فُجعنا برحيل المعيد ومدرس التربية البدنية والعلوم الرياضيه محمد القمر أحمد رزق الذي تصادف مروره بجوار شاطئ الإسكندرية فسمع صوت استغاثة شابين مصريين كادا أن يغرقا فسلم جواله وجواز سفره لزوجته التي انقبض قلبها وتشبثت بيده ورجته أن لا يقفز في البحر إلا أنه قال لها “لن أدع روحاً تموت وأنا أستطيع إنقاذها”
وهو يعلم أن الله أعطاه الأوسمة والجوائز في السباحة والتايكوندو وهو الحاصل على الماجستير من جامعة السودان والمدرب في عدة صالات رياضية في الخرطوم وشارع المشتل في الرياض
فانتزع يده القوية من قبضة يدها الضعيفة ثم قفز في البحر قفزته الأخيرة وهو غير مليم .
وكأن عروسه كانت تعلم أنها لن تراه مجدداً..!
قام محمد القمر بإنقاذ الغريق الأول ثم عاد لإنقاذ الثاني الذي نجا بدوره لكن المنقذ محمد القمر
ابتلعه بحر سيدي بشر شاطئ ابوهيف ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتشاء إرادة المولى أن يغرق المنقِذ ويُنقذ الغريق!
إنه البحر الذي طالما اختطف سباحيه المهرة، وسخر من أحزمة التايكوندو والكاراتية
ولم يعبأ بالاوسمة والقلائد والميداليات والنياشين، ولم يرحم عروسه التي شاهدت بعينيها كل تفاصيل الإبتلاع.
وهكذا الموت الذي نغفل أنه دائماً بالجوار يختطف منا زينة أصدقائنا وهو الذي كنا قبل أشهر قلائل
نتضاحك معه في جلسة ودودة ومأدبة أقمناها على شرف زواجه وبالأمس كنا نداعب صديقاً آخر
في زواجه المرتقب أيضاً ولكن القدر كان في الميعاد وها نحن قد فرغنا من دفن جثمانه الطاهر
قبل قليل والوجوم وعدم التصديق يخيم على قلوب أصدقائه الذين أحبوه وعشقوا بياض قلبه.
رحل محمد القمر ابن نيالا البار والأستاذ بجامعة الدلنج رحيل الأبطال
رحيلٌ يشبه بطولة ورجولة ومروءة أرض دارفور العظيمة، مات وهو ينقذ شخصاً لا تربطه به صلة قرابة
ولا جنسية ولا يعرف حتى اسمه ولكنه يعرف أنه إنسان!
رحل شهيداً وهو العريس الذي ترك عروسه المكلومة
وفي بطنها بِضعةٌ منه .. جنيناً ذو أشهر خمس .. صبيٌ أو صبية سيحمل إسم وملامح والده
طفلٌ به مسحة من حزن اليتم ولكن في عينيه مروءة أبيه البطل .
يغيب القمر ولكنه لا يموت وإنما يُبعث هلالاً صغيراً سرعان ما يشتد أزره ويستدير ليعود قمراً عظيماً من جديد.