إعداد/ ماجد كامل
يمثل الزعيم الوطني الكبير ويصا واصف ( 1873- 1931 ) قيمة كبيرة في تاريخ الحركة الوطنية المصرية ؛ فهو أول رئيس برلمان قبطي كما سوف نري في ذلك المقال .
أما عن ويصا واصف نفسه فأسمه بالكامل “ويصا واصف ميخائيل الببلاوي ”
كان والده من كبار التجار في عصره ؛ تلقي تعلميه الأولي في مدارس طهطا ؛ وفي المرحلة الثانوية ألتحق بمدرسة التوفيق الثانوية بشبرا حتي حصل علي شهادة البكالوريا عام 1889 ؛ ونظرا لذكائه الشديد سافر إلي فرنسا لدراسة العلوم في جامعاتها ؛ فلما أتم دراسته عاد إلي مصر وعمل مدرسا للعلوم بمدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية ؛ وفي تلك الفترة كان الإنجليز يحاربون التعليم الفرنسي ؛ فكتب عدة مقالات في جريدة “اللواء ” ؛
ومن هنا كانت فرصة تعرفه بالحزب الوطني ؛ ولما كان وزير المستشار لوزارة المعارف “دانلوب ” كان يحارب التعليم الفرنسي بشدة ؛فشعر ويصا واصف بعدم الأمان في وظيفته كمدرس ؛فأشار عليه ” مرقص بك فهمي ” المحامي أن يدرس القانون وحينئذ يمكنه أن يعمل محاميا حرا ويستقيل من الوظيفة ؛ فأعجب ويصا بالفكرة وبالفعل سافر إلي فرنسا لدراسة القانون ؛ وبالرغم من أنه واجهته صعوبات كثيرة في الدراسة ؛ إلا أنه تمكن من إجتيازها
وحصل علي ليسانس القانون عام 1902 من جامعة “اكس” بفرنسا ؛ ثم عاد الي وطنه واستقال من وظيفته كمدرس والتحق بمكتب “أنطون سلامة المحامي ” بالإسكندرية حتي عام 1905 ؛ ثم عمل بمكتب “مرقص حنا المحامي ” بالقاهرة .
وفي مجال العمل السياسي ؛كان ويصا واصف من رجال الحزب الوطني ؛حيث كان من ضمن الثلاثين عضوا الذين أنتخبتهم ” الجمعية العمومية الأولي للحزب الوطني ” المنعقدة في 17 ديسمبر 1907 ؛ وفي الحفل الذي أقامه الحزب الوطني عام 1909 ؛ألقي ويصا واصف خطبة هاجم فيها اللورد كرومر لتقريره عن أن الحركة الوطنية مصطبغة بالصبغة الدينية حيث قال ” هل توجد أمة في العالم أسعدها الحظ لأن تبني وطنيتها علي قواعد متينة كالتي تبني عليها الوطنية المصرية التي يشترك أفرادها في الجنس واللغة والعوائد والقانون والماضي والتاريخ ؟
هل لو لو يكن القبط علي تفاهم تام مع أخوانهم المسلمين في فكرة اوطنية كانوا يشتركون معهم في تلك المظاهرةالكبري التي جرت لفقيد الشرق والوطنية ” .
كما كتب ذات مرة ” ويوجد بجانب المسالة الدينية مسألة الجنس والوراثة التي هي عامل في تطور الشعوب لا تقل أهمية عن عامل الدين ؛ فنحن المصريين طبعنا روحنا علي كل مبدأ وكل أمنية من مباديء البشر وأمانيه …… ومما هو ثابت في التاريخ نفوذ مدرسة الإسكندرية الوطنية واعتبار الكنيسة القبطية إلي الآن كأنها الرأس المفكر للمسيحية . ونحن المصريين أيضا الذين حفظنا المدنية العربية الإسلامية ….. إن هذا الشعب المصري مصري لأنه أبدي في مصريته وشخصيته …. وهذا درس يشدد عزائمنا ويدعونا للطمانينة علي مستقبلنا ” ( إيريس حبييب المصري :- قصة الكنيسة القبطية ؛ الجزء الخامس ؛ صفحة 123 ) .
و لما سافر سعد زغلول الي باريس في 11 أبريل 1919 ؛كان ويصا واصف مستشارا للوفد المصاحب له .
