الأهرام الجديد الكندى
يُتقن “داعش” فن إبقاء الغرب حابساً أنفاسه. يعتمد في ذلك، على خلطة فريدة من العنف المُبالغ فيه والبروباغندا الدعائية. يُصدرها للعالم عبر فيديوهات مُصورة. تُضاهي فنياً وتقنياً، ما تقدمه هوليود، بحسب خبراء. لم يخفوا دهشتهم مما يشاهدونه.
خلف الكاميرا، حسبما يُشاع. تقف سيدة، ربما لا يفوقها شهرة إلا “أبو بكر البغدادي” ذاته في أوساط المُقاتلين. طار صيتها من الصومال وكينيا وتنزانيا، إلى سوريا. مرة بالمشاركة في تنفيذ هجمات. تارة بالإشراف والتخطيط. ثالثة بتدريب الانتحاريات. ثم بالمساعدة في تجهيز الحملات الدعائية “لداعش”، على ذمة صحيفة ” ديلي ميرور” البريطانية.
جميلة ومثيرة. تحرص حين تتزوج على أن تكون سيدة منزل مثالية، بحسب ما أكدته مذكراتها الشخصية، التي عثرت المخابرات الكينية على أكثر من 60 صفحة منها. لكن الأهم أنها شاغلة الدنيا. ومدوخة أجهزة الاستخبارات العالمية مجتمعة.
البريطانية “سامنثا لوثويت” 30 عاماً، أو “شريفة” كما أطلقت على نفسها بعد اعتناقها الإسلام، أو “دادا مزونجو” باللغة السواحلية أي ” الأخت البيضاء، أو الأهم والأشهر عالمياً “الأرملة البيضاء”، “قاعدية” الهوى. ثم سيدة “داعش” الفولاذية. أخطر خطيرات العالم، ثمن رأسها الشقراء 5 ملايين دولار أمريكي. مستعدة “السي أي ايه”، لدفعها عداً ونقداً.
توشك “السيدة” أن تتحول إلى أسطورة، بل أصبحت كذلك فعلاً. أسطورة ترفض، أن يلفظها النسيان، أو تنساها الأضواء. خاصة مع توالي فيديوهات “قطع الرؤوس” لرعايا غربيين، أخيرهم وليس آخرهم عامل الإغاثة البريطاني “ألن هينغ”.
انتحاريون يحمونها حتى الموت!
لا أحد يعرف عنواناً لها، سوى ما تثيره التسريبات، والتكهنات. ولعل أكثرها إثارة، ما ذكرته صحيفة “ديلي ميرور” البريطانية، أوائل الشهر الخامس من العام الجاري، حول فرقة انتحارية من تنظيم القاعدة. تتولى حمايتها “حتى الموت” في غابة بالصومال. يبلغ عددها 15 مقاتلاَ.
الصحيفة. نقلت عن مصدر مطلع. أن حراس “الأرملة”.هددوا بجز عنق كل شخص يقترب من الغابة، فيما يبدو أن إجراءات أمنية إضافية. تتخذها المطلوبة رقم واحد في العالم. منها العيش في الكهوف، والتنقل على ظهور الجمال، تجنباً لاكتشافها. هذه الاحتياطات المُشددة . كانت السبب في نجاتها من الموت في شهر كانون الثاني الماضي. إثر غارة جوية. نفذتها طائرة حربية كينية، على معسكر تدريب، تابع لحركة الشباب الإسلامي في الصومال. أودت بحياة 57 مقاتلاً، بينهم 6 من كبار القادة الأجانب، وفقاً لصحيفة “ميرور”، التي نقلت عن العقيد في الجيش الصومالي ياسين هيرو تأكيده، أن الأرملة البيضاء مُحاطة بأفضل مقاتلي تنظيم القاعدة، الذين يتولوا عملية نقلها، إلى أماكن مختلفة في جميع الأوقات، باستخدام مختلف وسائط التنقل، بما فيها الجمال والحمير.
تتضارب المعلومات الاستخباراتية، بشأن “الأرملة البيضاء”، وتحركاتها. وفي حين، كانت أجهزة الأمن البريطانية. تعتقد حتى وقت قريب، بأن “الأرملة”. لا تزال تدير العمليات من الصومال. وتخطط لشن سلسلة جديدة منها، برزت فجأة مؤشرات في لندن وواشنطن. تفيد بانتقالها إلى صفوف “داعش”، وقيامها بمهام تدريب السيدات على القيام بعمليات انتحارية، إضافة إلى تعليم عناصر التنظيم على مهارات استغلال وسائل الإعلام، والمساعدة في انتاج الفيديوهات المُروعة لعمليات ذبح الرهائن الغربيين، استناداً إلى معلومات طياري سلاح الجو البريطاني، الذين انضموا إلى التحالف الدولي لقصف مواقع داعش.
