السبت , ديسمبر 21 2024
مدحت عدلي

قراءة فى سيرة الأنبا بولا أول السواح : وهى جزء من كتاب تحت الإعداد

مدحت عدلى

{كان لهذا القديس أخ أكبر اسمه بطرس وقد ورثا عن أبيهما ثروة طائلة وأراد بطرس أن يأخذ ثلثى الميراث ويعطى لأخيه الثلث فرفض أخوه هذا الظلم وطلب أن يذهبا إلى القاضى وكان عمره حينئذ خمسة عشر عاماً.

وفى الطريق إلى القاضى وجدا جنازة كبيرة فسأل بولس (أنبا بولا) عن هذا الميت الذى يودعه وينوح عليه الكثيرون هكذا فعلم أنه كان رجلاً غنياً جداً وها هم يُخرجونه اليوم من العالم تاركاً كل ممتلكاته كما أنه مات غارقاً فى خطاياه.

فلما سمع بولس ذلك انتبه إلى نفسه وانكشفت له حقيقة العالم فصار أمامه كلا شىء فقال لأخيه “ارجع بنا يا أخى” فتعجّب أخوه وبينما هما فى طريق رجوعهما إلى البيت توارى بولس عن أخيه ولم يعلم كيف اختفى فأرسل بطرس منادياً ينادى عليه ثلاثة أيام فى المدينة ولم يجده فمزّق ثيابه وحزن عليه زماناً طويلاً.

أما بولس فقد وجد مقبرةً فى غربى المدينة فأقام فيها ثلاثة أيام يصلى بتضرع إلى الله وفى اليوم الرابع أرسل الله إليه ملاكاً مضى معه إلى موضعٍ فيه عين ماء وبقربها نخلة.

وهناك وجد مغارةً عاش فيها وصنع لنفسه ثوباً من الليف وانفرد هناك حتى اليوم الذى سلَّم فيه روحه بيد الرب إذ إنه طلب من الرب أن يخلِّصه من يد العدو فى هذا المكان المقفر ويقوِّيه حتى يكمِّل سعيه مرضيَّاً أمامه إلى اليوم الذى يقف فيه بين يديه.

وقيل أن أنبا بولا عاش حياة سماوية على الأرض لمدة ثمانين سنة. ولما اقتربت نهاية حياته على الأرض كان فى ذلك الوقت القديس أنبا أنطونيوس فى سن التسعين يعيش فى نفس البرية وخطر له يوماً أنه أول من سكن البرية فأتاه صوتٌ من السماء قائلاً “هوذا واحد يسكن فى البرية وهو مختارٌ بالأكثر وهذا العالم كله لا يستحق موطىء إحدى قدميه ولأجله يبارك الله الأرض فتعطى ثمرها” فلما سمع أنبا أنطونيوس ذلك قال “حىٌّ هو إلهى ومبارك إننى لا أرجع حتى أنظر هذا القديس”.

اعتمد الأب الوقور على الرب وقام فى شيخوخته هذه وسار متوكئاً على عكّازه دون أن يعلم إلى أين يذهب ولكنه توغل فى الجبل نحو المشرق

وعند غروب الشمس رأى على الأرض أثر إنسان (جُرَّة القدمين) مع آثار وحوش كثيرة فقال “الآن علمت أن الرب لم يترك عبده” وسار على أثر القديس حتى وصل إلى مغارة الشيخ الطوباوى وعند بابها سمع القديس بولا يصلى ثم لما سمع حركة إنسان دحرج حجراً كبيراً على باب المغارة ولكن أنبا أنطونيوس ارتمى على الأرض عند الباب قائلاً “أنت تعرف مَن أنا ومِن أين ولماذا أتيت! وأنا لست مستحقاً أن أتطلّع إليك إلا أننى إن لم أرَكَ فلن أرجع أبداً. ها أنت تستضيف الوحوش فلماذا لا تستضيف إنساناً؟!

