الجمعة , نوفمبر 22 2024
الكنيسة القبطية
البابا كيرلس السادس

بعض المواقف الإنسانية للبابا كيرلس السادس

إعداد ماجد كامل

عرفنا البابا كيرلس السادس كرجل صلاة وكرجل معجزات ؛ وكنا قد تناولنا في مقال سابق المواقف الوطنية لقداسته ؛ وأيضا العطاء الثقافي والتعليمي . ولكننا في هذا المقال سوف تتناول بعض المواقف الإنسانية ؛ أستقيتها من واقع قراءتي المتعددة علي مدي كل السنوات الماضية ؛ والبعض الآخر أستقيته من روايات البعض التي رووها لنا في جلسات خاصة .

ولنبدأ بالعظة العامة التي ألقاها المتنيح الأنبا غريغوريوس في كنيسة مارمينا الزهراء يوم الجمعة الموافق 11 مارس 1988 ( نشكر الله كانت لي بركة حضورها Live يومها ) .

وكانت العظة بعنوان ” البابا كيرلس هو البابا أب الجميع ” ولقد جاء في هذه العظة ضمن ما جاء فيها ” أيها الأبناء كان المتنيح الطوباوي حقيقة بابا ؛ وكلمة بابا هي الكلمة التي يرددها الأطفال ؛ حينما ينادي الطفل أباه ويقول بابا ؛ هذا الرجل كان له قلب أب ؛ بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني ؛ودون أن يتكلم كثيرا ؛ كان يشعر ويحس عمليا أنه حقا بابا ؛وكانت أبوته أعم من كل هذا ؛كان أبا لكل المصريين ؛ كان أبا لكل المصريين مسلمين ومسيحين .

لا أنسي أن أحد المسئولين في سنة 1972 قبيل أن نسافر إلي روسيا وفي سراي رئيس رئيس الجمهورية رجل مسئول ؛ أفتتح الحديث عن البابا كيرلس الذي كان قد تنيح ؛ يقول هذ الرجل كان من الواصلين ؛ كل صباح الساعة 8 ونص صباحا لابد أن أتصل به صباحا لآخذ بركته …. عندما أكون مسافرا للخارج لا بد أن أمر عليه لآخذ بركته ….. لم يكن الرجل يتكلم كثيرا ؛ ولكن محبته الحقيقية قادرة علي أن تصل ووصلت

أحد مطارنة الروم الكاثوليك كان يقول “هذا الرجل بابا الشرق في مقابل بابا الغرب …… أقول حقيقة أن جميع الذين عرفوه ولمسوا أبوته ؛ أستطاع بهذه الأبوة أن يقضي علي كل تعصب ؛ من فم ثلاثة وزراء في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قالوا أن الرئيس الراحل كان يقول ” لا يوجد أحد خدمني قدر ما خدمني البابا كيرلس

هذا الرجل حل مشاكل بأبوته ؛ رتق الخروق ؛ ربط المسلمين والمسيحين بمحبة ؛ الكل كان يحس أن هذ هو رجل الله …. سيدة فقيرة غير مسيحية أحتاجت مبلغ من المال ؛ ثم قال لها عندما تحبي أن تردي المبلغ وصليه لدير مارمينا ؛ وذات يوم وكنت هناك في الدير وقتها ( وكان البابا كيرلس قد تنيح بالفعل )؛جاءت السيدة بعد جهد وتعب ؛ وكان حاضر معنا الأنبا مكسيموس مطران القليوبية ؛ رأت السيدة صورة البابا كيرلس في الدير ؛فقالت لهم هذا هو الرجل الذي جاء لي وأعطاني المبلغ ؛ هذه سيدة غير مسيحية كانت في ضيقة ؛ أنظروا أبوته وصلت لأي مرحلة

البابا كيرلس عندما أستضافه أحد أعيان المنيا غير المسيحين ؛نحر لقداسته إثنين من العجول ؛ فالبابا استنكف ؛فحلف الرجل بالعظيم وقال :- “لو أباح الشرع لي لذبحت أبني ؛هو دخولك في بيتي ده شوية ” انظروا الرجل حلف بالعظيم وقال لو أباح الشرع لذبحت أبني . هذه هي المشاعر ؛ ما الذي يدفع هذا الرجل أن يقول ذلك ؛انحل التعصب والكراهية والإحساس بأن هذ ا الرجل بابا المسيحين فقط ؛ لا ليس المسيحين فقط ( راجع النص الكامل للعظة في :- نيافة الأنبا غريغوريوس ؛ البابا كيرلس السادس في عيني الأنبا غريغوريوس ؛ جمعية الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي ؛2006 ؛ الصفحات من 94 – 105 ) .

