ماجد سوس
في عصرنا الحديث بزغ نجمٌ سماويٌّ في سماء الإسكندرية، يحمل في قلبه نورَ المسيحِ ويمتلك روحًا سماويةً فريدة ليقود نهضة غير مسبوقة، بناء نفوس وكنائس وإعادة مجد الكنيسة.
اجتماعات صلاة وقداسات في كل مكان.
هو اول من أعاد عشيات الثلاثاء وسهرات كيهك وقداسات للطلبة.
كان يهتم بشدة بالأرامل والأيتام وإضافة الغرباء وكان مبدأ حياته كلمات الكتاب: “الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه:
افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم.” (يع 1: 27) فكان يعيش بالأمران.
إنه أبونا بيشوي كامل، قديسُ الإسكندريةِ الخالد، الذي عاش الإنجيلَ حرفًا وروحًا، ولم يكن مجرد كاهنٍ عاديٍّ، بل أيقونةً للحب الإلهي المتجسدِ على الأرض.
كان إنسانَ الله بحق، يفيض قلبه بالمحبة، ويخفق نبضه بالتواضع، فيسير بين الناس وكأنه ملاكٌ يمسح دموعَ المتألمين ويواسي جراحَ الخطاة.
لم يكن أبونا بيشوي يُميِّز بين إنسانٍ وآخر، فالجميع عنده متساوون في الحبِّ والرعاية.
لم يُهرطِق إنسانًا، ولم ينطق بكلمةِ هدم أو تجريح، بل كان يبني النفوسَ بكلماتِ الحياة.
كان يرى في كلِّ خاطئٍ احتمالَ قدِّيس، وفي كلِّ حزينٍ بذرةَ فرحٍ آتٍ.
لم يعرف قلبه طريقًا للعداوة، بل كان يُطفئ نيرانَ الخصام بابتسامةِ سلامٍ ويردُّ الإساءة بدعوةٍ صادقةٍ من قلبه الطاهر كان محبوبا عند الله والناس (سي١ : ٤٥).
لقد جمع بين محبةِ البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث وأبونا متى المسكين، وعرف كيف يحفظ قدرَ كلٍّ منهم دون أن يميل نحو تحزُّبٍ أو خصام.
كان تلميذًا نجيبًا لكلٍّ منهم، يشرب من ينابيع حكمتهم، لكنه ظلَّ دائمًا حاملًا رايةَ الوحدة والمحبة.
رفض أن يسمح لأيِّ صوتٍ أن يعلو على صوتِ السلام الكنسي، وكان ينهر بلطفٍ كلَّ من يحاول النيل من أحد هؤلاء الأقطاب الروحية.
إذا قرأتَ الرسائلَ التي كتبها أبونا متى المسكين له، أو استمعتَ إلى عظاتِ البابا شنودة عنه، ستعرف أن هذا الرجلَ السماويَّ لم يكن إلا رسالةَ حبٍّ من السماء إلى الأرض.
ورغم غزارةِ علمه ودراساته العميقة وقراءته لمئات الكتب العلمية، النفسية، اللاهوتية والآبائية
ظلَّ كطفلٍ صغيرٍ في نقاوةِ قلبه وبساطةِ إيمانه.
لم يعلُ على أحدٍ ولم ينصب نفسَه حاميًا للإيمان، ولم تسمعه يوما يقول في دراستي لكذا وكذا، بل كان عجيبا في تقديم الكل في الكرامة.
لا تسمعه يحتد أو ينطق ببنت شفا مظهرا أن معه سلطان كهنوتي أو انه هو فقط من تؤخذ منه الشريعة
بل قبل ان يجلس ليستمع للعلمانين بكل تواضع القلب، بل هو أول من طلب من المؤرخة الشهيرة
الدكتورة إيريس حبيب المصري أن تلقي على الشعب محاضرات داخل صحن الكنيسة.
كان يعيش ما يقوله ويقول ما يعيشه، يزرع في القلوب روحَ المحبة دون أن يُشعِر أحدًا بتفوُّقه أو علمه.
كان دائمًا يُحسِن الظنَّ بالجميع فلا يتصيد أخطاء متكلم أو كاتب، وحين يأتي له أحد بكتاب
ويقول ان فلان قال الكتاب هذا فيه أخطاء كان يقول له في أي صفحة، يقول صفحة كذا
يقول له إثني هذه الصفحة وأقرأ ما قبلها وما بعدها دون أن يهاجم الكاتب أو الرافض.
كان أبونا بيشوي قائدًا بالحبِّ قبل أن يكون قائدًا بالكلمة، يرعى النفوسَ كما يرعى الراعي خرافه، بحنانِ أبٍ وعطفِ خادم.
كان يفتح الكنائسَ بروح الصلاةِ والتواضع، فيعيد للكنيسة بريقَها وينشر روحَ الخدمة الصادقة في كل مكان.
لم تكن رسالتُه محصورةً داخل جدران الكنيسة، بل امتدت إلى كلِّ نفسٍ احتاجت إلى لمسةِ حبٍّ ورحمة.
كان يصلِّي بعمقٍ وروحانيةٍ نادرة، يرفع الكلَّ في صلواته، لا يُفَرِّق بين غنيٍّ وفقير، مسلمٍ ومسيحي، خاطئٍ وبارّ.
كان محبوبا من كل الطوائف وكان يزور الكل ولم يهاجم طائفة أو يتهكم على إيمانهم أو تعاليمهم، بل كان يجذب الكل بالحب.
أتذكر أنه كانت هناك أسرة بروتستانتية كان يزورهم رغم أن أب الأسرة من الذين قاموا ببناء
كنيسة العطارين الإنجيلية ومن حب أولاده في ابونا بيشوي انتظم بعضهم في الكنيسة القبطية
وفيما بعد سيم أحد أولاد هذا الرجل كاهنا تقيا شهيرا على احدى كنائس محرم بك القبطية.
أحبائي، ما أجمل أن نتأمل في سير القديسين ونتعلم من فضائلهم، لكن يبقى المجد أولًا وآخرًا للرب يسوع المسيح، فهو مصدر كل قداسة وكل نعمة.
كثيرًا ما نتأثر بحياة قديس، فننسى أن نرفع أعيننا نحو المسيح الذي صنع منه إنسانًا سماويًا.
لكن ما يدهشني حقًا في الحديث عن أبونا بيشوي كامل أنك لا تستطيع إلا أن تشعر بأنك تقترب من شخص الرب يسوع ذاته، وكأن حياته كانت مرآة تعكس نور المسيح بلا انقطاع.