لقد سألتُ فأُعطى لى طلبتُ فوجدتُ وها أنا أقرع لعله يُفتحُ لى ولكننى إن لم أفلح فسأموت هنا على عتبة مسكنك وحينئذ لا أشك أنك ستدفننى” فأجاب القديس من الداخل “لا يجب على السائل أن يُلحَّ فى طلب الأمور التى يسعى إليها ولا يضيق صدره” ثم فتح له وقبلا بعضهما بعضاً وصليا وجلسا فسأله أنبا أنطونيوس عن اسمه فأجابه الطوباوى “إن كنت لا تعرف اسمى فلماذا تُتعب نفسك بالسير فى هذه البرية؟” فاغتبط أنبا أنطونيوس وقال “طوبى لى إذ استحققتُ أن أبصر بولس الثانى” فسأله الطوباوى “هل الأمور فى العالم تجرى على ما يرام؟” فقال له “نعم”

ثم سأله أنبا أنطونيوس “عرِّفنى يا أبى هل سيكثر هذا الإسكيم على الأرض أم لا؟” فابتسم الطوباوى ثم تنهَّد وقال “إن هذه الجبال ستُعمَّر مثل أبراج الحمام ويجمع الله مختاريه من كل موضع ويفرحون كما هو مكتوب وينقلهم الله قبل الغضب ثم يقوم بعدهم جيلٌ لا يطيع لمن يسهرون على نفوسهم حينئذ يغضب الله بسبب العصيان وتصبح الجبال خراباً لمدة من الزمن لكن تذكار القديسين لا ينقضى وقد يتخلون عنه ويقولون ليس فى هذا خيرٌ

وقد يتركون الإسكيم عنهم والتعبُّد ويرجعون إلى الوراء لأنهم لم يذوقوا حلاوة محبة الله ولم يصبروا لها لأنه مكتوب إنه “بصبركم تقتنون أنفسكم”(لوقا 21 : 19) وهكذا يجولون فى المدن ويخرجون من وسط حظيرة الخراف ويدفعون ذواتهم للذئاب ويتركون مواضع تسبيح الله ويقيمون فى المواضع التى لا ينبغى ذكرها ويحبونها ويسكنونها لأنهم لا يقبلون تعاليم آبائهم فقوم يكرمونهم وقوم يعثرون لضعف حكمتهم ومعرفتهم

لكن الله يضع فى قلوب قوم آخرين أن يسكنوا فى الجبال دفعةً أخرى ويدوسون الشيطان تحت أقدامهم ويشنُّون الحرب الروحية ضده ويجاهدون فيأخذون أكاليل الغلبة والانتصار” وبينما كان القديسان يتحدثان إذ بغرابٍ قد جاء وفى فمه خبزة وضعها عند باب المغارة فقال أنبا بولا “الآن علمتُ أنك من جنود المسيح لأن لى هنا اليوم ثمانين سنة وفى كل يوم يأتينى غرابٌ بنصف خبزة وها هو اليوم يأتينا بخبزة كاملة لكلينا لسدِّ حاجة الجسد الذى هو كالفرس إذا أشبعته لا يمكنك أن تكبح جماحه وإذا تركته بلا طعام لا يقدر أن يعمل ما يجب أن يعمله”

ثم قال أنبا أنطونيوس لأنبا بولا “مباركةٌ هى الساعة التى فيها استحققتُ أن أرى وجهك يا أبى القديس” فقال له أنبا بولا “لقد عرفتُ منذ مدة – أيها الأخ – أنك تقيم فى تلك المنطقة وقد وعدنى الله منذ مدة طويلة أن تصير لى زميلاً فى الخدمة ولكن زمان رقادى الآن قد صار وشيكاً لقد اشتقت منذ زمان أن أنحلّ وأكون مع المسيح وقد انتهى سعيى وهناك قد أُعدَّ لى إكليل البر لذلك فقد أرسلك الرب لكى تثوى جسدى المسكين فى الأرض نعم ليعود التراب إلى تراب” فلما سمع أنبا أنطونيوس ذلك بكى

