كمال زاخر
طالبنى العديد من الأصدقاء بتوضيح ما كتبته قبل أيام تحت عنوان: ماذا بعد العاصفة؛ سؤال لآباء مجمع الكنيسة. الخميس ٣١ اكتوبر ٢٠٢٤، متعلقاً بالمطالبة بوضع دستور ايمان للكنيسة؟.
وهل هو بديل عن قانون الإيمان الذى أقرته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عبر مجامعها المسكونية، نيقية والقسطنطينية، فى القرنين الرابع والخامس؟.
ـ مطالبتى بوضع دستور ايمان للكنيسة لا تعنى وضع صياغات بديلة لما جاء بقانون الإيمان النيقاوى
القسطنطينى، انما هو مطالبة بوضع وتوثيق شرح ارثوذكسى لمفردات الإيمان التى أجملها قانون الإيمان
وهو ما عرف فى ادبيات الكنيسة بـ (الكاتشيزم).
واستأذن القارىء فى نقل ما ورد فى كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
– جـ1 – مقدمات في الكاتيشيزم القبطي – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.
والذى قدم تعريفاً موجزاً لهذا المصطلح، والهدف منه.يقول:
ـ ماذا تعني كلمة كاتيشيزم Catechism؟ كلمة كاتيشيزم يونانية معناها تعليم ديني مختصر
يُقدم إماَ شفهياً أو كتابة مبادئ وأساسيات التعليم والقيم المسيحية غالباً عن طريق الأسئلة والأجوبة.
1. استخدمت هذه الكلمة باللغة اليونانية منذ العصر الرسولى (لو1: 4؛ أع28: 35).
قدم آباء الكنيسة الأولى مقالات أو محضرات للموعوظين Catechetical Lectures
من بينهم القديسين كيرلس الأورشليمي وغريغوريوس أسقف نيصص.
2 – ما هى غاية الكاتيشيزم (التعليم بالأسئلة والأجوبة)؟
أولاً: تقديم معرفة إيمانية غايتها التعرف على الله وعمله الخلاصي.
وقد ميّز القديس إكليمنضس السكندري (من القرن الثانى) بين المعرفة لدى الغنوصيين الذين نادوا
بأن الإنسان قادر بالمعرفة العقلانية البحتة أن يخلص، وبين المعرفة التى تقوم على تقديس العقل بالنعمة الإلهية، والتفاعل مع الإيمان للتعرف على الله والارتباط بحبه، وطلب عمل نعمته فى حياتنا.
وكما يقول يهوذا الرسول: “أن تجتهدوا لأجل الإيمان المُسلّم مرة للقديسين” (يه3)، والرسول بطرس: “نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس” (1بط1: 9).
يدعونا بولس الرسول للإيمان، قائلاً: “ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه
لأنه يجب أن الذى يأتى إلى الله يؤمن بأنه موجود، وأنه يجازي الذين يطلبونه” (عب11: 6).
إذ نؤمن به ونسلمه كل حياتنا في المسيح يسوع، نختفي فيه (كو3: 3)
ونهرب من الفساد الذى فى العالم بالشهوة (2بط1: 4).
يقول الرسول: “تمموا خلاصكم بخوفٍ ورعدةٍ، لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل مسرته” (فى2: 12).
بهذا نتمتع بالحياة المقدسة، أى بالإيمان العامل بالمحبة (غل5: 6).
ثانياً: لا يقوم الكاتيشيزم على بنود تحفظ بطريقة جافة، أو تقوم على مناقشات ليس فيها روح الحب.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم بأن ثمار أوقية من الحب أفضل من ثمار طنٍ من المناقشات.
لذا أرجو أن يكون خط هذا العمل هو بث روح الحب والدعوة للعمل فى حياة كل المؤمنين فى العالم من الطفل الصغير حتى الكهل بروح الفرح مع التواضع.
وكما يقول ابن سيراخ إن المؤمن لا يتوقف عن العمل حتى النسمة الأخيرة من حياته.
“اثبت على عهدك، واهتمّ به، وأبلغ الشيخوخة فى عملك” (سى11: 18).
ثالثا: أرجو من الشباب خاصة فى أرض المهجر إعادة كتابة هذا العمل بأسلوب يناسب كل الأعمار
طالبين عمل روح الله القدوس فيهم وفينا.
رابعاً: أرجو أن يفتح هذا العمل مجالاً لوضع برامج التربية الكنسية للاستفادة العامة لكل أفراد الكنيسة.
خامساً: إبراز غنى الحياة الكنسية وإمكانياتها فى المسيح يسوع والتطلع إلى المستقبل
بروح الرجاء ما دمنا تحت قيادة روح الله القدوس، وربط التعليم بروح الأبوة أو الأخوة التى يختبرها
الجميع بلقائهم مع الله محب البشر.
سادساً: التمتع بالروح النارى الذى لا يعرف الركود أو الخمول بل الانطلاق من مجدٍ إلى مجدٍ
(2كو3: 18)، مع التجديد المستمر والنمو فى المعرفة الحقيقية.
سابعاً: بث روح الكرازة والشهادة لعلم الثالوث القدوس فى كل مؤمن، أياً كان عمره أو ثقافته
وذلك بروح الحكمة والتمييز.ثامناً: تأكيد أن التعليم والعبادة والكرازة والخدمة بكل أشكالها تمثل أوتاراً متباينة لتُصدر سيمفونية حب يُسرّ الله بها وتُبهج السمائيين والقديسين الذين رحلوا من هذا العالم مع عضويتهم
فى كنيسة المسيح الواحدة.
تاسعاً: إدراك أن الالتزام بالتقليد (التسليم) لا يعني الجمود والسقوط تحت عبودية الحرف بلا روح.
عاشراً: التلامس مع عمل الثالوث القدوس فى كل حياتنا، وإدراك الحضور الإلهى حتى فى أحلامنا التى تبدو أنها بغير إرادتنا.
ويبقى سؤال: لماذا الآن؟.
1 ـ ما حدث من جدل حول السيمينار الأزمة، يكشف عن غياب لضبط المصطلحات عند كثيرين
حتى عند قمة الكنيسة، وتعدد الآراء فيها، وذلك لغياب القاعدة التى يقاس عليها
وهى فى حالتنا هذه اجتهادات شخصية، تفتقر للمرجعية البحثية، الموثقة.
2 ـ نحن نعيش عالم المعلومات المتناقضة، ويعج العالم المعرفى الافتراضى بطوفان من المعلومات
التى يختلط فيها الصحيح بالمغلوط والمدسوس، فى صياغات مخاتلة، خاصة فيما يتعلق
بالمعتقدات الايمانية المسيحية وفى مقدمتها العقائد القبطية الارثوذكسية؛ والمستهدف من هذه الصياغات
الأجيال الواعدة والقادمة.
3 ـ فى سعينا لتحقيق وحدة مسيحية تجمع المتفرقين بحسب شهوة قلب الرب يسوع، لا نبنى هذا السعى
على رغبة عاطفية، أو عرقية اثنية، أو جهوية، بل عبر حوارات مسكونية قاعدتها ما نؤمن به
فى صلب الإيمان، المسلم لنا مرة، باجتهاد، “أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ، اضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ.” (يه 1: 3).