الجمعة , نوفمبر 22 2024
الكنيسة القبطية
ماجدة سيدهم

من مذكرات كلب (مصنع الكلاب )

كنا معشر الكلاب في جلبة بسبب ندرة الطعام والكرامة والتنفس ..كان الوقت شديد الحرارة والعطش نال منا حتى تدلت السنتنا لكثرة السعي وراء وهم الماء والشبع .. جراؤنا تهالكت جوعا … وقف أضخم كلب فينا وكم كان حقيرا

يقول : اصطفوا جميعكم أخوتي ، وكفوا الآن عن فعل النباح ..الضجيح يخل بالنظام و يفقد القدرة على التركيز

وترتيب الأولويات ..التزموا الهدوء أرجوكم .. واعلموا أن لكل منكم حصته الموفرة من الطعام

هي لعظام كلب مثلنا ..شكرا استجابتكم أخوتي

* كان من الضروري أن يكون هناك مستشارين ومخترعين لأفكار تحد من تفاقم العواء والتجمهر لعشيرتنا ب

عد أن جف زيت الماكينات..وباتت جدران البيوت آيلة للسقوط

حيث مضي بنا الوقت في تيه لم نعتاده بعدما كنا نبلاء وحراس المدينة والبساتين والبيوت .. فلم يعد لدينا ما نقيم

عليه الحراسة أو تتبع أثر لرائحة غريب مر بيننا

*على المنصة مال زعيمنا إلى صديقه الأقرب وهو الأصخم جثة وهمس له :

ماذا نحن فاعلون أمام هذا الحشد المزعج .. :

لا تقلق سيدي ..الكلاب لا تجيد غير النباح والهرب فقط

إذ ما عبرنا نحن القادة عن استيائنا وقمنا بمراوغة احلامهم ستظل مخض احلام فقط

فمازال الأمل فيهم لم يتحول إلى يأس كامل . لذا يكون نزع الأنياب أمر سهل وحتمي لسلامة نومك سيدي ..

الزعيم :يالك من كلب مخلص وذو رؤية ودهاء ..تصرف إذا .. طأطأ الكلب خادم المنصة برأسه ومال منحنيا وممتنا لهذا الإطراء

مضيفا : إنها الفوضى يا سيدي ..ف إثارة المخاوف وانتشار الأكاذيب والارتباك هو أمر جيد ومجرب

لا تنزعج سأتدبر الأمر

خادم المنصة :انتبهوا يا اخوتي ..خبر سار لكم ..حصة هذا الصباح تدعو جميعكم للمشاركة

والتكافل والمحبة والتقارب المجتمعي فيما بينكم .. ونظرا لندرة الهياكل العظمية لموتانا كما تعلمون

ثم تمتم في مشهد تمثيلي ترحما على الموتى

وتابع :لذا بات حتميا مشاركة كل أربعة كلاب في حصة الطعام التى كانت مقننة قبلا لكلب واحد.

هب أحدنا ثائرا : من الذي أولاك متحدثا عنا .. وكيف تحل الندرة بتخفيض الحصة

ثمة فرق بين الترشيد والتخفيض..وليس من الأدب أن نتلقى طعامنا كعاطلين او مراهقين بلا مستقبل

كنا نعمل كشرفاء ووجهاءالمدينة كنا نحرس الأماكن الفاخرة حتى فرضتم علينا الضرائب الكثيرة

ثم التى تحكمون فيها هي عظامنا .. أليس بيننا راشد لاقتراح البدائل وحسن الاستغلال وإدارة الأزمة ؟!

كلب آخر صارخا في وجه خادم المنصة وهو أضخم من فينا : يا أنت انتبه ..لا تنسى ولا تستغل أننا عشيرة ليست لها مطامع غير أن نتحرر من قيد الموت بين تروس فرم الماكينات

تأكلون لحومنا وتلقون لنا بالعظام ..ثم كيف تتميز حصتك أنت عنا جميعا بعظمة كاملة ..ألست كلب مثلنا ..!

خادم المنصة متخابثا : كفوا عن الجلبة يا أخوتي ..هدوء من فضلكم ..النباح لن يجدي ..أنتم أنانيون ..طماعون

لا تحترمون المساواة فيما بينكم ..لكن لأن لكم حق الاعتراض فعليه سنرفع الحصة المقننة لكم الآن

لحين بحث الأمر والبت فيه

نباح ثائر : نحن لا نريد حصتنا لكن نريد حقنا .. أجابهم : وهذا هو حقكم .. وما تصدرونه من نباح

ليس لأمر مهم ..فجراؤكم تتضور عطشا ونحن نبحث الأمر : انتم تقدرون انصبتنا من بقايانا

بينما حقوقنا فقد اغتلتموها علانية ..

*ارتفع النباح احتجاجا عن تقسيم الحصص ..اضطربت الصفوف وتدافعت العشيرة وارتفع معها عواء الجراء ..