وقال “يا أبى إننى لم أشبع من الوجود فى حضرتك أتوسّل إليك ألا تتركنى بل خذنى معك” فأجابه أنبا بولا “لا تبحث عن ما هو صالحٌ لك بل عن صالح غيرك إنه صالحٌ لك أن تطرح ثقل هذا الجسد وتتبع حمل الله ولكن من الصالح لبقية الإخوة أن يقتدوا بك والآن اذهب إلى مسكنك واحضر الحُلّة التى أعطاها لك الأسقف أثناسيوس لتكفِّن بها جسدى” فتعجَّب أنبا أنطونيوس من كلامه عن حُلّة البطريرك وكيف علم بها وآمن أنه تكلم بروح النبوة ثم حثّه أنبا بولا قائلاً “أسرع ولا تقف بل امضِ سريعاً لأن زمان انحلالى قد قرب وهكذا الأمر هو محتومٌ على كل الناس”.

سار أنبا أنطونيوس فى الجبل يومين حتى بلغ مسكنه ثم أخذ حلة البطريرك وخرج ومعه كسرة خبز

عاد أنبا أنطونيوس من نفس الطريق التى جاء منها مشتاقاً إلى رؤية أنبا بولا قبل أن يسلّم روحه للمسيح ولكنه فى طريقه رأى جماعة ملائكة وفى وسطهم القديس بولا وهم يصعدون به ويسبحون قائلين وفى الحال سقط أنبا أنطونيوس على وجهه وألقى بالرمال على رأسه باكياً نائحاً ولما وصل إلى مغارة القديس وجده ساجداً ويداه مبسوطتان كالصليب فسجد مثله بجانبه ظاناً أنه حىٌّ فلما مضى وقتٌ ولم يسمع له صوتاً ولا تنهدات علم أن هذا هو الجسد فقط فارتمى عليه باكياً وبسط الجسد قائلاً “يا أبى اذكرنى فى المساكن العلوية التى ذهبتَ إليها” ثم كفَّن الجسد ولفّه بحلة البابا أثناسيوس

كما طلب القديس وأثناء ذلك كان يرتّل التسابيح والمزامير حسب التقليد ثم جلس يفكّر كيف يدفنه لأنه لم يتذكر أن يُحضر معه ما يحفر به الأرض وقال فى نفسه “ماذا أفعل؟ لا أقدر أن أمضى وأتركه”

وبينما هو يفكّر إذ بأسدين قد دخلا المغارة وسجدا عند جسد القديس فقلق أنبا أنطونيوس من منظرهما

ولكنه لما رفع أفكاره إلى الله زال منه الخوف ثم ظلا يلعقان قدميه كأنهما يسألان أين يحفران

فعلم الشيخ إشارتهما وهما يومئان إليه بأرجلهما فقام وقاس طول الجسد وحدد لهما الأرض

داخل المغارة فحفر الأسدان أحدهما عند الرأس والآخر عند الرجلين حتى أتما حفر المقبرة التى تسع

جسد القديس تماماً فأشار إليهما بأن يكفّا فطلع كل منهما من الحفرة وسجدا برأسيهما أمام

أنبا أنطونيوس كأنهما يستأذنان ثم خرجا.

ثم حمل أنبا أنطونيوس جسدالقديس بولا وأودعه فى القبر وغطاه بالرمال وقبل أن يرحل أخذ معه

فراش القديس والثوب الليف الذى كان عليه ووضع علامةً على موضع دفن الجسد ولما عاد قصَّ

كل شىءٍ على تلاميذه.

ثم سافر أنبا أنطونيوس إلى الإسكندرية وقابل البابا القديس أثناسيوس الرسولى وعرّفه بجميع

هذه الأمور ثم أعطى للبطريرك الثوب الليف الذى تركه الطوباوى بولا وظل البابا يلبسه ثلاث مرات

فى السنة أعياد الغطاس والقيامة والعنصرة.

