زمان، كان لي صديق رسام، فنان جميل.
كان جده من شيوخ الطريقة الحامدية الشاذلية! تدهور بهم الحال بعد أن مات الجد والاب وتبعته الأم، فانتقل بإخوته للعيش في شقة متواضعة في السيدة.
كان صديقي يرسم اللي نفسه فيه! لوحات جميلة عنيفة الالوان والخطوط، يريها لاصدقائه ويهديهم اللي تعجبهم منها.
أهداني لوحة تمثل “ميفستو” شيطان “فاوست” بطل رواية “جوتة”.
ابدع التصوير! كانت العينان الشيطانيتان تتابعانك أينما كنت! رفضت “أم سعيد” وهي سيدة طيبة كانت تقوم بخدمتنا؛ أن تدخل غرفة مكتبي وبها تلك اللوحة:
الراجل ده بيبص لي يا باشمهندس! بعد أن يحتفظ بلوحه التي يحبها قليلا، يعود ويقوم بدهانها ويخفي فنه وإبداعه تحت طبقة كثيفة من لون ابيض.
ثم يرسم فوقهم امرأة عارية مستلقية على كنبة، أو طبق فاكهة أو منظر طبيعي! يذهب ليبيع لوحاته لمحلات التحف في وسط البلد.
يأتي العرسان ليشتروا: العارية لغرفة النوم، المنظر الطبيعي للصالون، صينية الفاكهة للسفرة.
كان يصنع كل شيء في اللوحة.
البرواز المذهب القديم جدا، يصنعه من الجبس ويذهبه ويبتّنه ويطوّسه، فتبدو اللوحة قديمة والبرواز الخشبي كإنه مليء بالشقوق بفعل “الزمان” ! يأخذ في اللوحة خمسة جنيه.
يذهب بعدها إلى أحد بارات شارع الألفي.
عندما كان يسكر بشدة، تلمع عينيه ويعلن حلمه الكبير:
تعرف يا شوقي البلد دي عايزه إيه؟؟ عايزه طيارة فنطاس كبير من الطيارات الروسي القديمة، تتملي جاز وسخ، وتروح رشه الجاز من فوقها لتحتها وبس! عود كبريت ونولع. تنضف وتتغسل كويس وبعدين نبني من جديد!