وصارت أحاديث جانبية مثل ” لا وقت الآن لفعل أي شيء غير ترقب و متابعة آخر أخبار حصة العظام المفتتة

اللعنة على القائمين بالمنصة ..أنه المزيد من الصمت والتخفز والشرود ..هذا افضل ما نفعله نحن الكلاب بعد أن أصبحنا ثقلا غير محتمل ..

” مر الوقت وحين هدتنا خيبة الأمل قال صديق لي وقد هده اليأس : لماذا تلوم صمت الكلاب

وأنت بالكاد تتذكر صوت النباح .. : لأني كلب ..وأنت كلب ..وفي صمت الكلاب قوة وتوقع ..الصمت نضج للعشيرة

ينبيء بنذير موحش للفتك . . : لا تعول كثيرا على توقعاتك اليتيمة

فقد اصبحنا دجاجات لا تنتبة أن في رائحة الشواء مستقبلها الوشيك على طاولات قادة العشيرة

هكذا يمضغون لحومنا ..يتاجرون بأعضائنا الحية

وحين نموت يلقون بعظامنا إلينا لنمارس عليها حق النزاع ..

سألته : هل يأكلون السنتنا أيضا.. ألقى صديقي ببصرة إلى اتجاه غير محدد وقال : لا ..الألسنة للصلب

*عادت وتفاقمت الفوضى وتصاعد الهجوم العنيف لاقتناص الجزء الأكبر من الحصص المخصصة لنا

صرنا نخطف حطام موتانا لإطعام صغارنا ..صرنا أعداء ..خبثاء ..نسعى بجهد للتودد إلى المتصرف في توزيع الحصص

حتى يمنحنا أية امتيازات مقابل إفشاء أية أسرار أو أخبار فيما بيننا نحن الكلاب غير المنظمين

على المنصة مال زعيم الكلاب وقال لخادم المنصة الضخم وهو مضطربا :

أرني كيف تتعامل مع هذه الجلبة للمرة الثانية ..أنهم مزعجون جدا : ياسيدي علينا بإشغال القطيع عن النباح بالانغماس

الزعيم مندهشا : الإنغماس ..! : نعم ..الإنغماس لعبة مقتدرة وفعالة ومربحة أيضا

الإنغماس في ممارسة الغريزة ..فهي جيدة وممتعة ..وإذ ما صارت إلزاما ونهجا دينيا صارت ملاذا لنا

فهي مجهدة للبدن المتهالك والمريض بالسعار ومثيرة للحزن لمن امتلك فيهم الوعي

وتعد ثوابا للخائفين من النار كما إنها تسرف وقتا هائلا.. لحتى نتفرغ لدراسة المهام الكبرى لتخفيف حدة العواء ..

هذا أمر صائب. وهذا أيضا نخب الولاء لي ..

خادم المنصة : إذا لنستميل الأضعف نفسا فيهم ونوليه مهمة الوعظ بين جموع الكلاب بأن مطلب الحقوق

على الأرض فاسدة لأنها مطامع ضد الآخرة ..وليقنعهم أن الكلب القنوع لايطمع بغير وهم الشبع

فقط على أن ينهك مخيلاتهم واجسادهم في ممارسات الجنس مع سائر الإناث

* هكذا تفرقت الصفوف وانهمكت الذكور في اعتلاء الإناث كتعويض عن الزحام أمام منفذ الجوع الوحيد للبقايا

انصرفت العشيرة في الإفراط الجنسي بحثا عن ملكوت ..

زعيم الكلاب : لكن الكلاب لا تعرف الشذوذ ..هذا مثير للقلق .. : إذا لنستغل حاسة الشم يا سيدي ولنعلم الكلاب كيف أن رائحة الأتساخ مثيرة للاحتكاك

وكيف لفعل الممارسة المستمرة فيما بينهم فضائل مؤكدة ..هذه مهمة من نستميله مقابل حصة وفيرة من العظام

أليس في هذا سخريةمنهم وتسرية لقلبك سيدي..! فلديك مهام عظيمة تحتاج للتركيز

بعيدا عن هراء وعواء واعتلاء الكلاب .. لاتنشغل سيدي ..فقط ثق بي

بعد وقت اتجه خادم المنصة للجمع المشتت متنحنحا :

أيها الفوضاويون لقد تزايد عدد مواليدكم عن طاقة المتوفر لدينا من حطام الموتى

وقد تعلمت جراؤكم فعل الجنس بلا أية ضوابط ..عليكم بالانضباط والتروي فيما بينكم

وليكن نباحكم في الإتجاه الملاصق للفراغ

حيث حكايات القدامى ..سنولي عليكم حكيما يدير تنظيم العلاقات وجدولتها على أن يفوز الملتزم فيكم بمكان

بيننا نحن القادة ..وذلك ليشاركنا في سن القوانين وتوزيع الحصص لتهدئة حدة النباح والعمل على ارتفاع حدة السعار

*هكذا تم عزل معشر الذكور عن الإناث بعد تغطية مؤخراتهن بأغطية اكثر أثارة ويتم تفريغ الساحة

