الاهرام الجديد الكندى
وضع الاستاذ شوقى على روشته متكاملة لعلاج أوجه القصور داخل القضاء المصرى أكد فيها الأتى
لست بساذج أو حالم لأتخيل ولو للحظة واحدة بوجود ما يسمى ب “القضاء المستقل” تماما عن آليات القهر والاستبداد. تشتد صور وأوجه أرتباط القضاء بالنظم الحاكمة كلما أشتد عود وقوة الثورة المهددة لتلك النظم الحافظة لأوضاع اجتماعية وطبقية ظالمة. ما نشهده في مصر الآن من تدني حال القضاء هو نتاج مزج بين حالتين. الأولى هي نشوء حالة ثورية مهددة للنظام الطبقي المسيطر، والثانية هي مجمل وضع القضاء في مصر بعد ستة عقود من سيطرة النخب البيروقراطية على السلطة والثروة في مصر وحاجتها لتأمين علاقتها الفاسدة برأس المال، في مسعاهما لامتلاك المصادر والثروات. ذلك المسعى أستدعي أمرين، الأول هو تحييد وتأمين جانب القضاء تمهيدا لجعله في النهاية طرفا مستفيدا “ماديا” و”اجتماعيا” و “بيروقراطيا” عبر سلسلة من القوانين والمكاسب المادية والعينية “مكافأت واراض وتسهيلات” وتعيينات في مناصب كبيرة، ثم خلق حالة النخبة الجليلة المميزة التي لا تخضع للقوانين التي تسري على العامة ، ،وتتنزيهها عن الخطأ، وأقرار حالة الخصوصية الجسدية والعقلية في تميز تلك النخبة عن باقي أفراد المجتمع بأعلان حق الوراثة لمناصب القضاء فيما بين الابناء!
هذا ما تم أنجازه خلال تلك العقود الستة، وهو ما تدفع القوى الثورية ثمنا له من حريتها وحقوقها. هناك عامل آخر مهم في التأثير على وضع القضاء يتمثل في مناخ التدني العام في التوجه السياسي للطبقة الوسطى، التي عبرت عن أفلاسها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بعجزها الواضح عن طرح برنامج للخروج من أزمة هي منشئتها وخالقتها. وقبولها بالتبعية لمعسكر الاستعمار العالمي، وتدني خطابها الأعلامي إلى مستويات لم تشهد مصر له مثيلا في أسوأ لحظات تاريخها الحديث. القضاء بالطبع باعتباره جزءاً محوريا من التركيبة كان له من كم حالة الانحطاط العام نصيبا أكبر. لقضاء مصر في تاريخه القريب مواقف لاتنسى، في اعتزازه باستقلاله وترفعه ومواقفه الصادة لتغول السلطة التفيذية! أصبح ذلك ، للأسف، تاريخا مجيدا ماضيا.
لا يمكن للمجتمع المدني، وأقصد هنا المجتمع المدني بالمفهوم الحقيقي وليس مجموعة المنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان وماشابه، ويشمل كافة أوجه وجود المجتمع باستثناء أجهزة الدولة من شرطة وجيش وأجهزة بيروقراطية وأمنية ومؤسسات دينية وقضاء، لا يمكن لهذا المجتمع أن يمارس وجوده الحر بالمفهوم الليبرالي بدون وجود قضاء له درجة معقولة من الأستقلالية عن السلطة التنفيذية، وله أستقلاليته المادية (المعاشية).
يظل العامل الحاسم في قوة أي من الحقوق أو المكاسب الديمقراطية هو الوجود القوي للرأي العام، أي بمعنى آخر قوة مؤسسات المجتمع المدني من صحافة وأحزاب ومؤسسات. في سعينا كقوى مدنية للحد من تغول وهيمنة السلطة التنفيذية بأجهزتها الأعلامية والأمنية والبيروقراطية، فأننا لابد لنا من السعي لإعادة القضاء إلى ماكان (عليه!) في عهد نهضة الليبرالية المصرية في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، وحتى مذبحة القضاء الشهيرة ١٩٦٩.
هناك مطالب أساسية في ذلك التوجه أعتقد أنها تشكل الأساس الذي يعيد للقضاء أستقلاله:
١- ألغاء المجلس الأعلى للقضاء فلا يصح أن يترأس الهيئة القضائية وزير أو حتى رئيس الجمهورية كما هو مقرر في نظام هذا المجلس.
٢- منع أنتداب أي من القضاة لأي مهمة أو وظيفة خارج هيئة القضاء.