ثم أرسل البابا أنبا أنطونيوس ومعه كهنة ليحملوا إليه جسد أنبا بولا لكى يضعه بجوار القديس أنيانوس

الذى خلف مار مرقس على كرسى الإسكندرية فلما ذهبوا إلى الموضع الذى دُفن فيه أنبا بولا

ظلوا يبحثون عنه فى الجبل لمدة يومين فلم يجدوه.

وظهرت للبابا أثناسيوس رؤيا يقول له فيها القديس أنبا بولا “أرجع الرجال الذين أرسلتهم

فليست إرادة الله أن يرى جسدى أحدٌ من الناس” فأرسل البابا ناسكاً اسمه أولوجيوس الذى اقتفى أثرهم

فى الجبل وأخبرهم بكلام البطريرك فرجعوا إلى المدينة متعجبين مما كان.

وكتب البابا أثناسيوس سيرة القديس بولا ووضعها فى كنيسة الإسكندرية فكانت تُقرأ

لكل من يريد الرهبنة لكى يمتلىء غيرةً. وقال القديس أثناسيوس “كان بمدينة الإسكندرية صبىٌّ يُدعى ألادنس

مرض ومات وصدِّقونى أيها الشعب المحب لله إنى أنا أثناسيوس أخذتُ الثوب الليف الذى للقديس أنبا بولا

ووضعتُه عليه فقام فى الحال وإن شهادة اثنين أو ثلاثة هى حق : أنا أثناسيوس أشهد أنى أبصرتُ هذا برؤيا العين.

أنا ألكسندروس الأسقف أشهد بصحة هذا القول.

أنا أنطونى أول القسوس أشهد أيضاً بهذه المعجزة”وقد روى القديس إيرونيموس (ﭼيروم)

سيرة أنبا بولا}فردوس الآباء بستان الرهبان الموسع – صفحة 27/31ويوضح عزيز سوريال عطية فى

الموسوعة القبطية أن القديس ﭼيروم كتب سيرة الأنبا بولا سنة 375/376م قائلاً

{يوضح ﭼيروم المعاناة التى تحملها المسيحيون.

فى هذا الوقت عاش بولا وأخته المتزوجة فى طيبة وفقدا والديهما.

فكر زوج أخته أن يفشى سره للمضطهدين لكى يحصل على ميراثه.

هرب بولا إلى الصحراء واتّخذ مسكنه فى كهفٍ كان مُظللاً بشجرة زيتون ومفروشاً بورق الشجرة.

الشجرة زودته بالغذاء والملبس والفرش والمياه العذبة.

وعندما وصل سن بولا إلى 113 سنة كُشف للقديس أنطونيوس الذى كان سنه وقتها 90 سنة

أنه يجب أن يزور راهباً أفضل منه يعيش فى الصحراء الداخلية.

بدأ رحلته وقنطور وضح له الطريق ووحش أسطورى آخر وأحد الألهة الأسطورية احضر له الغذاء

وتحدّث معه. وفى النهاية اتّبع أنثى الذئب التى اختفت داخل كهف فوصل لمسكن بولا ورحب به.

هم تغيّروا وتغذيا بمعجزة بواسطة غراب. بعد قضاء الليل فى سهر أخبر بولا أنطونيوس أنه سيموت وأن أنطونيوس سيدفنه. كان على أنطونيوس أن يجلب العباءة التى أعطاها له أثناسيوس ليكفِّن بها جسد بولا.

لذا عاد أنطونيوس من أجل العباءة ومرة أخرى بدأ الرحلة الشاقة لكهف بولا.

وقبل وصول غايته رأى رؤية بصعود بولا إلى السماء ووصل ليجد جسده فى وضع المصلى. ووصل أسدان للمساعدة فى حفر القبر وكفّن أنطونيوس بولا.