من كافة الوثائق والكتب عن أعرق السلالات وأشرف الفصائل وأكثرها تهذبا ونقاء

وأيضا حرق كل النوت الموسيقية

لظبط إيقاع النباح التي صدقوا أن من شأنها إثارة الشكوك والمخيلات المثيرة لافعال ضد الطبيعة

الطبيعة أيضا صارت غبراء .. الزعيم مندهشا : بارع ايها الكلب الخادم ..إنه بالفعل هو الوضع الأمثل

للحد من تفاقم حالة السعار والجوع معا ..وأن ينوب عنا بعض المخلصين لتفقد حالة السياج الشائك

حول القطيع المطيع .. نعم نعم ..إنها القناعة بالقضاءوالقدر ..أمر جيد وصائب الخادم :

علينا يا سيدي أيضا تعزيز قيم الرضا والولاء والإنحناء .. فبعض من الحسنات الساقطة عن منصاتنا كثيرا

ما تصنع كلابا مدجنة ..ملتزمة بالنظام والاعتياد والتقوى ..كل شي سهل طالما في قبضة حصتنا

ولا تنسى أيضا ياسيدي ..أن لا تكمم الأفواه ..فهي المسافة العميقة والآمنة بيننا وبينهم .. لكن عليك أن

تسمر كل فك على حده ..فلا يجيدون بعدها تناول العظام ..بالكاد يلعقونها .ولا يتقنون فيما بعد اي محاولة النباح..

الزعيم : يالك من كلب مدجن بشكل شيطاني جيد ..وأنا أيضا لدي فكرة .. نصنع لهم فخاخا لكل محاولة تهدد

سلامة الموت البطيء أو تزعج نعاس الحراس عند بوابات اللصوص والناهبين لكل أثر وكل وثيقة وكل مفتاح

وكل ما يذكرهم بسلالتهم النبيلة ..على أن يكتب على لوحة الفخ “هنا يعلق كل نباح تجاوز حدود المسامير

مثقوب هو كل نباح أدرك الفرق بين الحصة والحق …” الخادم .: اطمئن سيدي ..ليس ثمة خيانة بيننا طالما

كلنا كلاب بكماء ومدجنة ..فقط دع لهم حق محدود للنباح ونحن في المسير ..أليس كذلك …!

تغيرت فجأة هيئة زعيم الكلاب وقال متجهما :

أنت قلت الكلاب لا تخون ..وأنت خائن لعشيرتك أيها الخادم ..لأنك جبان ..شرير وهذا يخيفني منك ..كلكم كلاب ..

أنا فقط لست كلبا .. واعتصارك واجب أيها الكلب الخائن .. والقاء عظامك للكلاب يحفظ لي حق المكان

الخادم مذعورا : كيف وقد خدمتك بإخلاص.. خنت من أجلك الزعيم .: وخائن عشيرته لا يؤتمن يا كلب

الخادم : يالك من ثعبان أعمى مشقوق اللسان .كيف خدعني قناع الكلب الذي على وجهك فصدقت

أنك مثلي كلب خائن .. هكذا سقط قناع الكلب عن رأس الثعبان الأضخم والذي قادنا طويلا .. وصار في الساحة صياحا ودهشة

وجلبة وتحولت الساحة إلى تدافع غير منظم .. صاحت الكلاب : كيف حدث ان يحكمنا ثعبان ظنناه منا

لتسقط الآن كل الأفاعي عن منصاتنا .. اقترب الاحتدام من المنصة والنباح يفور بقوة وصار النباح متداخلا :

لقد أجدتم تشويه عشيرتنا وإفسادها ..صنعتم منا كلابا شريدة و منحرفة العواء

كلابا لا تشبهنا ..كلها عقيمة .. لا تلد شرفا … قام الخادم بالقاء كميات هائلة من العظام :اغربوا بعيدا

فلكم حصة أوفر من العظام .هيا انصرفوا حيث جوع جراؤكم ازداد الصياح والتشابك وانقضت الكلاب الثائرة

تفتك بالخادم والثعبان الكلب وراح كل كلب يفتك بآخر :

لا وقت للمراوغة فقد سقطت كل الأقنعة وكل دساتير الكذب لا تصلح للقيء .. أنت كلب خائن لنا

وأنت كلب ثعبان خائن غريب عنا .. وأنا خائن وأنت جبان وأنت لص وأنت حقير

كلنا بتنا مصابين بالسعار اللاخلاقي .إذا كلنا غير صالحين

لقد اكتمل زمن فسادنا .ولا أمل في جراء صالحة لغد لن يأتي طالما نحن أحياء لذا بات حتميا زوال عشيرتنا

للأبد .أنه زمن الفتك ..ولتأت بعدنا فصيلة نقية لا تنتمي لزمننا ولاتشبهنا

هي فرصة لإختراع وطن .. هذا كل شيء ..

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

قومى استنيرى

كمال زاخر رغم الصورة الشوهاء التى نراها فى دوائر الحياة الروحية، والمادية ايضاً، بين صفوفنا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.