٣- منع تعيين أي قاضي في وظيفة حكومية إلا بعد تقاعده بفترة لا تقل عن ثلاث سنوات على الأقل لإيقاف أسلوب رشوة القضاة المرضي عنهم بالمناصب الكبيرة.
٤- منع ورفض قيام وزير العدل من التدخل أو صرف منح أو بدلات أو مكافأت لأي من القضاة تحت أي مسمى كان واعتبار ذلك محاولة صريحة للرشوة تجرم بمقتضى القانون.
٥- أعتبار جهاز النيابة العامة جهاز مستقل عن وزارة العدل يخضع لسلطة النائب العام وحده دون وزير العدل.
٦- انتخاب النائب العام من أحد أفراد الهيئة القضائية، ولا يحق لأي كان الأعتراض على ترشيح الهيئة. مع التجديد أو التغير كل فترة زمنية.
٧- إعادة نظام قاضي التحقيق، ومنع سلطة التحقيق عن النيابة العامة.
٨- قصر صفة القضاء على قضاة المنصة ومنع تلك الصفة عن النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة باعتبارهما أحد إدارات وزارة العدل. أي من أجهزة السلطة التنفيذية.
٩- منع العاملين السابقين في وزارة الداخلية من العمل بسلك القضاء. وإحالة القضاة الحاليين ممن كانوا ضباطا للشرطة للعودة للعمل بجهة عملهم الأصلي في وزارة الداخلية.
١٠- إعادة نظام أنتخاب العمداء للجامعات لمنع تسلل عناصر الأمن أو من كانوا ضباطا لمناصب عمادة كليات الحقوق وما يعنيه ذلك من القضاء على التراث الكبير العظيم لمدرسة الحقوق المصرية.
١١- ألغاء كافة أشكال القضاء الجديدة التي تم صنعها خلال العقود الستة الماضية وتعزيز المبدأ الدستوري الأصلي في حق المواطن في الوقوف أمام قاضيه الطبيعي.
١٢- ألغاء وتجريم مبدأ المحاكمات العسكرية واعتباره حجر الزاوية في سبيل تحقيق الحريات الديمقراطية وتأكيد دور واستقلال القضاء.
١٤- تجريم تعمد أختيار قاضي معين لقضية معينة وأعتباره نية قصدية للتأثير على الحكم الذي سيصدر في هذه القضية، واعتماد نظام الحركة الدورية لتوزيع القضايا على القضاة من خلال جمعيتهم العامة لكل مستوى.
١٥- منع تدخل الجهات الأمنية المختلفة في التحقيقات مع المتهمين، وقصر سلطة التحقيق على الهيئة القضائية.
١٦- تشديد وتغليظ العقوبة على الفاسدين من القضاة.
١٧- إعادة الحصانة الدستورية لأعضاء مجلس الدولة، ومنع أنتدابهم للعمل بأي من جهات الإدارات الحكومية.
١٨- ألنظر في دور ومهمة المحكمة الدستورية العليا ودورها “السياسي” فيما مرت به البلاد من أحداث. والبحث عما إذا كان وجودها ضارا بالحراك الديمقراطي وهل وجودها يتيح للسلطة القائمة الإخلال بعملية الانتقال السلمي للسلطة؟
١٩- منح المواطن حق التقاضي المباشر ضد أي من أجهزة الدولة أو أحد أفرادها المعينين، حين يحدث له ضررا من أحد تلك الأجهزة أو الأفراد. وجعله حق مطلق لا يقيد بقرار من سلطة إدارية.
٢٠- منع التميز بين القضاة ذوي الأقدمية والدرجة الواحدة في العائد المادي.
٢١- إخضاع كافة الجهات ومؤسسات الدولة دون أستثناء لسلطة القضاء.
٢٢- منع التفتيش والقبض وتجميع الادلة بدون وجود ممثل للنيابة العامة لمنع دس الاحراز وتزوير القضايا الذي يحدث على نطاق واسع.
لن يحدث أن تستطيع القوى الوطنية الديمقراطية أن تحصل على كل أو حتى نصف تلك الحقوق مرة واحدة بالطبع، وهي حقوق كانت موجودة وقائمة في مصر قبل وصول الجيش للسلطة عام ١٩٥٢! ولكنه طريق لابد من السير فيه ومطالب لابد من تحقيقها، وهي قابلة للتحقق ولابد منها أذا أردنا قضاءا يحمل قدرا معقولا من النزاهة والحيادية.