كما كتب عنه القمص صليب سوريال في كتابه “أحداث كنسية عشناها بنفسي ” وتحت عنوان “ابونا مينا أول من علمنا العطاء في الخفاء ” حيث قال ” كان أول من وضع الصناديق في كنيسته التي أصبحت محط الأنظار من الكثيرين وبذلك حرر العطاء من الإحراج .

أذكر ونحن طلبة لا نملك إلا القليل من القروش كانت الجمعية الخيرية التي ترعي شئون الكنيسة تكلف أحد أعضائها بجمع طبق قداس الجمعة الذي كان يقام للطلبة . وكان جامع الطبق لا يرحم من هو مستغرق في القداس مغمض العينين من تنيهه أو زغده بالطبق ليضع القروش ؛كان العطاء إجباريا ومحرجا لمن ليس معه . ووضع أبونا نظام لا يحرج به احدا للعطاء في الصناديق لمن يريد العطاء في الخفاء

( راجع النص بالكامل في :- القمص صليب سوريال :- أحداث كنسية عشتها …. وعايشتها ” تقديم قداسة البابا تواضروس الثاني ؛ نسخة pdf ؛ صفحة 153 و154

( . كما ألتف حوله الشباب الجامعي وقد شعروا بأبوته ودفيء مذبحه إذ كان يرفع الذبيحة كل يوم ودبر لهم مسكن بلا اشتراك محدد ولا اتفاقات مالية مسبقة كل واحد يضع في الصندوق حسب إمكانياته وكانت بركة الرب تغني وكل ما يوضع يسد كل أعواز البيت ( نفس المرجع السابق ؛صفحة 154 ) .

ومن المواقف الواضحة في حياة البابا كيرلس التي تؤكد علي عمق إنسانيته ؛ نذكر بعض المواقف في حدود معلوماتي وفي حدود ما أذكره :

1-في أحد الأيام خلال عام 1907 ( وكان الطفل عازر لم يتجاوز سن الخامسة من عمره حيث أنه من مواليد 1902 ) ؛وفي اليوم السابق للصيام الكبير المعروف طقسيا ؛رفاع الصوم الكبير ” ؛ أعدت العائلة وليمة فخمة وباهظة ؛وعندما شاهد الطفل مينا يوسف عطا هذه الوليمة ؛ أحتج بشدة علي هذه الوليمة ؛وسألهم في دهشة ” لماذا يجب أن يكون لدينا الكثير من الطعام ؛بينما البعض الآخر لديهم خبز عادي ؟

كيف نأكل هذا الطعام الفاخر بينما تعيش عائلة كردية فقيرة بجانبنا ؟ فلقد كان جيرانهم من عائلة تركية مسلمة مسنة ليس لديها مصدر دخل ويعيشون علي الضروريات الأساسية ؛من اللائق أن نقدم لهم هذا الطعام من أجل المسيح ؛فغدا سوف نصوم ونكتفي بوجبة متواضعة ؛ فقام والده علي الفور بجمع كل أكل الرفاع وإحضاره إلي جيرانهم الاكراد . ( وردت في أكثر من مصدر منها السيرة الذاتية للبابا كيرلس السادس ؛ كذلك كتاب البطريرك الصامت A Silent Patriarch للمؤلف دانيل فانوس Daniel Fanous ) .

2-عندما قرر عازر يوسف عطا الرهبنة ؛ توجه إلي دير البراموس ؛ فأستقل القطار من محطة إسكندرية ؛وفي محطة إيتاي البارود ؛ غير القطار وأخذ القطار المتجه إلي الخطاطبة ؛ وهنا سال الشاب عازر كمسري القطار “لماذا لم تكن ترتدي الطربوش ؛فأجاب الكمسري لا أملك المال اللازم لثمنه ؛فقام علي الفور عازر وخلع الطربوش فوق رأسه وسلمه للكمساري ؛ ثم بعدها خلع السترة التي كان يرتديها واعطاها للسائق ؛ ثم وعد بإرسال قميصه وبقية ملابسه فور وصوله إلي الدير ؛وبالفعل قام بتنفيذ وعده بعد تلقيه زي طالب الرهبنة .

