ذهبت للعزاء في مريضتى “مارى” التي تعدت السبعين عاما وكان وقت وصولى قبل انتهاء المراسم الدينية في الصلاة على المريضة وكان ابناؤها يلقون كلمة لتأبين والدتهم، ارسلت من خلال بعض العاملين في المكان اطلب ان القى كلمة على الحاضرين، ووصل الطلب للقس القائم على المكان او راعى المكان فقام بإعلان المعزين ان طبيب مارى يطلب أن يقول كلمة
كنت اعرف هذه المريضة منذ حوالى سبعة أعوام وكانت مصابة بمرض السكر منذ سنوات طويلة قبلها وكان قد تم بتر احد ساقيها بسبب غرغرينة اصابتها، وكان ما يميز هذه المريضة انها دائما مبتسمة وكانت تمزح معى في كل زيارة قائلة متى ستصلح لى رجلى؟ ولقد اتت لى هذه المريضة ذات يوم ومعها أوراق كشف طبى للعمل كمتطوعة في احدى المستشفيات في محل بيع الهدايا وابديت تحفظى طالبا لها أن يكون المكان والوضع مناسب بالنسبة بسبب اعاقتها.
وعند كلمتى في الجنازة وبسبب أحساسى اننى في مكان عبادة او كنيسة، بدأت كلامى “باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد”، ثم قلت للحاضرين كيف كانت مريضتى مارى متوهجة ومبتسمة دائما بالرغم من اعاقتها! ورويت لهم كيف كانت تفكر في الآخرين بالرغم مما بها! وكيف كانت تريد ان تخدم بدلا من ان ُتخدم بسبب بتر رجلها! ولم استرسل كثيرا في الحديث وانهيته بطلب منها ان تقدم صلاة لنا جميعا امام عرش الله.
بعد نزولى من المنبر امتدحنى راعى الكنيسة وقال انه لأول مرة في خلال خدمته يأتى طبيب المتوفى لوداعه بل وامتدح ما قلته وطلب من الحاضرين تحيتى فصفقوا لى.
غادرت بعدها المكان على عجل لكى لا اتأخر اكثر من هذا على المرضى المنتظرين بالعيادة ولفت نظرى وانا اغادر المكان أن عنوان القاعة التي كانت بها هذه الصلاة تسمى “كينجدم هول” وهو لمن لا يعرف مكان شهود يهوه وهم الجماعة المنحرفة عن الايمان المسيحي.
راجعت بينى وبين نفسى ما قلته فى حديثي فوجدت ان بعضه يتعارض مع افكار وعقيدة هذه الجماعة بدءا من بدايتى ياسم الثالوث القدوس الإله الواحد، وانتهاء بكون المتوفية في السماء، وايضا طلبتى من روحها أن ترفع صلاة بالنيابة عن الحاضرين.
تذكرت بعدها كيف أن راعى المكان لم يعلق على اى كلمة قلتها تتعارض مع عقيدته التي يبشر بها، بل قال كلام استحسان لى بصفتى طبيب ترك عيادته لكى يودع مريضته
كان هؤلاء المجتمعون من المجتمع الغربى، فقلت لنفسى كيف كان سيكون الأمر لو كان هؤلاء شرقيين أيا كان ايمانهم او عقيدتهم؟
هل كان سيُسمح لى بالحديث بدون ان يعرفوا هويتى؟ هل كانوا سيطلبون منى ان يعرفوا ما أقوله قبل ان اتفوه به؟ هل كان راعى المكان او أحد الحاضرين سيقاطعنى، او سيقف راعى المكان بعدها لكى يصلح للحاضرين ما تفوهت به بما يعارض عقيدته؟
هل كان سيخشى من ان يمدحنى بهذه الطريقة حتى لا يظن البعض انه يمدح ما قلته من مخالفة لعقيدته؟
عقيدة شهود يهوة وأيضا المورمون وكذلك بعض من السبتيين يتفقون على انكار لاهوت السيد المسيح، وهذه العقائد في رأيي انها هشة ولا اذكر ان احد منهم استطاع ان يجادلنى ويكسبنى عندما يمرون على باب البيت وفى الشوارع وفى أماكن كثيرة أخرى اتقابل معهم، بل حدث انى تناقشت مع بعض الكبار المتعمقين منهم واظهرت لهم لاهوت السيد المسيح في كل ما تفوه به يسوع وكانوا يغلقون كتبهم بعد كل نقاش ويمضوا، ولكن أيضا لم يكن أحد منهم عنيفا أو متطاولا.
اتعجب كيف تصرف اصحاب هذه العقيدة الهشة بهذا التحضر والرقى والمعقولية، ولم يقاطعونى ولا حاولوا ان ينفوا ما قلته خوفا على اتباعهم؟
هل هو الفرق بين الشخصية الشرقية والغربية حتى ولو كانت الأفكار هشة؟
د. رأفت جندى
الوسومالأفكار هشة د. رأفت جندي طبيب
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …