الجمعة , نوفمبر 22 2024
حامد الأطير

الإخوان باقون طالما بقى فكر البنا دون اجتثاث

حامد الأطير

مصر من أوائل الدول التي دخلها الإسلام سنة 20هـ / 641م فكانت منذ فجر الإسلام ولا زالت إلى اليوم دار عز للإسلام، نصرته وانتصرت له انتصارات عديدة فارقة وهامة في أسوء ظروفه وأحلك أوقاته، انتصرت له عسكرياً واقتصادياً وفكرياً وثقافياً، وكانت ركن ركين وجدار عال وقوي وصلب ومنيع يحمي الإسلام والمسلمين، كما جادت بعلماء وفقهاء ثقاة ومعتبرين في الدين وأكرمت وفادة علماء عظام أتوا إليها وأقاموا بها. وتمر القرون على مصر بانكساراتها وانتصاراتها وهي مسلمة موحدة عابدة ساجدة لله لا تنكر نبيها ولا تستبدله بآخر ولا تتبرأ من إسلامها وتخلع ردائه كما فعل غيرها، ووصلت إلى بواكير القرن العشرين المشحون بالروح الوطنية الصادقة والروح الدينية المخلصة والعزيمة الصلدة الوقادة والمقاومة الشعبية الملتهبة والوحدة القوية بين فئات وطوائف الشعب المصري الذي انصهر في بوتقة واحدة عازماً على تحرير مصر من نير الاستعمار البريطاني الذي بسط سلطانه على البلاد وتغلغل نفوذه في شؤونها ونهب ثرواتها وألغى الدستور وفرض الحماية وأعلن الأحكام العرفية.

وعقب ثلاث حقب من المقاومة المستمرة للاحتلال منذ 1882م بدأت بأحمد عرابي والعصبة الوطنية المصرية “جمعية الانتقام” مروراً بمصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول وثورة 1919م، أثمرت عن صدور تصريح 28 فبراير 1922م الذي تضمن إنهاء الحماية البريطانية والاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة.

ووسط هذا الزخم الوطني العارم يطفو على السطح شاب اسمه حسن البنا، لا يتعدى عمره الواحد وعشرون عاماً يعمل مدرس خط ولغة عربية بأحد مدارس الإسماعيلية، ليؤسس جماعة سياسية برداء ديني سماها “الإخوان المسلمين” بالاشتراك مع ستة أشخاص آخرين، هم، حافظ عبد الحميد “نجار” بالحي الإفرنجي وأحمد الحصري “حلاق” بشارع الجامع بالإسماعيلية وفؤاد إبراهيم خليل “مكوجي” بالحي الإفرنجي وعبد الرحمن حسب الله “سائق” بشركة القنال وإسماعيل عز “جنايني” بشركة القنال وزكي المغربي “عجلاتي” بشارع السوق بالإسماعيلية.

هؤلاء الستة فاقدي الخلفية العلمية والتعليمية والثقافية والدينية (نجار وحلاق ومكوجي وسائق وجنايني وعجلاتي) كانوا النواة الأولى للجماعة التي وصفها مؤسسها بأنها “دعوة سلفية وطريقة سنّية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية وثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية” ولا أحد يدري كيف لهؤلاء المؤسسون الستة أن يحققوا تلك الأهداف الكبيرة التي تحتاج إلى أهل فكر وعلم ودين وثقافة ؟

ولعل تخصص ومهن هؤلاء الستة يوضح بجلاء هدف حسن البنا من اختيارهم كمؤسسين، فقد أراد أشخاص بلا فهم عميق ولا معرفة واسعة ولا ثقافة متنوعة، كي يتأثروا به وكي يؤثر فيهم وكي يسهل عليه السيطرة على عقولهم والتحكم في إرادتهم والتمكن من قيادتهم وتحديد توجهاتهم وضمان استجابتهم وطاعتهم العمياء له إن أمرهم دون أدنى اعتراض أو مناقشة أو فهم، وقد أصبح معيار الطاعة العمياء (الميت بين يد مغسله) نهج أصيل حتى اليوم يلتزم به كل أعضاء الجماعة وكل من ينضم إليها.

وحسب عقيدة الإخوان المحرفة والمنحرفة والراسخة في وجدانهم، والتي اعتنقوها عن كبيرهم حسن البنا، والتي مفادها “أن أعضاء جماعة الإخوان هم فقط المسلمين وكل من هم خارج جماعتهم كافرون” حتى لو كانوا مسلمون ومؤمنون وموحدون بالله، طبقاً لتلك العقيدة فإنه يحق لأعضاء “جماعة الإخوان” الكذب على غيرهم وتضليلهم ومحاربتهم وقتلهم وتدميرهم من أجل تطهير بلاد العرب والمسلمين بل والعالم من شعوبها الكافرة ومن حكامهم الطواغيت، حتى يتسنى لهم بعد ذلك السيطرة على العالم بأسره، وحسب تعبيري فإن هدفه هو (الإفناء ثم البناء) إفناء العالم ثم بناء الخلافة الإخوانية العالمية.

وهذا يتم عن طريق تكوين تنظيم قوي للإخوان يتبنى رؤية شاملة للإسلام بهدف سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس، عبر استراتيجيتهم المتدرجة التي وضع أسسها حسن البنا، والتي تبدأ بتربية الفرد الإخواني والأسرة الإخوانية والمجتمع المسلم، يعقب ذلك مرحلة الأممية لتحقيق أستاذية العالم عبر إحياء الخلافة الإسلامية، وقد أكد المفكر الثاني للجماعة السيد قطب نفس المعنى لاحقاً فقال “بأن الأمة الإسلامية يجب أن تسود البشرية وتقودها من جديد”.

