي أن هؤلاء الإرهابيين كانوا «مطلوبين أمنياً» لتنفي أي شبهة تورط في هذه العمليات التطهيرية، وأصابع إتهامهم ستشير دائماً لإيران و حزب الله، ليكون لهم حق الرد والتبرير، وهذا ما حدث بتفجيرٍ أكبر هز مقر خامنئي وسط طهران وسقوط مايزيد عن 300 من الإيرانيين رداً على تفجير مسجد القطيف. ولن تتوقف بعد الآن تلك التفجيرات الإنتحارية ضد شيعة الجزيرة.
إن الحرب المذهبية التي ستدور رحاها على أرض الجزيرة بين الدولة الإسلامية السُنِّية« داعش» و بين إيران التي تتبنى المذهب الشيعي، صحيح لن تكون مملكة آل سعود طرف مباشر بهذه الحرب لأنها أكبر من إمكانيتها ولهذا طالبت مصر بتكوين تحالف عربي لأنها تشعر أن الخطر سيجتاحها إن آجلاً أم عاجلاً. ولكنها في النهاية ستتفكك أرضها حتماً لأجزاء ويزول على أثر هذه الحرب مُلك آل سعود.
وتعود أصول اللعبة حين إعترفت أمريكا و المجتمع الدولي بأحقية إيران في مشروعها النووي و بضرورة رفع العقوبات عن إيران، وكأنهم منحوها الضوء الأخضر لإمتلاك وإستخدام ما تحت يديها من سلاح نووي مدمر، وسط مخاوف وتحذيرات ملك السعودية لأوباماً في زياردته الأخيرة للمملكة في يناير 2015، من مغبة إمتلاك إيران لهذا السلاح النووي. على الجانب الأخر نجد أوباما يقوم بدور الوسيط « المطيباتي» بين إيران وإسرائيل، و يؤكد ليهود امريكا ضمانه الكامل لأمن إسرائيل ومحاولة إقناعهم بالإتفاق النووي الذي يسعي إليه مع إيران حول برنامجها النووي! وهو ما يدعونا للتساؤل، لماذا الدولة الإسلامية إلى الآن لم تهدد أمن إسرائيل رغم أنها تحيطها من جميع الجهات، ولماذا صارت وجهتهم بعد سوريا هو قلب جزيرة العرب ؟!
وإلى أي مدى سيظل النفط يحمي تلك الممالك ذات الأنظمة الرخوة، لأن في حمايتها، حماية للمصالح الأمريكية والغرب مع دول النفط الخليجي؟!وهل بإنتهاء دور النفط ستنتهي هذه الممالك، أم بإنتهاء مصالح الغرب معها وإيجاد بديل لمصادر الطاقة ستضغط أمريكا والغرب على الزر الداعشي لتشتعل الجزيرة بنفطها في حرب مذهبية قصيرة المدى ولكنها ستأكل مقومات الحياة في تلك الممالك؟!