آخذاً سترة بولا وعاد إلى صومعته.

يختم جيروم قصته بمديح بولا ونصائح لقرائه ليحتذوا به}The Coptic Encyclopedia – Volume VI (6) – Page 1926 وقد ذكرت الموسوعة الكاثوليكية عدد النسخ التى دونت سيرة الأنبا بولا قائلةً :{يوجد ثلاث نسخ هامة لحياة القديس بولا :

(1) نسخة لاتينية “H” للقديس ﭼيروم.(2) نسخة يونانية “b” أقصر من النسخة اللاتينية.(3) نسخة يونانية “a” التى هى إما ترجمة لـ “H” أو تكبير لـ “b” عن طريق “H”}The Catholic Encyclopedia – Volume XI (11) – Page 590 سنسرد القصة فى خمس عشرة نقطة محددة لسهولة قراءتها قراءةً كتابية نقدية لا بستانية هوائية :

النقطة الأولى

دافع الرهبنة قصة الميراث ورؤية الميت وما أشبهها بدافع الأنبا أنطونيوس الآتى ذكره.

فإن كان بطرس قد أراد أن يأخذ ثلثى الميراث ويعطى لأخيه بولا الثلث فقط ألم يكن من الأفضل أن يأخذ هذا الثلث عوضاً عن تركه لأخيه الطماع وينفقه فى مساعدة المحتاجين؟!!!

النقطة الثانية

كيف للأنبا بولا أن يدين هذا الميت قائلاً إنه “مات غارقاً فى خطاياه” وذلك مخالفةً لقول الكتاب :{لا تدينوا لكى لا تدانوا}(متى 7 : 1){ولا تدينوا فلا تدانوا}(لوقا 6 : 37)رغم وجود إشارة تدل على صلاح الميت وهى قوله “يودعه وينوح عليه الكثيرون”.

النقطة الثالثة

صوتٌ من السماء قائلاً عن الأنبا بولا “العالم كله لا يستحق موطىء إحدى قدميه” وهذا الكلام هو العجب العجاب إذ يضع الراهب فى منزلة أعلى من منزلة الله فكيف للأرض التى استحقت موطىء قدمى المسيح ألّا تستحق موطىء إحدى قدمى الراهب؟!!!

إضافةً إلى صراحة قول الرب بأن الأرض موطىء قدميه :{السماوات كرسيى والأرض موطىء قدمى}(إشعياء 66 : 1){السماء كرسى لى والأرض موطىء لقدمى}(أعمال الرسل 7 : 49)وقد نهانا المسيح عن الحلف بالأرض لكونها موطىء قدمى الله قائلاً :{لا تحلفوا البتة لا بالسماء لأنها كرسى الله ولا بالأرض لأنها موطىء قدميه}

(متى 5 : 34/35) فكيف للأرض المقدسة التى نهانا المسيح عن الحلف بها لكونها موطىء قدمى الله ألَّا تستحق موطىء إحدى قدمى الراهب؟!!! فضلاً عن أن الإنسان النقى قبل السقوط كان يحيا على الأرض فى جنة عدن.

وقد أوضح الأب متى المسكين فى تفسيره للعبرانيين قائلاً :{قد أرسلهم الله إلى العالم

ولكن لأن العالم أهانهم ورذلهم وآذاهم فى أجسادهم ونفوسهم ورفض السماع لهم ثم قتلهم فقد أثبت العالم أنه مستحق للدينونة وأنه فعلاً غير مستحق لهم} تفسير رسالة العبرانيين للأب متى المسكين – صفحة 693

وقد جاء مثل هذا المعنى فى بعض التفسيرات مثل تفسير القس أنطونيوس فكرى وتفسير الكنز الجليل ولكنّا لا نستطيع قبول هذا التفسير لأننا لو أخذنا به لمَ استحق بشرُ العالم بما فيهم بولس الرسول استفانوسَ لأنه شهد رجم استفانوس ورضى بقتله كما أنه كان يسطو على الكنيسة ويدخل البيوت ويجر الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات إلى السجن :{وأخرجوه خارج المدينة ورجموه والشهود خلعوا ثيابهم عند رجلى شاب يقال له شاول