3-وهو راهب صغير ؛كان يجد سعادته ومتعته في خدمة الرهبان الشيوخ من خلال غسل ملابسهم وتنظيف قلاليهم وإعداد وجباتهم بنفسه ؛ وايضا تنظيف الاواني النحاسية وإصلاح المواقد الخشبية وتنظيف خزانات المياه

4-ذات ليلة في يوم 4 ابريل 1936 ؛ وكانت يوم سبت لعازر ؛ قيل أن رئيس الدير سوف يقوم بطرد 7 رهبان مسنين من الدير خلال ساعة ؛وكان أبونا مينا وقتها في وحدته في المغارة بدير البراموس ؛ فنزل أبونا مينا من المغارة ؛ ودخل إلي قلاية رئيس الدير ؛ثم ضرب له مطانية وقال له “بعد تقبيل أياديكم الكريمة ؛ جئت لأرحب بك ؛والاستفسار عن حقيقة طرد الرهبان السبعة “فرد عليه رئيس الدير “هذه أوامر من البطريرك ؛وانا هنا ببساطة لتنفيذها ؛فرد عليه أبونا مينا ” لن يقبل أبدا أحد أن يفقد هؤلاء الإباء رجاءهم في المسيح .

أنت رأسنا وراعينا أبو أناشدكم باسم ارب وفي هذه الأيام المقدسة ؛ تأجيل هذا الأمر حتي تتاح للآباء المسنين علي الأقل فرصة لمناشدة قداسته ؛والسماح له بالحكم عليهم داخل الدير (وليس خارجه ) من فضلك لا تطردهم خلال أسبوع الفصح ؛ففوجيء رئيس الدير بذلك ؛وقال له كيف يجرؤ راهب شاب أمام حشد كبير علي الاعتراض بينما يجلس كبار الرهبان صامتين ؟

أسمع يا بني لا تقف في طريقي وإلا فإنك ستعصي البطريرك نفسه أنت ناسك وهذا ليس من شانك ” فرد عليه أبونا مينا “باسم المسيح ؛الذي فدانا أطلب منك يا أبي ؛ لقد علمونا أن نتوسط من أجل الظالمين ؛ ومخالفي القانون ؛ وأن يعاقب كل واحد دون أن يفقد الأمل ؛ وأصر علي قراره ؛فرد عليه أبونا مينا “إذن سوف أكرس نفسي لخدمة هؤلاء الرهبان الذين سيطردون بلا رحمة حتي يعودوا إلي الدير ؛ فأمر علي الفور أن يغادر الرهبان السبعة الدير وطرد معهم أبونا مينا .

5-عندما أفتتح كنيسة مارمينا الزهراء بمصر القديمة ؛ كان يتردد عليه مجموعة كبيرة من الشباب الجامعي ؛ وبعضهم كان محتاجا ؛ فكان يعطيهم بعض الأموال ؛ كما أفتتح للغرباء بيتا للضيافة بأسعار رمزية لا تذكر .

6-أثناء فترة رئاسة قداسته لدير الأنبا صموئيل المعترف ؛جاء علي لسان أحد أقباط المهجر أن والده فكر في زيارة الراهب مينا المتوحد بالدير ؛ وفي أحدي المرات أراد أن يغسل فراجية أبونا مينا لما رآها متسخة بصورة ملحوظة بسبب السفر ؛ فرفض قداسته رفضا باتا ؛ لكن أزاء إصرار الرجل ؛ وافق أبونا مينا بشرط أنه هو في المقابل سوف يقوم بغسل جلبابه .

7-عندما صار بطريركا ؛ كان باب قلايته مفتوحا في كل وقت ؛ حتي قال عنه المتنيح البابا شنودة الثالث في أحدي عظاته ” كنت تستطيع أن تهمس في أذنه بشكواك في أي وقت ” حتي وصف أنه ” الأب البطريرك صاحب سياسة الباب المفنوح والقلب المفتوح ” .

8-من أحدي الرويات الطريفة التي رواها القمص رافائيل أفا مينا عن البابا كيرلس السادس ؛ أنه في أحدي زياراته للوجه القبلي في أحدي مدن الصعيد ( للأسف لا أذكر المدينة بالضبط )

ولما كانت الكنيسة في موسم إفطار وليس صيام ؛ قام كل أعيان البلد بنحر الذبائح له ؛ وفي وسط الزحمة لمح بائع طعمية بسيط يقف بينهم ” فتوجه له بالكلام قائلا ” سمعت أنك بتعمل طعمية سخنة حلوة أوي ومقرمشة ” فرد عليه البائع ” طبعا يا سيدنا ” فقال له ” طيب ما تدوقنا منها يا أخي ” فطار البائع من الفرحة أن الأب البطريرك نفسه يطلب منه أن يأكل طعمية من عنده ؛ ولكن تلميذه رافائيل ألتفت إليه وقال له ” طيب الناس اللي دابحة دي يا سيدنا نقول لها أيه ؟” فرد عليه سيدنا البابا ” معلش يا أبني ؛ خلينا نجبر بخاطره شوية ” .

