إعداد /ماجد كامل
يعتبر عالم اللغة القبطية الكبير إقلاديوس بك لبيب ( 1868- 1918 ) واحدا من أهم أساتذة اللغة القبطية الذين عملوا بالتدريس بالكلية الإكليركية .
أما عن إقلاديوس لبيب نفسه ؛ فلقد ولد في قرية مير بأسيوط في يوم 6 يناير 1868 ؛ وفي طفولته في مير أهتم بتعلم اللغة القبطية وكان من بين العوامل التي ساعدته علي اتقان اللغة القبطية هو تردده علي دير السيدة العذراء الشهير بالمحرق ؛ والمعروف عن رهبان هذا الدير بالذات هو اتقانهم الشديد للغة القبطية
إذ يوجد تقليد قديم مسلم من الرهبان القدامي بمنع الصلوات بغير اللغة القبطية داخل الكنيسة الأثرية
التي دشنها السيد المسيح بنفسه ؛ ولهذا السبب أتقن جميع رهبان الدير اللغة القبطيىة عبر جميع العصور اتقانا شديدا ؛ ولقد حرص الصبي اقلاديوس علي الجلوس مع رهبان الدير بعد نهاية القداس
وفتح حوارات معهم باللغة القبطية ؛ ثم نزح إلي القاهرة في سن صغيرة نسبيا ؛وألتحق بمدرسة الأقباط الكبري ؛
وفيها دأب علي تعلم اللغتين الإنجليزية والفرنسية حتي أجادهما تماما . ثم التحق بمدرسة الاثار
كما اتصل بعلماء الآثار الفرنسيين وتعلم منهم اللغة الهيروغليفية ؛ونظرا لإجادته أربع لغات
وبالذات اللغة القبطية عين مفتشا للآثار القبطية ببولاق ؛ولقد تزوج من فتاة قبطية أسمها “وردة ”
اهتم بتعلميها اللغة القبطية ؛ وأشتري منزلا تحيط به حديقة كبيرة في عين شمس ؛ولقد أنجب أقلاديوس لبيب
ولدين وخمسة بنات ؛أهتم بتسميتهم جميعا بأسماء فرعونية وهم ( باهور وشنوتي ؛ أما البنات فهن توتو ؛نفرتاري ؛تسامون؛ موني ؛هانوف ) .
ولقد حرص علي التحدث مع جميع أفراد العائلة باللغة القبطية ومنع الحوار نهائيا باللغة العربية ؛ ومن هنا فلقد أتقن اللغة القبطية جميع أفراد العائلة ؛ ولقد عينه المتنيح البابا كيرلس الخامس مدرسا للغة القبطية والتاريخ والاثار بالمدرسة الإكليركية ؛ ولقد حرص علي منع التحدث باللغة العربية نهائيا أثناء حصة اللغة القبطية في
المدرسة الإكليركية ؛ فكان يخرج طلبة أقوياء جدا في اللغة القبطية حتي قيل عن أحدهم وهو القمص أيوب بنقادة إنه خطب في أحد الأحتفالات باللغة القبطية أمام إقلاديوس بك لبيب ؛ فكان الانتقاد الوحيد الذي وجهه المرحوم إقلاديوس لبيب إليه هو أنه نطق كلمة واحدة باللغة اليونانية وكان يجب أن يقولها باللغة القبطية .
ولقد ألف أقلاديوس حوالي 25 كتابا في اللغة القبطية ؛ نذكر منها “مجموع الألفاظ القبطية ” و” الدروس النحوية في معرفة اللغة القبطية ” و الكتب الابتدائية في تعلم اللغة القبطية ” الأبصلمودية السنوية “والكلمات القبطية في اللغة العربية و المزامير باللغة القبطية و وكتاب قواعد اللغة القبطية ولقد تمت إعادة طبعه للمرة الثالثة عام 1958
علي يد نجله الدكتور باهور لبيب مدير المتحف القبطي الأسبق بناء علي طلب من القمص أنجيليوس المحرقي
( المتنيح الأنبا مكسسيموس مطران القليوبية فيما بعد ) .