ولا أعرف كيف لحسن البنا بسيادة العالم عبر إحياء الخلافة الإسلامية وتحقيق ما عجز عنه الأنبياء المؤيدون من الله مع أقوامهم المحدودين عدداً ومكاناً؟ ولا أعرف كيف سيسود الدنيا ويوحدها على الإسلام والاختلاف سنة الله في كونه وفي خلقه، والاختلاف بين الناس سنّة من سنّنه، فالله تعالى يقول: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) وقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ).

ولقد كان البنا حريصاً على إنشاء جناح مسلح للجماعة منذ السنوات الأولى لتأسيسها، فشكل كتائب مسلحة خفية تحت مسمى فرقة الرحلات، الكشافة والجوالة، وبعد ذلك سُمي الجناح المسلح “التنظيم الخاص” وقد تدرب أفراد هذه الكتائب على فنون القتال واستخدام الأسلحة والقنابل، ونفذوا العديد والعديد من جرائم القتل والاغتيالات منها ما عُرف ومنها ما ظل مجهول ولعله بعد هذه الإشارة السريعة جداً لمبتغى حسن البنا وجماعته

وجب علينا الانتباه وعدم الانخداع بمقولات الإخوان المراوغة مثل مقولة (أنه لم يعد هناك إخوان وأنهم قد انتهوا وانفرط عقدهم) ومقولة (إن الإخوان حولك فهل ترى منهم أذى؟) فتلك المقولات باطلة وكاذبة ومُضلِلة، لا يكفون عن إشاعتها وترديدها وترويجها بشدة بين الناس في كل المحافل والمنتديات والمناسبات وفي المصالح والمؤسسات والمدارس والجامعات ووسائل المواصلات والمجالس العامة والخاصة، بهدف الإلهاء والاستعطاف والاسترحام، وصرف الانتباه عنهم وإيهام الناس أن خطرهم قد زال، فيطمئنوا لهم ويركنوا إليهم فلا يشكوا أو يرتابوا في نواياهم وترتيباتهم أثناء سعيهم في هدوء وصبر وروية وخفية إلى إعادة تنظيم صفوفهم ولم شملهم وتجميع قواهم وتوحيد قياداتهم وتنفيذ مخططاتهم وأهدافهم الخبيثة.

ومن المؤسف حقاً أن نجد الكثير من البسطاء والمتعلمين والمثقفين وقد انطلت عليهم الحيلة فيرددون دون انتباه تلك المقولات التي صنعها وصدرها الإخوان وهم يعلمون أنهم أهل مكر وخبث ويعلمون أن عقيدتهم الإخوانية تبيح وتحلل لهم اتباع كافة أساليب الغش والخداع والكذب والتدليس والتلبيس والتضليل والإضلال، الإخوان يهادنون ويبدون الضعف والمسكنة عن عمد ظاهرياً، أما باطناً فهم يؤلبون الناس ضد حكامهم وبلدهم مستخدمين كل الوسائل التي تثير النقمة والسخط والثورة، مستغلين ظروف الكساد والغلاء التي تضرب العالم كله، هم بالفعل يقودون حرباً خفية بطرق ملتوية ضد أعدائهم، وأعدائهم هم كل الناس خارج جماعتهم.

الإخوان “لم ينتهوا” ولكنهم عادوا لسيرتهم الأولى “العمل السري” بعد أن كشفوا عن عوار منهجهم وانحراف فكرهم، وبعد أن أُزاحوا الستار عن إرهابهم ودمويتهم ، وبعد أن تأكد للجميع سعيهم ومسعاهم نحو هدفهم الأسمى الرامي إلى الاستيلاء على الحكم وحيازة السلطة، وهم لن ينتهوا سريعاً كما يشاع، فهم باقون ما بقى فكرهم بلا رادع أو اجتثاث، ولأن القرار ليس بيدهم وحدهم، بل بيد دول أجنبية وعربية، صنعتهم ودعمتهم ومولتهم واستعملتهم كأداة ووسيلة للهدم والتخريب في الوطن العربي.

ومن نافلة القول أن ٩٩% من الإخوان موجودون في أماكنهم وفي وظائفهم وفي شركاتهم، ويمارسون استثماراتهم وتجارتهم بشكل آمن، سواء بواسطتهم أو بمعرفة أشخاص يتم استخدامهم كواجهة يستترون خلفها، حتى الأموال القذرة التي ضُخت إليهم من دول وجهات عدة لاستخدامها في أعمال التخريب وإحداث الفوضى وهدم الدولة لم يمسها السوء، وأغلبها تم استثماره بأسماء بعيدة عن الشبهة في عقارات وأراضي وذهب وأسهم وغيرها من الممتلكات.

وفي الختام أود أن أؤكد أن هناك شريحة ليست بالقليلة من المنتمين إلى جماعة الإخوان من أصحاب النوايا الحسنة والخلق الحميد والأصل الكريم، انضموا إلى الجماعة لأنهم ظنوا بها خيراً، هادفين من وراء هذا الانضمام إلى نصرة الإسلام ورفعة المسلمين، إلا أن الكثير من هؤلاء قد لا يُكشف له عن الوسائل والخطط والأهداف الخفية للجماعة، مما يجعلهم غير مصدقين بل ومنكرين للكثير من الحقائق الصادمة عن الجماعة.


شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

قومى استنيرى

كمال زاخر رغم الصورة الشوهاء التى نراها فى دوائر الحياة الروحية، والمادية ايضاً، بين صفوفنا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.