8-موقف آخر يذكر القمص رافائيل آفا مينا يظهر محبة البابا وتبسطه مع الناس البسطاء ؛ ذات يوم بعد القداس الذي كان يقيمه في الكنيسة المرقسية بكلوت بك ؛ قامت سيدة بسيطة وأعطته بيضتان مسلوقتين في يده ؛ فنظر البابا إليها وقال لها ” الحمد لله يا ستي ضمنا الفطار أهو ” ثم داعبها بعدها قائلا ” مسلوقين كويس يا ستي ولا يسيحوا في جيبي ” .

9- من الذكريات الجميلة التي سمعتها من جناب الأب الورع المتنيح القمص بيجول باسيلي كاهن كنيسة السيدة العذراء أرض الجولف ؛ وقد رواها بنفسي لي أثناء فترة خدمتي معه في الكنيسة ؛ أنه كان مقيما في الإسكندرية ؛ وعندما ينزل مصر كان يهتم أن يمر علي قداسة البابا في قلايته بالمرقسية لأخذ بركته ؛ فكان البابا كيرلس يقول له ” أنت جاي من سفر تلاقيك ما فطرتش لسة ” ثم كان ينادي علي الشماس الخاص به لكي يعد له وجبة الإفطار ؛ وبعد الوجبة يسأله ” ها شبعت ولا لسة ؟ ” فكان يقول له ” الحمد لله يا سيدنا شبعت جدا ” فيداعبه قائلا ” طيب وريني بطنك كده اتملت ولا لسة ” .

7-يذكر المهندس الدياكون ماهر دميان في كتابه ” ذكرياتي مع الراهب المتوحد أبونا مينا البرموسي القديس البابا كيرلس السادس ” أنه أثناء حبرية قداسته ؛قام مجموعة من الشباب بالهتاف ضد قداسته فخرج عليهم نيافة الأنبا غريغوريوس لكي يهدئهم بناء علي طلب قداسته ؛ ولما لم يستجب الشباب ؛ قام رجال أمن البطريركية بسؤال البابا ” نجيب لهم البوليس يا سيدنا ؟ ” فنهرهم قداسته وقال لهم بالحرف الواحد ” دول أولادي ! وأنا لا أوافق علي اتخاذ أي إجراءات ضدهم” وبعد قليل أنصرف الجميع في هدوء ؛ وانتهت المشكلة ” لمزيد من التفصيل راجع :- الكتاب السابق ذكره ؛ صفحة 88 ) .

8-كما يذكر المهندس الدياكون ماهر دميان أيضا في نفس الكتاب ؛ أن حدث أن أتهم أحد الكهنة بتهمة ما ؛ وتم تحويله إلي المجلس الاكليركي ؛ وتم وقف مرتبه مؤقتا ؛ وعندما علم البابا بأمر إيقاف مرتبه ؛ طلب من القمص ميخائيل داود كاهن كنيسة السيدة العذراء روض الفرج ( وكان وقتها المشرف علي مكتب الخدمة الاجتماعية بالبطريركية ) أن يستمر في إرسال راتبه دون أن يشعره بأي حرج ؛ إلي أن تثبت براءة الكاهن فيصفح عنه ؛ وفي أثناء المحاكمة قال سيدنا ” هو الكاهن يصرف منين لما تعطيهوش مرتبه ؟!” ( نفس الكتاب السابق ؛ صفحتي 72 و73 ) .

9-يذكر القمص صليب سوريال في الكتاب السابق الاشارة اليه ؛ أنه البابا كانت تصله يوميا خطابات سب علني وشتائم نابية !! وبعد نياحته لاحظ من قام بجرد حجرته سواء في القاهرة أو إسكندرية أو دير مارمينا أنه كان يحتفظ في ملفه بخطابات السب والقذف ؛ولا يوجد أثر لخطابات المدح ؛ والعجيب أن أصحاب هذه الخطابات قد ساندهم وأسند إليهم مناصب مرموقة ؛ ولقد روي بعض المقربين أنه عندما كانوا يستأذنوهم في كتابة رد كان يمنعهم قائلا ” ربنا هو اللي يرد يمكن ربنا يرحمني ويتراءف علي ” ( احداث كنسية عشتها وعيشتها ؛ صفحة 158 ؛ 159 ) .