( ولقد قام نيافة الحبر الجليل الأنبا ديمتريوس أسقف ملوي بإصدار طبعة خاصة لكتاب قواعد اللغة القبطية للمرة الرابعة للعلامة اقلوديوس يوحنا لبيب بك ؛ بعد أن قام بتقيحها وإعادة طباعتها طبعة خاصة صدرت عن مطرانية ملوي عام 2018 ؛ وكانت هذه هي الطبعة الرابعة للهذا المرجع الهام ) .
كما أهتم بعمل قاموس قبطي – عربي قام بطبع خمسة أجزاء منه ؛وقد وافته المنية قبل أن ينهي هذا المشروع الجبار .
ولقد أستعان بعدد كبير من المراجع من أجل إنجاز هذا القاموس الضخم منها مؤلفات العلامة ” لودقيج شترن النمساوي ” و”بيرون” “وتاتم ” و”شامبلبون” “و”توماس بينج” كما رجع الي العديد من المصادر القديمة مثل كتابات ابن العسال وابن الزهيري وابن كاتب قيصر والسمنودي
وكما أهتم بجمع الكلمات والعبارات العامية والتي لها أصل فرعوني أو قبطي ؛فكان يطوف البلاد مستمعا للأغاني الشعبية والمواويل وعازفي الكمان ومرددي الأغاني الشعبية مجزلا لهم العطاء ليرددوا علي مسامعه أغانيهم الشعبية الجميلة .
( ولقد أنعم عليه الخديوي عباس حلمي الثاني بلقب البكوية وكان ذلك عام 1903 ؛وقصة هذه البكوية أنه عندما سافر البابا كيرلس الخامس إلي أسوان لحضور احتفالات إنشاء خزان أسوان (ورد تقرير مفصل عن هذه الزيارة في مجلة عين شمس جاء ذكره في السنة الثالثة )
وكان برفقته اقلاديوس لبيب بإعتباره مدرس اللغة القبطية بالكلية الاكليركية ؛ وحدث أن البابا والخديوي
كانا أمام حجر أثري عليه كتابات فرعونية فقام اقلاديوس لبيب بشرحها وترجمتها للبابا والخديوي ؛ وعند الرجوع إلي القاهرة طلب الخديوي عباس حلمي الثاني من البابا كيرلس الخامس ترشيح اقلاديوس لبيب لرتبة البكوية
حيث أنه كان جديرا بها ؛ وبالفعل تمت الموافقة وأنعم عليه باللقب .
ومن أنجازات اقلاديوس بك لبيب أنه أصدر أول – ربما آخر- مجلة تصدر حروفها باللغة القبطية هي مجلة عن شمس ؛إذ كانت تصدر في نهرين النهر الاول باللغة القبطية والنهر الثاني باللغة العربية ؛ولقد صدرت عام 1900 وتوقفت عن الصدور عام 1903 ؛ ولقد صدر منها حوالي أربع مجلدات .
ولقد توفي اقلاديوس لبيب فجأة في يوم الخميس الموافق 9 مايو 1918 عن عمر يناهز حوالي الخمسين عاما ؛ولقد نعاه علماء الآثار المصرية والقبطية في العالم كله ؛ نذكر منهم أحمد باشا كمال عالم اللغة الهيروغليفية الشهير حيث ألقي كلمة رثاء أثناء صلاة الجناز التي أقيمت علي روحه الطاهرة في الكنيسة المرقسية الكبري بكلوت بك .
كما نذكر منهم أيضا العلامة الشهير “كرام” حيث قال عنه في مجلة الآثار المصرية Egyptian Archeology 1918 “أن وفاة هذا العالم الجليل تعتبر خسارة كبيرة لمصر ولكل المهتمين بتاريخ مصر القديم في العالم أجمع “.