بدأت “الأرملة البيضاء”، نشاطها “الجهادي”، بجمع التبرعات، عبر شبكة تمتد من بريطانيا، إلى جنوب أفريقيا وباكستان والصومال، بهدف تمويل عمليات القاعدة في شرق أفريقيا.
وتبدو سيرة حياتها، أقرب إلى “التراجيديا”، إذ وجدت نفسها في عمر 11 عاماً، على أعتاب مراهقتها، ضحية انفصال والدها الضابط المتقاعد من باكينغهام شير عن والدتها. فتاة يافعة. تشعر باليأس. وجدت في العلاقات العائلية المُتماسكة لجيرانها المسلمين، عزاءً وحيداً لها، ولعل هذا ما دفعها، بعد أربع سنوات، وتحديداً عام 1999، إلى إعلان إسلامها، متخذة من “شريفة” أسماً لها.
تزوجت شريفة من “جيرمن ليندسي”، الشهير باسم “عبد الله شهيد جمال”. وقررت أن تهب نفسها “إلى الله” – على حد قناعتها-. نفذ “ليندسي” مع ثلاثة آخرين، أربع هجمات انتحارية، استهدفت قطارات الأنفاق في لندن، يوم 7 تموز 2002. راح ضحيتها 52 قتيلاً، ومئات الجرحى. كان نصيب “ليندسي” منهم 26 قتيلاً، قبل أن يتحول بدوره إلى أشلاء، تاركاً خلفه “أرملة” حاملاً في الشهر السابع، إضافة إلى طفلة يتيمة.
لم تتردد “الأرملة” بإدانة الهجوم، ونفت علمها به، ما مكنها من كسب تعاطف الإعلام البريطاني، والعالمي معها، وتصويرها كضحية بريئة، وأم وحيدة. تدفع أمام المجتمع الدولي ثمناً لذنب. ارتكبه زوجها.
السيدة الشبح!.
من جديد، اقترنت “سامنثا” عام 2007 بخبير صناعة القنابل الكيني الأصل “حبيب صالح غني”، لكن هذه المرة، بصفتها الرقم واحد، على لائحة المطلوبين من “الجنس الناعم”، لأجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، والكينية والصومالية. كما أصدر الانتربول الدولي تعميماً باللون الأحمر، للقبض عليها، أينما وجدت.
تعتقد أجهزة الاستخبارات، بمسؤولية “الأرملة البيضاء” عن التخطيط لخمس عمليات، نفذتها جماعة الشباب الصومالية،خلال تنقلها بين كينيا، والصومال، وتنزانيا. أهمها تفجير مركز تسوق “ويس غيت” في نيروبي عاصمة كينيا كينيا، والت أدت إلى مقتل 67 شخصاً.
بدا. وكأن “الأرملة”، تحولت إلى شبح، لا أثر مادي على وجوده، حتى داهمت المخابرات الكينية نهاية 2009 منزلاً، في إحدى ضواحي مدينة مومباسا الكينية، لتعثر فيه على جهاز الكمبيوتر الخاص بها، إضافة إلى مذكرات شخصية، وجواز سفر مزور.
ساهم التقرير، الذي نشرته السلطات الكينية، في تعزيز اسطورة “سامنثا”. إذ تضمن وثائق حول ضلوعها في تدريب متطوعين للقيام بعمليات انتحارية، عدا قيادتها للعديد من العمليات في نطاق جغرافي واسع، يشمل جنوب افريقيا، الصومال، تنزانيا، أوغندا، بوروندي، زامبيا، مالي، اليمن، وباكستان.
التقرير، كشف عن نية “الأرملة” تهيئة أطفالها الأربعة حالياً، ليصبحوا “جهاديين” في المستقبل. وكذلك عن حجم كراهيتها لغير المسلمين، وهو ما تشير إليه صراحة في مذكراتها.
يسخر الكثيرون، من حكاية الأرملة البيضاء، ويتهمون الصحافة وأجهزة المخابرات بالتواطؤ لتضخيمها، كل لحساباته الخاصة، ومصالحه.
ولا يرون فيها بالواقع، أكثر من حكاية امرأة بريطانية متحولة للإسلام. حكاية تحمل عوامل كافية لشحنها بمقدار من الخيال، دون أن يكلف هؤلاء أنفسهم جهداً في التدقيق بالتناقضات، مكتفين بتسويق حكاية تتضمن أهم عناصر التشويق “الجنس والعنف”، ومنها ما تداولته الصحف العالمية على نطاق واسع، حول رثاء “سامنثا” لأسامة بن لادن، والتركيز على تغزل مفترض به “يا ابي، ويا أخي، ويا حبي الذي لا مثيل له”، بتجاهل العبارتين الأولى، والثانية، وحرف الأنظار باتجاه العبارة الثالثة.