د.ماجد عزت إسرائيل
كلمة التاريخ أو التأريخ في اللغة العربية هو الإعلام بالوقت يقال أرخت الكتاب أو المقال أي بينت وقت كتابته،
فالتاريخ تعريف للوقت، وأيضًا تسجيل للأخبار والوقائع، فيعرف التاريخ بأنه إخبار عما حدث في العالم الماضي.
والتاريخ دائما ما يستكشف ويسعى إلى تفسير ووصف اختيارَ أحداث ماضية اجتماعية وثقافية معينة لتذكرها المجتمعات البشرية.
وهنا نعد إلى الماضي لنقلب فيه صفحة من صفحات تاريخ مدينة بيت لحم اليهودية حيث مكان مولد المسيح“أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ.”(لو 2: 11).
فيؤرخ الكتاب المقدس لولادة يسوع المسيح في متى 1: 18-25؛ 2: 1-12؛ لوقا 1: 26-38؛ 2: 1-20.
وأيضًا في وقت حمل السيدة العذراء مريم، وكذلك صدر مرسوم قيصر أوغسطس دونه القديس لوقا ونصه:”وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ.”أي يجب تسجيل كل العالم(الناس)”(لوقا2:1).
هذا يعني أن كل شخص في الإقليم الروماني كان مطالبًا بالعودة إلى مدينة أسلافه ليتم احتسابه في التعداد.
وهكذا عاش القديس يوسف النجار في مدينة الناصرة في ذلك الوقت ولكن كان عليه السفر جنوبًا إلى منطقة اليهودية.
فسجل لنا معلمنا لوقا هذه الحادثة قائلاً:”فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ، لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى”.(لوقا 2: 4). وبطبيعة الحال، أخذ يوسف خطيبته مريم معه لكي يتم عدّها كأحد أفراد عائلته.
وفي ذات المدينة وَلَدَ يسوع واستُعلن الله بما لا يحتمله التاريخ ميلاده.
وهو التجسُّد، والتجسُّد معناه « “وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ….” (1 تي 3: 16).
وظهور الله لا يسعه التاريخ ولا يحتويه. الإنجيل هنا، إذن، لا يقص تاريخ ميلاد الرب يسوع؛ بل يُسجِّل حادثة سماوية وقعت في صميم التاريخ فأنهت عليه بل أكملته، لأنه معروف بيقين في كافة النبوَّات أنَّ ميلاد الرب هو إعلان ملء الزمان!
فقصة ميلاد يسوع حافلة بحقائقها وفحواها، رسالتها وتكوينها وسيرتها المعجزية الفريدة التي لم تحدث غيرها في عالمنا على الاِطِّلَاق أو إذا جاز لنا التعبير عبر التاريخ، ولنا إدراك وتصديق بإن بميلاد المسيح تمت النبوة التي تنبأ بها ميخا، حيث أعلن أن المسيح سيولد في بيت لحم: “«أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ».” (مي 5: 2).
فبعودة الهجرة الوافدة إلى بَيْتَ لَحْمِ لإجراء الإحصاء، اكْتَظَّت المدينه بالسكان.
لدرجة انه لم يعد هناك موطئ لقدم، وقد ظل يوسف الصديق يبحث على مكان بها ولم يجد.
ولذلك ذهب بالسيدة العذراء لتلد يسوع بحظيرة للحيوانات كما ذكر معلمنا لوقا قائلاً: “فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ.” (لو 2: 7).
على أية حال، يوم مَولِدِ مخلِّص هو المسيح الرب يعد عيداً،وأيضًا ميلاداً جديداُ للإنسان حيث أصبح لنا ميراث أبوي في السموات،ومجد لاينطق به.
وكذلك مَولِدِ المسيح عطاء مجاني للإنسان الذي شبع شقاء عبر الدهور. كما أن مولده هو إعادة تصحيح المسار بالرجوع إلى الله”ارجعوا إلى،أرجع إليكم” (ملاخى 3:7).
فإذا أردنا أن نبحث عن الله فلنطلبه بكل قلب صافى ليس من أجل منفعة أو ضيقه نمر بها؛”فإنه مكتوب “أطلـبوا الرب مادام يوجد أدعـــوه وهو قــريب، ليترك الشرير طريقـه” (6:55) فلا يمكن أن يرفض الله أى إنسان يطلبه ويلجأ إليه، كما أن مَولِدِ مخلِّص هو المسيح الرب رسالة فرح وتفـــــاءل لكل البشرية،حتى الملائكة فرحوا قائلــين:”المجد لله فى الأعلى وعلى الأرض الســـلام، وفى الناس المسرة”.
إذاً، فاليوم عيد مَولِدِ مخلِّص هو المسيح الرب، أي أن مَولِدِه من أجل كل البشرية وليس إحتكار على المسيحيين دون سواهم، لأنه وُلِدَ للبشرية مُعين، وأُعطِيَ للإنسان ابن تكمَّلت فيه كل إعوازها.
كما أن بيت لحم زادت مكانتها وقيمتها وعظمتها بيت المدن حيث ورد ذكرها بالكتاب المقدس قائلاً: “وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ».” (مت 2: 6).
كما أن المجوس فرحوا بمَولِدِه وزاروه في بيت لحم اليهودية وقدموا هداياهم.
كما دون القديس متى قائلاً: “فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا. “وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ.فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ.ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا.”(مت10:2- 11).
ما أحكم المجوس وما أعمق سر الهدايا. إن أسرارها لكثيرة!
وبمناسبة عيد ميلاد الرب يسوع الذي أصبح البداية الحقيقية للعام الجديد وللحياة البشرية كلها.
كما ذكر القديس لوقا قائلاً:” فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ:أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ “. (لو 2: 10).
نطلب من الله سلاما لمصرنا الحبيبة، وللعالم أجمع، في ذكرى مَولِدِ مخلِّص هو المسيح الرب.