وكان شاول راضياً بقتله وحدث فى ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التى فى أورشليم فتشتت الجميع فى كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل وحمل رجال أتقياء استفانوس وعملوا عليه مناحة عظيمة وأما شاول فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالاً ونساءً ويسلمهم إلى السجن}(أعمال الرسل 7 : 58 / 8 : 3)

وأيضاً لمَ استحق بشر العالم تجسد الله فى المسيح لأنهم صلبوه ولكن العالم استحق إذ تم التجسد ليس لقداسة البشر بل لمحبة الله والعالم الذى استحق المسيح القدوس حتماً يكون مستحقاً لأى إنسان مهما عَلَت قداسته لأنه لا يوجد إنسان مهما عَلَت قداسته يعلو المسيح قداسةً.

أما إن تذرَّعَ متذرِّعٌ بالعبارة الكتابية الواردة فى رسالة العبرانيين التى تقول :{وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم …}(رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 11 : 38)

فله نقول شتان الفارق بين العبارة الكتابية والعبارة البستانية فالعالم فى العبارة الكتابية كما أوضحنا سابقاً له معنيان أحدهما إيجابى بمعنى بشر العالم وهو المعنى الذى يُمدح والآخر سلبى بمعنى شهوات العالم

وهو المعنى الذى يُقدح وعلى هذا النحو يكون معنى العالم فى آية العبرانيين هو المعنى الذى يُقدح أى شهوات العالم فيكون المعنى :العالم لم يكن مستحقاً لهمشهوات العالم لم تكن مستحقةً لهمأى أن شهوات العالم لم تكن مستحقةً شيئاً بالنسبة لهم أى أن شهوات العالم ليست ذات قيمة بالنسبة لهم.

وأما إن تمسَّكَ متمسِّكٌ بمعنى أن بشر العالم لم يكن مستحقاً لهم لشر العالم وقداستهم فقد أوضحنا علّة رفضنا لهذا المعنى.

وبعد ذلك لا يتبقّى لنا إلا أن نقول لكلٍ من المتذرِّع والمتمسِّك أن العالم فى العبارة البستانية لا تعنى البشر بل تعنى الأرض التى تُداس بأرجل الناس ودليل ذلك قوله “مؤطىء إحدى قدميه” فمن المستحيل أن يكون البشر هم موطىء قدمى الراهب بل الأرض وبذلك يتضح أن العبارة البستانية بعيدةٌ كل البعد عن العبارة الكتابية.

النقطة الرابعة

سأل الأنبا بولا الأنبا أنطونيوس عن أحوال العالم قائلاً “هل الأمور فى العالم تجرى على ما يرام؟” فقال له “نعم” وهذا كلامٌ بيِّنٌ عدم صحته لكل ذى عقل مدقق وبيان ذلك أن

الأنبا بولا عاش 115 سنة (228 – 343)م والأنبا أنطونيوس عاش 105 سنة (251 – 356)م

وحيث أن الأنبا أنطونيوس كان عمره 90 سنة حين قابل الأنبا بولا الذى كان عمره 113 سنة وفق ما ذكر القديس جيروم فمن المفترض أن يكون هذا الكلام قد تم حوالى سنة 341م.

وفى هذه الفترة كان البابا أثناسيوس الرسولى منفياً عن كرسيه لمدة سبع سنين (339 – 346)م

وقد عُزل عن كرسيه وأُقيم إغريغوريوس الكبادوكى الأريوسى أسقفاً للإسكندرية عوضاً عن أثناسيوس الرسولى عنوةً بقوةٍ عسكرية قوامها 500 فارس وقد انتشر الأريوسيون فى كل مكان ونهبوا آنية البيعة وأفسدوا العذارى اللائى كن فيها وقتلوا الناس حتى صارت الدماء فى البيعة كالماء الجارى إلى الركب وأقام الناس زماناً طويلاً يتقربون فى المغاير والبرارى والحقول.