10- في نفس الكتاب ونفس الصفحة يروي القمص صليب سوريال موقفه مع جريدة مصر التي تبنت حملة هجوم ضد قداسته بشكل يومي ؛ فقامت مباحث أمن الدولة بإغلاق الجريدة رغم أن قداسته لم يشكو أحدا .

وعندما زف أحد أولاده لسيدنا خبر غلق الجريدة ؛فوجيء بحزن البابا وألمه وقال له ” إزاي يا ابني دول أكتر من مائة عامل لهم أسر وعندهم أولاد يأكلوا منين دول ؟؟؟ وحاول الاتصال بالدكتور رمزي ستينو أحد الوزراء وقتها لكي يطلب منه العمل علي عودة الجريدة وأنه مسامح علي كل الشتائم .

فأخبره الوزير أن الرئيس عبد الناصر شخصيا هو الذي أصدر قرار غلق الجريدة إلي الأبد لتعرضهم لقداستكم وأنه متألم جدا لهذه الأهانات ؛ فلم يهدأ قداسة البابا إلا أن سعي لتعيين كل هؤلاء العمال في هيئات صحفية مختلفة ( نفس المرجع السابق ؛ صفحة 160 )

11- من القصص الجميلة التي رويت عن البابا كيرلس ؛ أنه أحد الأراخنة لاحظ أثناء صلاة القداس أن حذاء البابا كيرلس ممزق ولا يليق ببطريرك الكنيسة ؛ ففكر في شراء حذاء جديد له ؛ فلما قدمه للبابا كيرلس ؛ شكره جدا وقال له أنه سوف يقدمه هدية لمرتل الكنيسة فهو أولي به مني ؛ ثم فتح له دولاب ملابسه ؛ وهو يشير إلي دولاب صغير عنده ؛ وقال له ” أنظر هذه أربع علب أحذية جديدة عندي ” .

12- ونختتم هذا المقال ببعض الذكريات الجميلة التي سجلتها مؤرختنا الكبيرة إيريس حبيب المصري (1910- 1994 ) التي سجلتها في كتابها ” قصة الكنيسة القبطية – فترة من البهاء – الكتاب السابع )

أنه خلال عام 1961 نظمت نساء العالم ثلاث مؤتمرات احتفاء بمرور خمسة وسبعين عاما علي يوم الصلاة العالمي بأحدي المدن بالهند ؛ وجاء وقت خروج التصريح بالسفر من الداخلية التي أشترطت موافقة الكنيسة القبطية علي سفرها ؛ فلجأت إلي البابا كيرلس لطلب التصريح الذي بمجرد أن رأها قال لها ” هو أنت يا غلباوية ! عاوزة إيه ؟” فلما أخبرته بطلبها نادي علي تلميذه الشماس سليمان رزق ( المتنيح الأنبا مينا أفا مينا فيما بعد )

وأمره بكتابة التصريح المطلوب … وبعد أسبوعين من عودتها ؛ زارت مصر أستاذة جامعية انجليزية بجامعة كمبردج ؛ وطلبت مقابلة البابا كيرلس ؛فردت عليها المؤرخة الكبيرة ” حسنا ؛ فلنذهب علي الفور ” فدهشت العالمة كثيرا وقالت ” كده من غير تليفون ولا ميعاد !” فردت عليها الاستاذة إيريس ” نعم فقداسته يعاملنا كأولاد مدللين وبابه مفتوح طول النهار ؛ بل ولساعات طويلة متأخرة من الليل ” . فتضاعفت دهشتها وقالت ” يالعجب.

