د. ماجد عزت إسرائيل
يُعِدّ القِدِّيسُ مُوسَى الْأَسْوَدِ الْمَوْلُود فِي النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِنْ القَرْنِ الرَّابِعِ الْمِيلَادِيِّ مِنْ أَشْهَرُ الْآبَاءِ بِبَرِّيَّة شُيهِّيت، وَأَيْضًا مِن بَيْنَ صُفُوفِ الْمَشَاهِير التَّائِبِين. فسَيَّرْته مُحَبَّبَة لِلْجَمِيع، وَمُشَجِّعُهُ أَيّ تُلَهِّب الْحَمَاسَ فِي الإِنْسَانِ لِلتَّوْبَة أَيّ الْاِعْتِرَاف وَالنَّدَم وَالْإقْلَاع، وَالْعَزْم عَلَّى ألاَ يُعَاوِد الْإِنْسَانِ مَا اِقْتَرَفه.
فَكَّان قَوِيًّا فِي فَعَلَ الشَّرِّ أو المخطّط لتَدْبِيره. فَأُصَبِّح قَوِيًّا فِي تَوْبَته وَإِيمَانِهِ كَمَا وَرَد بِالْكُتَّاب قَائِلَا: “فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ. كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ».” (مر 9: 23).
فَلَنَتَأَمَّل قَلِيلَا سَوَاءٌ فِي شَخْصِهِ أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْآخَرِينَ؛ كَيَّفَ تْعّرّفِ مُوسَى علَى الْمَسِيح؟ وَتُحَوِّله مَنّ قَاطِعُ الطَّرِيقِ أَيّ لِّصُّ يَتَرَبَّصُ بِضَحَايَاهُ وَسَطَ الطَرِقٍ المُقْفِرٍ إِلَى مُؤَمَّن بالْمَسِيح، كَمَا آمَنَتْ بِهِ الْأُمَمُ.
إِلَى جَانِبِ ذَلِكَ أَصُبِّح مِن بَيْنَ الْقَادَة لِلرَّهْبَنَة فِي مِنْطَقَةِ وَادِّي النَّطْرُون.
“وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هذَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ.”(1 تي6: 11).
فالْحَقِيقَةُ التَّارِيخِيَّةُ أَنّ القِدِّيسُ مُوسَى الْأَسْوَدِ وَالأَنَبَا أرْسَانِيوس نَال كُلَاهُمَا شُهْرَةً كَبِيرَةً بِسَبَب التَّنَاقُضِ بَيَّنهُمَا فَتُحَوِّل الْأَوَّل مِنْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ أَيّ مُجرِّم إِلَى رَاهِبُ مُتَعَبِّدًا وَمُعْتَزِلاً وَزَّاهِدًا فِي صَوْمَعَتِهِ.
فبَيْنَمَا تُخَلَّى الثَّانِي عَنِ حَيَاةِ النَّعِيم وَالتَّرَف رَاضَيَا بِقَسْوَة الصَّحْرَاء وَشُظِف العَيشُ قَائِلَا مَعّ مَعْلَمنَا بِوَلْس الرَّسُولِ :”مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟”(رو8: 35).
وَهَكَذَا، عَاشٌّ القِدِّيسُ مُوسَى حَيَاة الجُهَّاد مِنْ أَجْلِ اِلتَّوْبَة حَتَى نَالَ أكَلَيْل الشَّهادة فِي عَامٍ 408م وَعَمَّره مَا يَقْرُبُ مِنَ 75 عامًا.
وَنَالَ ثَلَاثَة أَكَالِيل هَيِّ: الْأَوَّل لِلُحِب وَالنُّسْك، وَالثَّانِي لِلرَّهْبَنَة وَالْكَهَنُوت، وَالثَّالِث لِلشَّهَادَة.
وَيَعْتَبِر أَوَّلُ شَهِيد فِي بَرِّيَّة شُيهِّيت، وَجَسَّده مَحْفوظ مَعَّ جَسَّد الأَنَبَا إيسيذورُس بِدَيْر البراموس، وَأَيْضًا لَهِّ دَيْر أثَرِيٌّ يُحَمِّل اُسْمه بوَادِّي النَّطْرُون.وَتَحْتَفِل الْكَنِيسَة بِذِّكْرَى اِسْتِشْهَاده فِي(24 بؤونة) مَنْ عَامٍ، وَيُوَافِق هَذَا الْعَامَ أُوِّل يُولِيُو 2024م.