” الأستاذ ” اول من حصل علي الجائزة التقديرية الكبري لنقابة الصحفيين يعد الكاتب الصحفي الكبير الراحل عملاق الصحافة المصرية والعربية الاستاذ محمد حسنين هيكل اول من حصل علي الجائزة التقديرية الكبري لنقابة الصحفيين (الهرم الذهبي) عام 2000
وتسلم الجائزة من الكاتب الصحفي الكبير الراحل الأستاذ إبراهيم نافع نقيب الصحفيين انذاك في حضور كوكبة من كبار الصحفيين ورموز المهنة علي رأسهم الكاتب الصحفي الكبير الراحل نقيب النقباء كامل زهيرى رئيس لجنة الجائزة التقديرية الكبري في – ذلك الوقت-وقال هيكل في الاحتفال الذي حضره المئات من شباب الصحفيين :
((انه يعف عن قبول الجوائز والتكريم ولكنه لا يستطيع أن يرد جائزة تأتي إليه من نقابته)).. كلمة هيكل السيد النقيب والصديق العزيز الأستاذ ابراهيم نافع: الصديق الكريم الأستاذ كامل زهيرى رئيس لجنة الجائزة التقديرية لنقابة الصحفيين:
حضرات الزميلات والزملاء، الصديقات والأصدقاء: حين تفضل السيد النقيب واتصل بى يدعونى إلى حضور هذا الاحتفال لم يكن على بالى أننى مشارك فيه، وكنت أحسب أنه يمكن أن يشار إلي بعض الناس في بعض المناسبات دون داع لحضورهم لكنني – وقد دعيت – وجدت نفسي أمام ضرورة اختيار لابد منه وسط اعتبارات متنازعة لها جوانب متعارضة – أو هكذا تبدو:
الاعتبار الأول : أن لدي حساسية إزاء احتفالات التكريم –فإذا كانت الاحتفالات رسمية زادت الحساسية عندي لكثرة ما تتزيد المراسم وموقفي في هذا الأمر يصدر عن اعتقاد بأن تكريم أي صحفي هو من سلطة قرائه، وقرائه وحدهم في صلة لا تحتاج إلي مناسبات لانها حياة كل يوم .لكنه علي الجانب المقابل
وهذه المناسبة فإن صاحب الفضل هو نقابة الصحفيين وفضلها ليس بالرتب كبيرة او صغيرة وليس بالماس المرصع او الذهب المشغول وإنما هو الفضل المعنوي يحتاجه أولئك الذين ينتظرهم الغد وفي نفس الوقت قد لا يستغني عنه اولئك الذين وضعوا مستقبلهم وراءهم.
والاعتبار الثاني : أنني في السنة السابقة قبلت جائزة عزيزة ضمن احتفال قومى جرى فى بيروت. وكان قبولى لها بداعي عاطفة سياسية فاذا عدت الآن إلى قبول شيء مماثل فقد أجد أن الاستثناء اصبح قاعدة وأن القاعدة أصحبت هي الاستثناء.
وعلي الجانب الآخر فقد خطر لي أن داعي عاطفة المهنة هذه المرة لايقل عن داعي عاطفة السياسة في المرة السابقة، خصوصا وأن الفضل في الحالتين كلمة كريمة من محفل كريم – لا نياشين عنده ولا أوسمة ولا دولة وراءه ولا سلطة.
والاعتبار الثالث : انني تصورت أنه يجمل بي وهذا الاجتماع مخصص بالدرجة الأولي للحفاوة بشباب المهنة – أن أترك الساحة لهم.ولم تكن خشيتي أن أزاحمهم وإنما كانت الخشية إزاحتي من الساحة لأن هذا اليوم يومهم.
وعلي الجانب الآخر فقد تصورت أن أكثر ما يسعد جيل الآباء أن يري جيل الأبناء ملء الساحة كلها ويقنع بالنظر من بعيد راضياً وداعياً.
والاعتبار الأخير : اعتقاد حقيقي عندي بأن هناك من هو أولي بالفضل، والعدل يقضي بأن تكون الأسبقية والأولوية له في هذا التقليد – الذي تضعونه اليوم لأول مرة فهناك من قبل جيلنا رجال ونساء أضافوا إلي زمنهم وأعطوا لمهنتهم، ثم مضوا لم يلحقهم من الفضل إلا حسن الذكر.
ثم أن هناك بيننا الآن من هم أجدر بما ساهموا وشاركوا، وقد انتظر بعضهم حتى الآن دون أن يأخذ قدره الكافى من العرفان العام وأضوائه.
وعلي الجانب الآخر فقد خالجني إحساس بأنه قد يكون في وسعي وقد وصل فضلكم إلي أن أنوب عن الغائبين وأن أمثل الحاضرين .
ومهما كانت اعتباراتي المتنازعة فقد آثرت هذه المرة – كما فعلت في مرة سابقة – أن أطيع نداء قلبي وقد أتي بي نداؤه إلي هنا والقلب صادق.
فقد أتي بي في ذكري هذا اليوم المشهود في تاريخ المهنة ضمن محاولاتها المستمرة لحفظ هويتها عن طريق تأكيد حريتها .
