حازم البهواشي
ليس منا من لم يسمع أو يقرأ قصيدةَ ( الكلمة )، وأشهرُ ما فيها: ( الكلمةُ نور… وبعضُ الكلمات قبور )، حتى وإن لم يعرف أن قائلها الشاعر والأديب “عبد الرحمن الشرقاوي” ( ١٠ نوڤمبر ١٩٢١م _ ٢٤ نوڤمبر ١٩٨٧م ) في مسرحيته ( الحسين ثائرًا / الحسين شهيدًا ) وهو صاحب رواية ( الأرض ) التي تحولت إلى فيلم شهير عام ١٩٧٠م للمخرج يوسف شاهين.
هل حقا يمكن أن تكونَ بعضُ الكلمات قبورًا؟!
الإجابة: نعم؛ من الممكن أن تكون الكلمة قبرًا لقائلها، أو لمن تُقالُ له، ولعلَّ ما أثار ذلك في ذهني، الخبرُ الذي طالعتُه عن وفاة والد عريس بإحدى المحافظات إثر السخرية من وجبات الفرح !! ألهذا الحدّ يكون تأثيرُ الكلمة؟!
ألهذه الدرجة وصلتْ الاستهانةُ بمشاعر الناس عند البعض؟! حدثني صديقٌ لي أن والده قام في ( فرَحه ) بذبح ثلاثة عجول، ومع ذلك خرج بعضُ الناس وهم يقولون: ( دا ماكانوش حتى دابحين رِجل حمار )!!!
رضا الناس غايةٌ لا تُدرك، ورضا الله غايةٌ لا تُترك، فلا يهمنك القيل والقال !!! نعم، الكلمة تحيي وتميت، وجرحها مؤلم، ليس منا إلا من أثَّرتْ فيه كلمة، فبات ليلتَه فرِحًا أو حزينًا، وكانت الليلةُ سعيدةً أو كئيبة، غيَّرتْ مسارَه كلمة، فانطلق من فشلٍ إلى نجاح، أو لم يستطع المقاومة فوقَع في شَرَك الإحباط !! إن أجدادنا دون مدارسَ أو جامعات بشكل مؤسسي _ أخبرونا أن ( الملافظ سعد )، وتفاءلوا بالكلمة، وكان لديهم وعي لمدى تأثيرها، فقالوا عن المريض إنه ( بعافية شوية ) وقالوا عمن فقد إحدى عينيه ( عينه كريمة ).
الكلمة تشرحُك، تُمثلُ عقلَك وأخلاقَك وأدبَك، تُقدِّمُك للناس فتَدْخُلَ قلوبَهم أو يَصُدُّوا عنك، لذلك وردَ عن الإمام
( عليّ ) رضي الله عنه
أنه قال: ( الرجالُ صناديقُ مُغلقة، مفاتيحُها الكلام )، وكلنا يعلم قولَ ( سقراط ) الشهير لأحد تلاميذه، الذي صار مثلًا: ( تكلم حتى أراك ).
ما قال خاتمُ الأنبياء ( الكلمةُ الطيبةُ صدقة ) إلا وهو يعلم مدى تأثيرها في نفوس البشر، فإذا كان المرءُ لن يستطيعَ أن يمنع كلامَ الناس عنه، فليتعود ألا يتأثر بما يقولون، وليُعَوِّد نفسَه ألا يقول ما يجرح أو يؤذي المشاعر.
روتْ كتبُ السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا، فلا تسبُّوا أباه، فإن سبَّ الميت يؤذى الحي، ولا يبلغ الميت ).
أي عظمةٍ تلك يا سيدي يا رسول الله؟!
ومن ذا الذي يبلغ عظمةَ خُلُقِك؟! ألستَ القائلَ حرصًا على المشاعر : ( إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ، حَتّىَ تَخْتَلِطُوا بِالنّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ )؟! ألم تكن حريصًا على أن يُخبرَ المُحبُّ من يُحب؟! فكلمةُ الحُب داعمة، وكلمة المدح ساحرة، وكلمةُ الثناء فاتحة، وكلمةُ الكُره قاتلة، وكلمةُ النقد بغير أصول أو ذوق مؤلمة.
البعض لا يعي مدى تأثير الكلمة الجارحة على النفوس، فلا تستهن بها خاصةً مع الأطفال الذين يختزنونها فتُغلَق قلوبُهم أمام قائلها، يقول أحدُ الصالحين: ( إن الرجلَ ليُحدثني بالحديث فأُنصِتُ له كأن لم أسمعه قط وقد سمعتُه قبل أن يُولد ).
إن الأفضل بين الناس مَن سلِم الناسُ من لسانِه قبل يده، فأذى اللسان أكبر وأعمق من أذى اليد، فإن لم تجبُر الخاطر فاجبُر القلب، وإذا لم تُلبِّ الحاجة فلا ترُدّ السائلَ إلا بميسورٍ من القول، قُل خيرًا أو اصمُتْ.
حقيقي أصبت 👌 الكلمة ممكن ان تكون داعمة أو هادمة. .وقد اثرت أيضا في جبر الخواطر . وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم في قوله بأن الكلمة الطيبة صدقة . ربنا يجعلنا من جابري الخواطر وياريت ناخد بالنا من كلامنا دايما