استخلص المختصّون بالإستشراق عن الإسكندر الأكبر ، أن ذا القرنين هو نعت قديم للإسكندر الأكبر.
ولذلك السبب أضحى تعريف ذي القرنين مسألة جدليّة في الأزمنة الحديثة ، ويرى مؤرخو العرب القدامى أن الإسكندر الأكبر المقدوني هو ذاته ” ذو القرنين ” الذي تحدث عنه القرآن الكريم , وأطرى عليه وعلى أخلاقه, وما مَتَّعه الله عز وجل مِن سلطان ومِن تمكين في الأرض.
لقد عُرِف عن الإسكندر الأكبر شجاعته وشهامته ونبله وسمو أخلاقه والذكاء الحاد الذي كان يتميز به ، ولقد تحدث أصحاب النظر من الفلاسفة على الشخصيتين على أنهما واحد, فكل من ذي القرنين والإسكندر الأكبر
قام بفتوحات تاريخية أسطورية ، وغزا مشارق الأرض ومغاربها ، لقد أحب الإسكندر الأكبر منذ صباه ملحمة “الإلياذة ” للشاعر الكبير هوميروس ، ودرس الأخلاقيات والسياسة والجغرافيا والطب والكثير مِن العلوم الإنسانية ،ولقد كان شغفه الأكبر بالجانب العسكري،مكَّنه الله سبحانه وتعالى في الأرض ،فاستطاع بقوة الله أن يغير مجرى التاريخ لذلك دُعِي بالأكبر، ورَدَّاً على بعض المؤرخين الذين يقولون أن الإسكندر كان وثنياً ،فهذا الادعاء لا يمكن الأخذ به ، لأن الكتابات التاريخية يضعها بشر والبشر معرضون للخطأ أو لسيطرة الأهواء الذاتية
إن الإسكندر المقدوني ، عُرِف بأخلاقه العالية وبنبله وملكه وانتصاراته في الشرق والغرب على السواء
وذو القرنين حكم مناطق كثيرة من العالم وهو ما يتوافق مع حكم الإسكندرالأكبر ، كما أن تسمية الإسكندر “ذو القرنين ” تعود لسببين الأول هو أنه كان يرتدي خوذة بقرنين والسبب الثاني هو أنه سيطر على قرنيَّ الأرض غربها و شرقها ، وهذا ينطبق على ذي القرنين ، والفكرة العامة لدى علماء الإسلام عن تعريف ذي القرنين أنه هو الاسكندر الأكبر، مصدرها سيرة ابن هشام وقد احتضن الفلاسفة المسلمون الكبار أمثال الفارابي وابن سينا مفهوم كون ذي القرنين هو نفسه الإسكندر الأكبر .
ذُكِر ذو القرنين في القرآن الكريم كملك عادل, بنى سداً يدفع به أذى يأجوج ومأجوج عن أحد الأقوام، وعُرِف عند آخرين كشخصية أسطورية، وفي ذلك السياق يطيب لي أن ألقي الضوء على هذا الرجل العظيم ،هو الإسكندر الثالث المقدوني، عُرف بالإسكندر الأكبر، والإسكندر الكبير، والإسكندر ذو القرنين ، وهو أعظم ملوك مقدونيا الإغريق،
و أعظم القادة العسكريين والفاتحين عبر التاريخ.
وُلد الإسكندر بمدينة بيلا عاصمة مملكة مقدونيا ، في 20 يوليو سنة 356 ق.م، تتلمذ على يد الفيلسوف الكبير أرسطو حتى بلغ ربيعه السادس عشر، وبمجرد أن بلغ عامه الثلاثين، كان قد أسس أعظم الإمبراطوريات التي عرفها العالم القديم، والتي امتدت من سواحل البحر الأيوني غربًا وصولاً إلى سلسلة جبال الهيمالايا شرقًا.
يُعد الإسكندر الأكبر من أنجح القادة العسكريين في مسيرتهم، إذ لم يحدث أن هُزِم في أية معركة خاضها على الإطلاق .
ذكرت بعض الروايات في العهد القديم والتي نُسبت للنبي دانيال أثناء فترة أسر اليهود في بابل ، أن شخصية ذي القرنين شخصية رجل حكيم وأن الملاك جبريل عليه السلام ظهر له قائلاً :
أن ذي القرنين يمثل اتحاد المملكتين ميديا وفارس بعد سقوطهما أمام الإسكندر الأكبر المقدوني والمقصود بهذه الحادثة ، هو هجوم الإسكندر على داريوش ،وفي موقع آخر في سفر دانيال العبري توجد كلمة ( لوقرانائيم )
ومعناه باللغة العربية ذو القرنين، وهناك روايات أخرى يهودية تعطى لنا من الأوصاف بحيث أنها تتطابق على النبي موسى عليه السلام ، وفي مواقف أخرى على النبي داوود عليه السلام ، ويحكي القرآن الكريم قصة ذي القرنين
وأنه بدأ التجوال بجيشه في الأرض، داعياً إلى الله سبحانه وتعالى ،
توفي الإسكندر الأكبر في قصر نبوخذنصَّر ببابل، في الحادي عشر من يونيو سنة 323 ق.م، سار موكب جنازة الإسكندر من بابل إلى مقدونيا، يقول المؤرخ اليوناني ديودورس أن الإسكندر كان قد أعطى تعليمات مفصلة مكتوبة وصّى فيها ببعض الأمور قبل وفاته ،وهي :
بناء ضريح تذكاري لوالده وملكهم السابق فيليپ الثاني، فتح شبه الجزيرة العربية وكامل حوض البحر المتوسط، الملاحة حول أفريقيا وتخطيط سواحلها.