وأتي بي إلي هنا لألتقي أصدقاء سعدت بالعمل معهم وزملاء سعدت بمعرفتهم وأتي بي إلي هنا لأسمع ما سمعت من نقيبنا الممتاز عن آماله وشواغله ومن رئيس لجنة الجائزة التقديرية لنقابة الصحفيين، مدركا قيمة كلام يقوله مفكر من وزنه وعياره، شاعرا بعرفان له ولكل زملائه في اللجنة التي قدرت وقررت.
ثم أتي بي إلي هنا لأتقابل مع أجيال جديدة من شباب هذه المهنة العظيمة، لهم الآن حق وواجب ومسئولية أن يتقدموا ويقودوا. سيادة النقيب انك تعرف من تجارب طويلة أنني أقدر عالياً دورك المهني – لكنك فاجأتني وغيري كثيرون بأدائك النقابي.
وأحسب أن هذا الآداء خدم المهنة باقتدار وحكمة في ظروف أعرف مدي صعوبتها، ومن الانصاف أن أعترف بأن ظروف هذه المهنة كانت صعبة باستمرار ومع اختلاف وتعاقب العصور.
علي أنه من حسن حظنا جميعا أنك وجدت من حولك مجلسا لنقابة الصحفيين يضم صفوة من رجال هذه المهنة وشبابها، وكلهم يستشعر مسئولياته سواء في ذلك مسئولية الأداء الصحفي، أم مسئولية حماية الصحفيين،أم مسئولية التعاون الضروري بين النقابة والمؤسسات الصحفية، أم مسئولية ادارة العلاقات بين النقابة وسلطات الدولة عن معرفة بالأصول تقدس روح الحرية وتحترم روح القانون.
ومرة ثانية … فإني أول من يدرك حجم الكفاءة المطلوبة لادارة هذه المسئوليات، فالمهنة في مواجهة عصور مستجدة ودون مثيل سبق يسهل القياس عليه، والعاملون فيها أمام متغيرات كمية وكيفية لم يعرف لها دليل يهدي، وجمهور القراء الآن اتسعت وسائله الي درجة تقارب الخيال، وقد أصبح السباق للوصول إلي هذا الجمهور عنيفا تتقطع دونه الانفاس .
وفي ذات الوقت فأنا واثق أن مسئوليات نقابتكم – نقابتنا – عابرة للحدود، متجاوزة للوطن – واصلة إلي الأمة، مؤيدة ومشجعة لمؤسسات مثيلة لها، نقابات أو إتحادات صحفيين، وهذا دور لابد من مواصلته والتأكيد عليه وسط ملابسات محيطة بالمهنة وعلاقتها بالسلطة في كل بلد عربي.
فهناك عصور مستجدة يتحتم أن تكون الصحافة بشيرا بها، وهناك قيم رفيعة لابد أن تكون الصحافة نصيرا لها، وهناك أهداف عليا للأمة في مجالات الحرية والمعرفة والكفاءة لابد للصحافة أن تكون بين الطلائع في صفوفها .
وتلك كلها مهام مقدسة، وهي فى نفس الوقت خطرة، لأن قوي التخلف عنيدة، ولأن رواسب العصور راسخة، ولأن تعقيدات التطور وعقده مستحكمة.
فنحن الآن -مع الألفية الثالثة للتقويم الميلادي- وسط عالم تلاحمت أجزاؤه قبل أن تنحل مشاكله.
وهكذا فإن تناقضاته السياسية والاقتصادية والمعرفية تهدر حول الجميع في قوي اعصار.
وهو كذلك عالم اتسعت سماؤه بغير حدود دون نظام للمراقبة والتوجيه يحدد المسارات، ويوجه الحركة، ويحول قدر ما هو ممكن دون صدامات محققة بين كل كتل بشرية وحضارية تدور حولها شظايا عنصرية وعرقية دينية وطائفية، والكل متدافع في قلق.
ثم أننا أخيراً وسط عالم إنكشف فضاؤه مع إحتمالات أكثرها مجهول وأقلها معلوم وكله خطر، ثم أن العالم العربي الواقع جغرافيا وتاريخيا بين منطقة التقدم الأوروبي ومنطقة النمو الأسيوي أكثر من غيره تعرضا للانكشاف .
وفي نفس الوقت فان عالمنا الخاص )هذا العالم العربي( في البؤرة تماما من هذه الأوقات الخطرة، وهو يواجه قوي من الخارج ومن الداخل لها مطالبها .
قوى الخارج تريد أن تستولى على الأوطان والأفكار والأسواق والأذواق.
وقوى الداخل تتوزع مطالبها: بينها من يسعى إلى أخذ الدنيا بالدين أو أخذ الدين بالدنيا.
وبينها من يتقصد إلى سرقة الحاضر فى لحظة الشك بين ظلال الماضى وسراب المستقبل، وبينها من يريد أن يخلط السياسة مع المسرح بحيث تصبح حياة الأمة مجرد رواية. وتتحول شعوبها إلى مجرد متفرج على ما يجرى أمامه.
وذلك كله يخلق أوضاعا مرهقة فى تكاليفها النفسية والعملية الانسانية أيضا.
لكنك-يا سيادة النقيب- تعلم، وكل الزميلات والزملاء والصديقات والأصدقاء- يعلمون جميعا أن مواجهة ذلك كله وغيره هو مسئولية محركات التحرر واليقظة والهمة وأولهم هؤلاء الذين يقتضى عملهم-وواجبهم- أن يحملوا مشاعل النور