مصادر الكتب

تاريخ البطاركة للأنبا ساويرس – إعداد الأنبا صموئيل – جزء 1 – صفحة 50 تاريخ البطاركة للأنبا يوساب – إعداد ميخائيل مكسى إسكندر – صفحة 40 تاريخ البطاركة للأنبا يوساب – إعداد الراهب القس صموئيل السريانى – صفحة 28 القديس أثناسيوس الرسولى للأب متى المسكين – صفحة 143 ، 146/149 ، 804/805 ، 808 ، 823/825 وربما اختلط أمر الترتيب الزمنى بين إغريغوريوس الكبادوكى وجرجيوس فذكر الأب متى المسكين إغريغوريوس أولاً ثم جرجيوس

ثانياً بينما ذكر تاريخ البطاركة جرجيوس أولاً ثم إغريغوريوس ثانياً ولكنهما اتفقا على أن من فعل هذه الأفعال التى فُعلت قد دخل الإسكندرية عنوةً بمساعدة 500 فارس.

فكيف للأنبا أنطونيوس أن يجيب على سؤال الأنبا بولا مقراً بأن الأمور فى العالم تجرى على ما يرام فى إطار هذه الكوارث الجسام التى لا تُرام.

النقطة الخامسة

سأل الأنبا أنطونيوس الأنبا بولا عن الرهبنة قائلاً “عرِّفنى يا أبى هل سيكثر هذا الإسكيم على الأرض أم لا؟” فابتسم الطوباوى ثم تنهَّد وقال “إن هذه الجبال ستُعمَّر مثل أبراج الحمام ويجمع الله مختاريه من كل موضع”وهذا سؤال غريب لأنه لم يسأل عن الكتاب المقدس ولا عن ازدياد المؤمنين بالمسيح فى العالم بل سأل عن ازدياد الرهبان فى البرارى وهذا سؤال غريب

ولكن الأغرب من السؤال جوابه لأنه أجابه بأن الله سوف يجمع مختاريه من كل موضع فى العالم ليسكنوا البرارى وهذا تكريس لفكرة أن العيش فى البرارى هو العيش المختار فى المكان المختار من قبل الله وبعد أن بيّنا خطأ فكرة العيش فى البرارى المقفرة يحق لنا أن نستنكر كلًّ من السؤال وجوابه.

النقطة السادسة

نبوة الأنبا بولا عن خراب أديرة البرارى بعد عمرانها قائلاً “وقد يتركون الإسكيم عنهم والتعبُّد ويرجعون إلى الوراء لأنهم لم يذوقوا حلاوة محبة الله

وهكذا يجولون فى المدن ويخرجون من وسط حظيرة الخراف ويدفعون ذواتهم للذئاب ويتركون مواضع تسبيح الله ويقيمون فى المواضع التى لا ينبغى ذكرها ويحبونها ويسكنونها لأنهم لا يقبلون تعاليم آبائهم فقوم يكرمونهم وقوم يعثرون لضعف حكمتهم ومعرفتهم لكن الله يضع فى قلوب قوم آخرين أن يسكنوا فى الجبال دفعةً أخرى

ويدوسون الشيطان تحت أقدامهم ويشنُّون الحرب الروحية ضده ويجاهدون فيأخذون أكاليل الغلبة والانتصار”وهذا تكريس لفكرة الضدية بين العالم والبرية فالعالم هو ترك إسكيم الرهبنة وترك التعبد وترك مواضع تسبيح الله

وترك تعاليم الآباء وعدم تذوق محبة الله والسكن فى المدن خارج حظيرة الخراف حيث الذئاب والتجول فيها بينما البرية هى ارتداء إسكيم الرهبنة والتعبد ومواضع تسبيح الله وتنفيذ تعاليم الآباء وتذوق محبة الله والسكن فى حظيرة الخراف وترك المدن حيث الذئاب وعدم التجول فيها.