وبناء مدن جديدة، والتأليف بين قلوب الشعوب عبر التزاوج من بعضهم وإنشائهم لروابط عائلية.
يصف المؤرخ آريان ، الإسكندرالأكبر بقوله:«ذاك القائد القوي، الوسيم والمتين، ذو العينان البراقتان ، تقترح مجموعة أساطير «رومانسية الإسكندر» أن الإسكندر كان يُعاني من تغاير القزحية، وهي تلك الحالة التي يولد فيها المرء بلون مختلف لكل عين من عينيه، وفي حالة الإسكندر، كانت إحدى عينيه قاتمة والأخرى زرقاء كسماء النهار ،
ذُكر الإسكندر وإنجازاته العظيمة في نصوص عدّة حضارات، سواء القديمة أو الحديثة، فأوّل من ذكره في نصوصهم كان الإغريق أنفسهم خلال حياته، واستمر غيرهم من بعدهم يروي قصص هذا القائد العظيم جيلاً بعد الجيل
ولقد لعب كتاب «رومانسية الإسكندر» دورًا لا يُستهان به في التأثير على صورته في الحضارات المتأخرة، وبالأخص الفارسية والأوروبية الوسطى واليونانية المعاصرة ،وُصف بأنه شخص أسطوري سافر إلى أقاصي العالم بحثًا عن ينبوع الشباب.
ولقد قام بعض الكتّاب الفرس لاحقًا بربط الإسكندر والفلسفة، فرسموه وهو يجلس في نقاش مع فلاسفة كبار أمثال أرسطو وسقراط وأفلاطون، يتحدثون عن كيفية التوصل لمعرفة سر الخلود، تجسد النسخة السريانية من
«رومانسية الإسكندر» القائد المقدوني كملك صالح مواظب على الصلاة، يفتح الممالك المنيعة ابتغاء رضا الله عز وجل ويدعو الناس إلى عباده الله كونه الإله الحق الذي لا شريك له ولا إله غيره ، ورد في الكتاب المقدس ذِكرٌ صريح للإسكندر، كما ذُكِر في القرآن الكريم قصة قائد صالح، سُمي بذي القرنين أو صاحب القرنين أو
«لوقرانائيم»، قال بعض مفسري التوراة والقرآن أنه يُحتمل أن يكون هو الإسكندر الأكبر
ففي سفر دانيال: أَمَّا الْكَبْشُ الَّذِي رَأَيْتَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَهُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ. وَالتَّيْسُ الْعَافِي مَلِكُ الْيُونَانِ، وَالْقَرْنُ الْعَظِيمُ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ هُوَ الْمَلِكُ الأَوَّلُ. وَإِذِ انْكَسَرَ وَقَامَ أَرْبَعَةٌ عِوَضًا عَنْهُ، فَسَتَقُومُ أَرْبَعُ مَمَالِكَ مِنَ الأُمَّةِ، وَلكِنْ لَيْسَ فِي قُوَّتِهِ. وَفِي آخِرِ مَمْلَكَتِهِمْ عِنْدَ تَمَامِ الْمَعَاصِي يَقُومُ مَلِكٌ جَافِي الْوَجْهِ وَفَاهِمُ الْحِيَلِ. وَتَعْظُمُ قُوَّتُهُ، وَلكِنْ لَيْسَ بِقُوَّتِهِ. يُهْلِكُ عَجَبًا وَيَنْجَحُ وَيَفْعَلُ وَيُبِيدُ الْعُظَمَاءَ وَشَعْبَ الْقِدِّيسِينَ. وَبِحَذَاقَتِهِ يَنْجَحُ أَيْضًا الْمَكْرُ فِي يَدِهِ، وَيَتَعَظَّمُ بِقَلْبِهِ. وَفِي الاطْمِئْنَانِ يُهْلِكُ كَثِيرِينَ، وَيَقُومُ عَلَى رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، وَبِلاَ يَدٍ يَنْكَسِرُ.[دانيال 8]
أما في القرآن الشريف العظيم ، فمِمَّا جاء وقيل باحتمال إشارته إلى الإسكندرالأكبر ورد في سورة الكهف بدءاً مِن الآية 83 حتى الآية 98 ،
بسم الله الرحمن الرحيم “وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا 83 إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا 84 فَأَتْبَعَ سَبَبًا 85 حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا 86 قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا 87 وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا 88 ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا 89 حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا 90 كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا 91 ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا 92حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا 93 قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا94 قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا 95 آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا 96 فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا 97 قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا 98” صدق الله العلي القدير العظيم .
يقول علماء التفسير أن ذا القرنين كان ملكاً صالحًا طاف الدنيا وبنى سدًا ضخمًا في وجه قوم يأجوج ومأجوج الذين عاثوا فسادًا في الأرض ، وقال حكماؤهم أن هذا الرجل هو الإسكندر الأكبر ، والله وحده الأعلم بذلك
بقلم / الشاعرة الأرستقراطية والكاتبة الراقية النبيلة هند الرباط