أنه الراعي الأعلي ” وبعد نهاية اللقاء تعجبت العالمة الإنجليزية من بساطة وتواضع قداسته ” وقالت “أكاد لا أصدق عيني ولا أذني ! فهل إلي هذا الحد يعامل كل شخص كأنه الوحيد الآتي إليه ؟! ” ثم أن حديثه بالانجليزية حلو إنه ليس مجرد حديث فقد أحسست بأنه صادر من عمق قلبه ” ( المرجع السابق ذكره ؛ صفحتي 39 ؛ 40 ) . وتذكر مؤرختنا الكبيرة ذكري أخري جميلة كانت مع البابا القديس ؛ وهي أنه ذات يوم توجهت إليه في زيارة ؛ ففوجي بها يقول لها ” خذي هذا الجواب ” فتعجبت وسألته ” أي جواب تقصد ؟ ” قال لها ” الموضوع علي المائدة أمامك ” فسألته المؤرخة الكبيرة ” فيه أيه ؟ ” فرد عليها ضاحكا ” مش بتعرفي تقري ؟! ” فقالت له ” بأفك الخط ” ؛ وهنا ضحك وقال لها ” طيب أفتحي وفكيه ” فلما قرأته فوجئت به بقرار تعييينها رائدة للشابات ” فقالت له ” لا الجواب ده ما ينفعنيش ” . فتعجب قداسته وسألها ” ليه ؟

مش مكتوب علي ورقة تحمل أسم البطريركية وختمها؟ ” فردت عليه وقالت ” نعم ولكنه لا يحمل إمضاءك المحبوب ” وإذ بالمفاجئة الثانية أنه أخذ الجواب بكل هدوء ووقع عليه ؛ وأضاف ضاحكا ” امبسطي . أديني عملتك أسقفة! ” فردت عليه ” يعني ها انافس الأنبا صموئيل ؟ ” ؛ فضحك وقال ” أيوة . هو أسقف الخدمات وأنت أسقفة الشابات ” ( نفس المرجع السابق ؛ صفحة 48 ) .

وجاء نص خطاب الترشيح كما يلي ” لما نعرفه من بنوتك من الهمة المتوقدة وما تتحلين به من وفاء وإخلاص للكنيسة …. لذلك رأينا أن تكوني رائدة الشابات القبطيات تجتمعين بهن في اجتماعت خاصة في القاعتين الملحقتين بكنيستي الشهيدين العظيمين مارمرقس ومارجرجس بمصر الجديدة ؛ وفي القاعة المرقسية وفي القاعات الأخري الملحقة بالكنائس القبطية وذلك في أوقات وأيام محددة تحددينها يعلن عنها في الجرائد .

فتوجهين إلي الشابات المباركات في محاضرا ت ودروس منتظمة أسبوعية لتقيفهن ديينا واجتماعيا وأدبيا ليزددن تعلقا روحيا لكنيستهن القبطية ووطنهم المحبوب ( راجع النص الكامل للخطاب في الكتاب السابق ذكره ؛ صفحة 120 ) .بعض مراجع ومصادر المقالة :

1- نيافة الأنبا غريغوريوس :- البابا كيرلس في عيني الأنبا غريغوريوس :- جمعية الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي ؛ 2006 .

2- دياكون ماهر عياد :- ذكرياتي مع الراهب المتوحد أبونا مينا البرموسي ( القديس البابا كيرلس السادس ) ؛ تقديم الأنبا إرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي ؛ مراجعة الراهب القمص رافائيل آفا مينا ؛ إصدار المركز الثقافي القبطي ؛ الطبعة الأولي ؛ مارس 2016 .

3- المتنيح القمص صليب سوريال :- أحداث كنسية عشتها ….. وعايشتها ؛ تقديم قداسة البابا تواضروس الثاني ؛ 2016 ؛ طبعة PDF .4- إيريس حبيب المصري :- قصة الكنيسة القبطية ؛ فترة من البهاء ؛ الكتاب السابع ؛ مكتبة المحبة ؛ صفحات متفرقة منه .

5- أماني فاروق :- ترجمة كتاب البطريرك الصامت A Silent Patriarch الحلقات رقم 6 بتاريخ 30 نوفمبر 2020 ؛ ورقم 12 بتاريخ 8 ديسمبر 2020 ؛ ورقم 24 بتاريخ 14 يناير 2021 .

وانتهز الفرصة لتقديم خالص الشكر لسيادتها لسماحها لي بالاستعانة بهذه الترجمة ؛ كما اطلب منها سرعة الانتهاء من الكتاب وتقديمه للمطبعة حتي يستفيد منه الكل .

6- كل ما كتب عن البطريرك القديس البابا كيرلس السادس خلال الخمسين عاما الماضية .

7- بعض المقابلات الشخصية مع بعض الشخصيات التي عاصرت واحتكت بالبابا كيرلس .

شاهد أيضاً

جورج البهجوري بنكهة وطن !!

بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي فنان تشكيلي كبير عاصر كل نجوم الثقافة العربية محيطا وخليجا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.