في منتصف القرن التاسع عشر أطلق الساسة الاوربيين مصطلح : (رجل أوروبا المريض) علي الدولة العثمانية ويرجع تسمية هذا اللقب بسبب الهزائم العسكرية التي تكبدتها الدولة العثمانية من الدول الأوربية والتى أفقدتها الكثير من أراضيها ، فذهبت مهابتها ومكانتها بين الدول وأخذت الدول الأوربية تخطط فيما بينها لإقتسام أملاك وأراضي الدولة العثمانية الممتدة إلى ثلاث قارات .
إنهيار الدولة العثمانية يرجع لسبب واحد فقط وهو : “عدم التطور” وعدم تحديث منظومتها العسكرية ،، ففي الوقت الذي كانت تستخدم فيه الدول الغربية معدات عسكرية ثقيلة كالمدافع الحربية والبنادق كان الانكشاريون الأتراك يستخدمون السيوف في معاركهم الحربية ، ولهذا سقطت دولة العثمانيين لأنها لم تتطور منذ نشأتها .
وكما كان الحال مع الدولة العثمانية بالماضي نري تطابق نفس المصطلح مع الكنيسة المصرية الارثوذكسية بوقتنا الحاضر فتعتبر بلا شك : ( رجل المسيحية المريض ) والذي يرفض قادتها اليوم الانصياع للتطور والحداثة والاصلاح الإداري ، لتتجرع الكنيسة بسببهم ويلات الفشل ، ويتم إذلال أبنائها عبر أسلمة بناتهم ، والاستهزاء بمعتقداتهم وإيمانهم في صفحات السوشيال ميديا من قبل الاسلاميين واللادينيين .
وكما ذكرنا السبب يرجع الي رعونة قيادة هذة الكنيسة المنقسمة حاليا ، والتي تُدار في بعض الاحيان وفقا للاهواء الشخصية ، فبات كل أسقف من أساقفة تلك الكنيسة (ملك) علي مقاطعته الخاصة ( إيبارشيته ) يفعل فيها ما يحلو له فعله ، دون وجود رقيب أو محاسبة قانونية عليه .
لقد أضاع رجال الدين الاقباط مكانة كنيستهم ومهابة عقيدتهم مثلما أضاع سلاطين الدولة العثمانية هيبة دولتهم ونظام حكمهم ، بل وعجز نظامهم الكهنوتي في صد كل التحديات والمناقشات الفكرية الدائرة ، فبدلا من مواجهة الفكر بالفكر والحجة بالحجة لجأ رجال الكنيسة الاستعانة بالمعجزات والغيبيات لتثبيت إيمان رعاياهم ، حتي أصبحنا أضحوكة بنظر الاسلاميين واللادينيين .•
كيف دمر قادة الكنيسة أبنائهم بالعصر الحديث ؟لقد حاول قادة الكنيسة القبطية ( رجل المسيحية المريض ) إحكام سيطرتهم علي أقباط مصر بشتي الطرق نذكر منها :
١- إضعاف التعليم اللاهوتي ومحاربة المثقفين .
٢- إقصاء العلمانيين من المشهد الكنسي والعام .
٣- منع صدور قانون مدني للأحوال الشخصية خاص للاقباط الارثوذكس .
٤- اتجاة رجال الاكليروس للعمل بالمشروعات والخدمات المالية علي حساب الخدمة الكرازية .
5- تعاظم دور رجال الاكليروس وتدخلهم في الشأن السياسي العام .
6- الاستحواذ والسيطرة علي أوقاف الاقباط والتحكم بمقدراتهم .
تلك الإشكاليات وغيرها فاقمت الأوضاع داخل الكنيسة المصرية حتي وصلنا للوضع المزري الذين نحن عليه الآن وترتب علي ذلك آثار جانبية خطيرة :
1- توقف خدمة الافتقاد .
2 – ضعف الخدمة الروحية .
