ماجد سوس
من أكثر الأقوال ثراءً في آداب التحاور ما قاله الأديب الأستاذ الدكتور محمود لطفي السيد، أول رئيس لجامعة القاهرة ووزير المعارف المصري الأسبق، من أن “الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية” وهو قول أصبح نادر اختباره في هذا الزمان البغيض الذي بات فيه الخلاف في الرأي ينشئ شرخاً في العلاقات يصعب ترميمه وصار اختلاف الفكر طارداً لا لفكر الآخر فحسب، بل للآخر نفسه، ناقضاً لما تعلمناه من آبائنا ومرشدينا ومعلمينا في الماضي عن ثقافة الحوار وآدابه.
بل وأصبح من المألوف الآن أن ترى ما خوّلهم الله لدرأ الفتن وستر العباد وقدوتهم، هم أول من يُشهِّر بالآخر تاركين بين الناس عثرة وقدوة سيئة، مستخدمين سلاحا باطلا، اثبت فشله وحجة هشة أثبتت واهيتها، بأنهم يدافعون عن الحق، متناسين أن الحق القائم على كسر المحبة وعدم ستر الآخر ليس حقا نبغيه، بل حنقاً نقع فيه.
هناك من يتمسك برأيه رافضاً من يخالفه فيه، مهاجماً معتقدات الآخرين طالما أنها لا تتوافق مع معتقداته أو مع معتقدات شخص يحبه.
فتجده فيقطع علاقاته بأصدقائه وبأقرب الناس له ويغلق صفحاته على السوشيال ميديا في وجه من خالفه الرأي.
ومنذ أيام قرأت عن خلاف نشأ بين زوجين بعد حوار سياسي اختلفا فيه في الرأي بين زوجين أدى إلى انفعال الزوج على زوجته وإهانتها ثم تطليقها غير مبال بوجود أطفال بينهما.
أنا شخصيا، ألغى صديقٌ عزيزٌ صداقتي معه على الفيسبوك لمجرد أنه اختلف معي في الرأي، رغم حرصي الدائم وأنا أطرح آرائي أن تكون كلماتي مختارة بدقة كي لا تشكل خطية أو جريمة أو جرحا لمشاعر الآخر.
أيضاً، هنا الآخر الذي يختلف معك ويحتد عليك ويصر أن يبقى على صفحتك لإغاظتك مستمرا في هجومه الحاد بلا موضوعية مستخدماً عبارات جارحة مسيئة وهو أمر ينم على غياب المسيح من القلب ويذكرني هذا بالمتطرفين الذين يحرقون بيوت من يتهمهم بالعنف.
أما عدم احترام الأكبر سناً ومقاماً، فبكل أسف حدًّث ولا حرج، وأصبحت ظاهرة تصيد الأخطاء وصدور الأحكام المسبقة دون تريث او حوار، ظاهرة متفشية بكثرة في المجتمع تؤدي إلى التشهير بالآخرين خاصة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، بخلاف نتائجه السلبية وآثاره النفسية على المشهر به.
وجميع ما سبق يشكل عدة جرائم متداخلة يعاقب عليها القانون، كجرائم الكراهية وجرائم السب والقذف، بجانب كونها من جرائم النشر التي يستطيع معها الشاكي أن يحصل على أحكام قاسية ضد من اقترفها.
بجانب أنها جرائم أخلاقية وخطايا روحية تحزن قلب الله.
وهناك من أعطاه الرب، أو سمح له، بأن يتبوأ مكانة وقيادة روحية لآخرين فدأب على التشهير بإخوته وأبنائه بحجة الدفاع عن الإيمان متناسيا سمات القائد الروحي الخمس، الحب، الاتضاع، الحكمة، الغفران، والستر، وبدلا من أن يحتوي المخطئ ويحاوره بالحب الأبوي ويستر عليه كما فعل الرب مع المرأة السامرية وكما فعل القديس مكاريوس الكبير حين ستر على الراهب الزاني، راح يفضحه ويشهر به في كل مكان مسببا آلاما نفسية عميقة لذويه وشعبه.
عزيزي ، ما أخطر أن ينشغل الراعي والخادم والأب عن أولاده الذين اختارهم الرب ووضعهم أمامه ليخلص بهم ومعهم.
أما الظاهرة الأخرى التي استفحلت بشدة مؤخراً في المجتمع فهي المتاجرة بكل شيء من أجل الحصول على المال الذي تضخه وسائل التواصل الاجتماعي كلما ازداد عدد المشاهدين.
والأمر لم يعد قاصرا على الإتجار بالدين والسياسة والجنس فحسب، بل امتد لحياة الناس الخاصة واسرارهم وأصبح التشهير بالآخرين والمتاجرة بأدق تفاصيل حياتهم أمراً يحدث يوميا،
الأمر الذي أسعد قلب إبليس الذي راح يحصد انهيارات أسرية وخراب للبيوت ازدادت معه حالات الطلاق والخيانات الزوجية وانتشرت النجاسة في كل مكان ومات الحياء بين الكثيرين.
أيام صعبه تحتاج العودة لقلب المسيح والتمثل بصفاته والسير على نهجه، رعاة ورعية وهذا يتطلب ركب منحنية ونفوس متضعة وصلوات صارخة صادرة من عمق القلب ليرفع الله عن شعبه كل ما يقوده إلى الهلاك ونعود إلى محبتنا الأولى واحترامنا لأنفسنا ولبعضنا البعض.