الخميس , ديسمبر 19 2024
الكنيسة القبطية
ماجد سوس

رسالة إلى أمي

ماجد سوس

لو وضعت كل خليقة الله في كفة ميزان لطبت كفة الميزان الأخرى بأمي.

فهي أكثر ثقلا منهم جميعا.

فإن أردت أن ترى حباً غير مشروطٍ، لن تجد غير حبها.

فالأم في رأيي هي من تحقق الوعد فيها بمقولة الرب يسوع: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضا، ويعمل أعظم منها، لأني ماض إلى أبي.” (يو 14: 12) فأعظم ما قدمه الله للإنسان هو حبه غير المشروط:

“نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا.” (1 يو 4: 19). وأعظم ما وضعه الله في الأم هو حبها غير المشروط وما أعظمه حب.

في علاقة الله مع شعبه في القديم كان يستخدم مصطلحات الحب الأسري بينه وبين شعبه فقد استخدم لفظ عبري “رحميم” وهو يعني “الرحم الآمن للطفل” ويستخدم في التعبير عن “أحشاء الأمومة” وقد استخدم هذا المصطلح داود وهو يخاطب الله قائلا: “اذكر مراحمك يا رب وإحساناتك، لأنها منذ الأزل هي.” (مز 25: 6).

والله في تعزيته لشعبه كان يعزيهم تعزية الأم لأولادها: “كإنسان تعزيه أمه هكذا أعزيكم أنا” (إش 66: 13). وحين أراد أن يؤكد لهم إنه لا ينساهم ابداً، قال: “«هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينسين، وأنا لا أنساك.” (إش 49: 15).

ورغم علاقة الأمومة الروحية التي وضعها الله كأساس العلاقة بينه وبين أورشليم القديمة، إلا أن الأخيرة رفضته، بل واسلمت كلمته المتجسد للموت، فقدم حبه لأورشليم جديدة نازلة من عند الله (رؤيا 21: 2)، لا يحدها مكان أو زمان ولا فرق فيها بين يهودي وأممي، رجل وامرأة، أبيض وملون، لغته عبرية، عربية أو قبطية، الجميع واحد والكل شعبه المختار.

الذين يؤمنون فيولدون لا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل ولا من مشيئة دم، بل من الله ولدوا.

لم يعد هناك من يفتخر إنه وحده هو الأفضل أو الأعلى.

هذا الامتياز العظيم الذي قدمه الله لكل شعوب الأرض كان يتطلب أمران هامان أولهما أن يتحقق عدلة من حيث إن أجرة الخطية هي الموت فلابد له أن يموت من أجل الجميع إن أراد أن يحيي الجميع ويعيدهم إلى رتبتهم الأولى.

فكانت المعضلة، من وجهة نظر البعض هي أنه كيف يموت كلمة الله وهو الإله الحي الذي لا يموت وكيف يحمل خطايانا وهو الذي لا توجد فيه خطية.

لذا كان لابد أن يأخذ جسداً قابلاً للموت لكنه غير فاسد لأنه ملتصق باللاهوت.

بالفعل اجتاز يسوع المسيح له المجد، الموت دون أن يرى جسده فساداً وانتصر على الموت ولأنه الإله فهو الوحيد الذي اقام نفسه من الموت واقامنا معه.

الأمر الهام الثاني، هو حرص الله أن يطمئن على الإنسان الذي سيتركه في الأرض حتى موعد اللقاء، فأرسل له روحه القدوس ليديم فيه ويذكره بكل ما قاله فائضا عليه بمواهبه وثماره وفي ذات الوقت أسس له الكنيسة لتكون أما تعتني به وتحفظه حتى مجيئه الثاني على السحاب ليخطف أولاده ليعيشون معه حياة أبدية.

وفي خطة خلاص الإنسان، كان على الرب يسوع أن يجد أما تستحق أن تكون والدته، وحين وجد إنسانة متضعة رائعة حملته وأرضعته واعتنت به، أعطانا درساً عظيما في محبة الابن لأمه فكان يطيعها ويحبها ويحترمها حتى أنه يوما أبدل خطة الخلاص ليستجيب لها طلبها في عمل معجزة تحويل الماء إلى خمر جيد في زواج حضراه معاً، وعرفنا يومها كم هي شفاعتها مقبولة عنده.

نعم أحبها بشدة، حتى أنه لم ينساها حتى وهو يتألم على الصليب، وهو درس آخر في أولويات الإنسان وألا يهمل خاصته وأهل بيته حتى في أصعب الأوقات، فراح يطلب من يوحنا الحبيب أن يهتم بها ويأخذها في بيته بعد صعوده وقال له هوذا أمك وقال لها هوذا ابنك.

لم يشأ الرب يسوع أن يترك جسد أمه في الأرض ربما تكريما وتقديراً لها، ولربما لئلا يقام لها مزارا فيعبدها الناس ويحجون إليه، وربما الأمران معا. الأهم أنها حين صعدت بجوار ابنها أصبحت الملكة الأم وفي الممالك لا يمكن وأنت تتكلم مع الملك وتقدم له الولاء ألا تقدم التحية للملكة الأم وخاصة أن ابنها يحبها ويستجيب لطلباتها وهي بهذا ليست إلهة أو خالقة ولكنا نمجدها كوالدة الإله وكأم البشرية وكأم كل حي.

عزيزي، لا تصدق من يدعي أن الرب يسوع قد يغضب أو يحزن إن تكلمت مع أمه وطلبت منها أن تحول خمر حياتك الرديئة إلى خمر جيدة، ثق أنها ستتكلم معه ومن أجلها قد يغير قرارات أو يؤجلها فهو بكامل إرادته ومشيئته يفعل هذا من أجل أمه.

إنه الدرس الثالث الذي يقدمه لنا الرب يسوع اليوم في تعامل الإنسان مع أمه وطاعتها والفرح حين يجد الآخرين يقدمون لها التمجيد اللائق. أحبائي، ما أجمل أمي العذراء التي بعد أن قدمت لنا الطفل يسوع هدية البشرية كلها، عاد هو وقدمها لنا هدية، تطلب من أجلنا في أتعابنا، وأمراضنا، ومشاكلنا، تشفع فينا أمام ابنها كلما طلبناها ليتحنن علينا ويغفر لنا خطايانا. كل عام وحضراتكم بخير

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

المحاكمات (التأديبات) الكنسية … منظور ارثوذكسى

كمال زاخرالخميس 19 ديسمبر 2024 البيان الذى القاه ابينا الأسقف الأنبا ميخائيل اسقف حلوان بشأن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.