3- التمسك بالعبادات الطقسية الحرفية .
4- إهمال خدمة الكلمة والكرازة. 5- ضعف كبير في منظومة الرهبنة القبطية .
6- تزايد معدلات الاسلمة والالحاد والتغيير المذهبي لصالح الطوائف المسيحية الاخري .
١- إضعاف التعليم اللاهوتي ومحاربة المثقفين داخل الكنيسة : لقد قامت القيادة الكنسية السابقة وعن عمد بغلق كافة منابع التعليم اللاهوتي في كلياتها ومعاهدها الدينية ومحاربة علمائها ومفكريها وحجب دور العلمانيين فيها وكل ذلك تحت ستار : ” الحفاظ علي الايمان المستقيم ، ” ، تلك العوامل أدت الي تجهيل الشعب القبطي وتقزيم دوره وعدم إدارك أبنائه وبناته ماهية المسيحية والذي اختذلها رجال الدين في الطقوس والالحان الكنسية لتتمخض لنا كنيسة طقسية ناموسية ذات صبغة فريسية ، وخلق أجيال مغيبة لا تدرك شيئ عن المسيح وكنيسته ، لتتزايد معدلات الاسلمة وينتشر الالحاد بين صفوف أبناء الكنيسة .
أما عن دور رجال الدين فينطبق عليهم القول : تركوا كلمة الرب وأصبحوا يخدمون موائد شاهد آية (أع 6: 2) .حظر التعليم الكنسي أدي الي حظر الكتب المرجعية والمنشورات الداعية الي التطوير والتجديد اللاهوتي
ولم يكتفي القادة المتسلطين عند هذا الحد فقد تم محاربة المدارس الارثوذكسية الروحية والاكاديمية مثل الاب العلامة متي المسكين ومدرسة الاسكندرية اللاهوتية وغيرهم ، لم يكتفي القادة بذلك وحسب، لقد تم التنكيل بكل اللاهوتيين والمثقفين إبتداءاً من الانبا غريغوريوس ومرورا بالاب الناقد القس ابراهيم عبد السيد، ووصولا بجورج حبيب بباوي والذي لم يحاكم محاكمة شرعية والكثير والكثير
وعندما ظهر طيف من النور برسامة أسقف مستنير ( الأنبا إبيفانيوس ) كان سيقود عملية الإصلاح والتجديد داخل الكنيسة الارثوذكسية قام النظام الكهنوتي بإغتياله وتصفيته ، والاصعب من ذلك قام بعض الاساقفة داخل الكنيسة بتكريم قاتل الاسقف الشهيد .
٢- إقصاء العلمانيين من المشهد الكنسي والعام : لقد بات لدينا طبقة كهنوتية جديدة داخل مصر لا تتعدي 1% من تعداد الاقباط تسيطر علي 99% من تعداد المسيحيون المصريون .
وتستحوذ تلك الاقلية علي مقدرات وممتلكات شعبها ، وقد تم تهميش دور الغالبية العظمي من أبناء الشعب القبطي من العلمانيين في إدارة شئون اوقاف كنيستهم وباتت طبقة الكهنوت الثرية المتحكم الفعلي فيما يخص حياة ومصير شعبها ،وكانت الحرمانات الكنسية ومنع الصلاة علي المتوفي اهم الاسلحة الترهيبية لأي مؤمن يعترض علي الوضع المزري داخل الكنيسة ، ولأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة فقد قام رجال الاكليروس وحاشيتهم إهدار ملايين الدولارات سنويا لصالح الكهنة والرهبان وعائلاتهم في هيئة فسح وحفلات وزيارات علاجية وسياحية وصرف المليارات علي مشروعات شخصية يديرها عائلات رجال الدين ، والذين يعيشون حياة البذخ والرفاهية عبر حساب فقراء شعبهم المسكين .
بقلم / مايكل عزيز
للحديث بقية