وعندما حاول الانجليز إقناع الأقباط بحماية انجلترا لهم ؛ أدلي ويصا واصف بحديث واصف بحديث لأحدي الجرائد الفرنسية قال فيه ” أن مصر لا تعرف أكثرية و أقلية ولن يكون في البرلمان إلا أحزاب سياسية بمعناها العصري يكون القبط فيها مبعثرين ؛ ولم يكن للقبط في اي وقت موضعا لتشريع استثنائي بل عوملوا دائما كمصريين يتمتعون بكافة الحقوق ” وعندما سئل عن المؤتمر القبطي الذي عقد سنة 1911 ؛قال لم يكن إلا غلطة سياسية لن يتجدد وقوعها ” .
وحين جاءت وزارة مصطفي النحاس سنة 1928 ؛ قرر تعيين ويصا واصف رئيسا لمجلس النواب ؛ وكان الملك فؤاد يحلو له أن يفض الدورة البرلمانية قبل أنتهاء مدتها ؛ وحدث في سنة 1930 تولي إسماعيل صدقي الوزارة فوافق الملك علي تعطيل الحياة النيابية ؛وأرسل قوة مسلحة أغلقت باب الدار بسلسلة حديدية ؛جاء ويصا واصف ليدخل فوجد الباب موصدا ؛ فطلب من رئيس الحرس البرلماني تحطيم السلسلة فحطمها بالفعل ؛ ودخل الي البرلمان ؛وأرسل الي رئيس مجلس الوزراء الخطاب التالي ” تنص المادة 117 من الدستور أنه لا يجوز لأي قوة مسلحة الدخول إلي المجلس إلا بطلب رئيسه ولقد حدث ظهر اليوم أن احيطت دار البرلمان بناء علي امر الحكومة بقوات غفيرة من رجال الجيش المسلحين
أمام هذا الأعتداء الصارخ لا يسعنا إلا توجيه الاحتجاج الي الحكومة علي تلك التصرفات المنافية كل المنافاة لما يقضي به الدستور .
ولما تستوجبه دار البرلمان من الهيبة والاحترام … 20 يوليو 1930 ” ( إيريس حبيب المصري :- قصة الكنيسة القبطية ؛ صفحة 125 ) .
وقد أغتاظ القصر من هذا التصرف جدا ؛ فأصدر إسماعيل صدقي مرسوما بحل البرلمان لبجري انتخابات لا يكون الوفد فيها هو الأغلبية ؛ فيعود ويصا واصف إلي المحاماة ليقف أمام المحاكم المختلطة يدافع عن المظلومين والثوار ؛ وكان من عادته أن لا يتقاضي أجر من الفقراء والغير قادرين .
وفي الأسبوع الأخير من شهر مايو 1931 ؛ حدث انه كان في الإسكندرية للمرافعة في أحدي القضايا ؛ فدعاه أحد معارفه إلي وجبة سمك ؛ فشعر بعدها بألم شديد في المعدة ؛ فلما فحصه الأطباء ؛ أكتشفوا أنها حالة تسمم .
وفي يوم27 مايو 1931؛توفي الزعيم الكبير ويصا واصف ؛ فخرجت مصر كلها عن بكرة ابيها تودع جثمانه من منزله بالجيزة ؛ حتي وصلت الي الكنيسة البطرسية بالعباسية ؛ وكانت الجماهير تهتف طول الطريق ” أشكي الظلم لسعد يا ويصا ” لتودع مصر زعيما وطنيا كبيرا رحل عنها عن عمر يناهز 58 عاما .
بعض مراجع ومصادر المقالة :
1- إيريس حبييب المصري قصة الكنيسة القبطية ؛ الجزء الخامس ؛ الصفحات من 122- 126 .
2-لمعي المطيعي :- هذا الرجل من مصر ؛ دار الشروق ؛الطبعة الأولي ؛ 1997 ؛ الصفحات من 652- 660 .
3-مينا بديع عبد الملك :- أقباط في تاريخ مصر ( الجزء الأول ) ؛جمعية مارمينا العجايبي بالإسكندرية ؛ نوفمبر 2017 ؛ الصفحات من 326-329 .
4-ملاك لوقا :- أقباط القرن العشرين ؛ مطبوعات آنجيلوس ؛ صفحتي 412 – 413 .