كمال زاخر١٤ يونيو ٢٠٢٤
يرجع البعض تفاقم الشعور بالأزمة الخانقة التى تلفنا الى تزايد التطلعات والتوجهات الاستهلاكية، فى دوائر المسكن وتعظيم ممتلكات الرفاهية، وانماط المأكل والسيارات ورفاهية السفر وقضاء الاجازات وغيرها.
فضلاً عن تفاقم الانفجار السكانى بمعدلات تتحدى اية معدلات تنمية.
فماذا عن الطبقات الدنيا وما قبل المتوسطة التى لم تغازلها بعد كل هذه الطموحات، ومازالت “تكمل عشاها نوم”.
كل ما سبق ذكره اسهم، بقدر، فى “الشعور” بالأزمة لكنه لم يصنعها ويعمقها – باستثناء الانفجار السكانى خاصة عند الفقراء وغياب فعل ورؤية ادارة الثروة البشرية.
تلك التطلعات موجودة فى كل المجتمعات لكنها – عندها – كانت دافعاً لمزيد من العمل والكد لتحقيقها
بدرجات متفاوتة، حتى عندنا كانت هكذا بشكل أو بأخر حتى بدايات السبعينيات من القرن المنصرم
عندما سمحنا لغول السوق وأحكامه ان يفترس الشارع فى حضور الفساد الذى اغتال الرقابة وادواتها
وضمائر المخولين بها، وحين تراجع دور الحماية الاجتماعية للدولة.
وحتى قبل السبعينيات كرّسنا للتضخم حين عرقلنا حركة المجتمع المتوازنة بالتحول الى الاقتصاد الموجه
المقيد وادرناه بأدوات الروتين الحكومى، بما لا يتفق والطبيعة المصرية، وأسميناه الحل الاشتراكى
وهو خال من الاشتراكية بحسب قواعد اقتصادياتها وحزمها ورقابتها الصارمة، فأين ما حدث مقارنة بما حدث – ويحدث – فى الصين (الشيوعية) وتطوراتها التى لم تتنكر لأيديولوچيتها، وهى ايضاً واحدة من اكبر البلاد انفجاراً سكانياً.
وبعد ٢٥ / ٣٠ استبشرنا خيراً، ووقفنا وراء دولة ٣٠ يونيو الوطنية، الطموحة، والتى اقتحمت
بؤر المعاناة الحقيقية، لعل ابرزها العشوائيات التى خنقت المدن وخاصة العاصمة، وكانت قنابل قيد الانفجار
تهدد امنها وسلامها، فاستردت انسانيتها وخرجت من الانزلاق فى دائرة الصراع الطبقى وتفاقماته.
واستطاعت الدولة ان تفكك أزمة الدعم بحلول نزعت منها فتيل استنزاف موارد الموازنة، وكان الدعم باباً ملكياً للفساد.
واعادت تنظيم منظومة القمح زراعة، عبر الافادة من ابحاث استنباط بذور عالية الإنتاج، وتخزينا عبر تحديث الصوامع، وتوزيعاً عبر منظومة الخبز التى نجحت إلا قليلاً فى تخفيض الفاقد والمسرب رغم مقاومة والاعيب الفساد.
ونجحت الدولة فى توسعة قناة السويس وشق مسار يجعلها مزدوجة الحركة لتتضاعف قدرتها الاستيعابية، كواحدة من اهم الممرات المائية التجارية فى العالم.
وانتبهت الدولة لأهمية الطرق فى اقتصاديات التصنيع باعتبارها شرايين حيوية لدعم الاقتصاد عبر خفض تكلفة ووقت نقل المواد الخام والمنتجات تامة الصنع، والعاملين، وحركة السوق المحلى، من المنتِج الى الموزع الى المستهلك وكذلك من المنتِج الى مراكز التصدير.
وان كانت منظومة الرسوم والجمارك والضرائب والفوائد البنكية بحاجة الى اعادة فحص بعيون اقتصادية
تتعامل معها باعتبارها ادوات فاعلة فى نمو وتعظيم الانتاج، وتوجيه الأموال بين الاستثمار والادخار
بحسب حاجة المرحلة، وحتى يمكن للمنتجين الوصول الى التكلفة القادرة على المنافسة فى دوائر التصدير
فى العالم الخارجى، وتوفير سلعة بأسعار تتفق ومستوى الدخول فى السوق المحلى وتقدر على الحلول
محل مثيلها المستورد.
ولعل اهم ما يحتاج الى مراجعة فى هذا الصدد: المواد الخام ومستلزمات الانتاج وآلات التصنيع
وقطع غيارها، التى يمكن ان تصل الى صفر جمارك، مع ضبط حركتها بعد خروجها من الدوائر الجمركية
بعدم السماح بتداولها خارج الجهة الصناعية التى استوردتها بغرض التصنيع والانتاج.
ووتوفير الطاقة (غاز وكهرباء ومازوت) للمصانع بشرائح خاصة تدعم خفض التكلفة للمنتج المُصنّع.
وهى أمور ستنعكس ايجابياً على مردود مدخلاتنا من العملات الاجنبية ، ازمتنا المزمنة، وعلى انتعاش السوق المحلى وتوفير احتياجات المواطن العادى.
يبقى على الجانب السياسى كاطار يحمى الوطن ويتيح الفرصة للافادة من رؤى وطاقات الشارع ان نعيد النظر فى منظومة العمل السياسى بغية الوصول الى مشاركة فاعلة لكل القوى الوطنية، وتطوير اليات العمل الحزبى المدنى واطلاقها الى براح الفعل العام المؤسسى الفاعل، لنضع اقدامنا على طريق الديمقراطية الفعلية بواقعية تقوم على الثقة بين اطراف المعادلة من القاعدة الى القمة، دون تخوين أو تشكيك أو تكفير.