والمقصود بتعاليم الآباء هنا هى تعاليم الآباء الرهبان لا الآباء الرسل لأن الأباء الرسل لم يعلموا بالرهبنة بل كانوا يتجولون فى المدن ولا حتى الآباء الرسوليين ولا كل آباء القرون الثلاثة الأوَل قبل ظهور الرهبنة.

النقطة السابعة

حكى بستان الرهبان عن قيادة الملاك للأنبا بولا إلى المغارة التى يسكنها قائلاً “أرسل الله إليه ملاكاً مضى معه إلى موضعٍ فيه عين ماء وبقربها نخلة”وهذا تكريس لفكرة أن البرارى هى الموضع المختار من قِبَل الله رغم أن الله لم يختر البرارى بل أحب العالم وبذل ذاته لأجلنا وأيضاً الرسل لم يختاروا البرارى بل جالوا فى المدن وأيضاً كل آباء القرون الثلاثة الأوَل قبل ظهور الرهبنة لم يختاروا البرارى حتى أنه يمكننا القول بأن البرية ليست موضع مُختار بل موضع عقوبة واضطرار إذ كانت فترة سكن اليهود فى البرية تيهاً أثناء رحلة الخروج عقوبة من الله لا اختيار بينما اختيار الله لهم كان أرضاً تفيض لبناً وعسلاً.وبعد أن بيّنا أن الله لم يختر البرارى يحق لنا أن نسأل عن كنه هذا الملاك؟!!!

النقطة الثامنة

يحكى الأنبا بولا للأنبا أنطونيوس قصة الغراب الذى يأتيه بالخبز قائلاً “فى كل يوم يأتينى غرابٌ بنصف خبزة وها هو اليوم يأتينا بخبزة كاملة لكلينا”وهذه القصة مأخوذة من قصة إيليا النبى الواردة بسفر الملوك الأول :

{وقال إيليا التشبى من مستوطنى جلعاد لآخاب حىٌّ هو الرب إله إسرائيل الذى وقفت أمامه إنه لا يكون طلٌّ ولا مطرٌ فى هذه السنين إلا عند قولى وكان كلام الرب له قائلاً انطلق من هنا واتجه نحو المشرق واختبىء عند نهر كريث الذى هو مقابل الأردن فتشرب من النهر وقد أمرت الغربان أن تعولك هناك فانطلق وعمل حسب كلام الرب .

وكانت الغربان تأتى إليه بخبز ولحم صباحاً وبخبز ولحم مساءً وكان يشرب من النهر} (ملوك أول 17 : 1/6) وبذلك يتضح أن قصة غراب الأنبا بولا مأخوذة من قصة غراب إيليا النبى ولكن قصة غراب الأنبا بولا تكرس لفكر الرهبنة القائم على طعام البقوليات ورفض اللحوم فيأتيه غرابه بنصف خبزة فقط يومياً بينما إيليا النبى يأتيه غرابه بخبز ولحم صباحاً وخبز ولحم مساءً.

أما بخصوص أن الله أمر الأنبا بولا بالسكن فى البرية بجوار عين ماء فإن الله لم يأمر إيليا النبى بالسكن فى البرية بل أمره بالسكن بجوار نهرٍ فضلاً عن أننا نكتفى بما قدمناه فى باب شبهات الآيات لنفى الرهبنة عن إيليا النبى إذ أن ذهابه إلى البرية كان اضطراراً لا اختياراً.

النقطة التاسعة

عندما زار الأنبا أنطونيوس الأنبا بولا دحرج حجراً كبيراً على باب المغارة ولكن أنبا أنطونيوس ارتمى على الأرض عند الباب قائلاً “أنت تعرف مَن أنا ومِن أين ولماذا أتيت!” ولم ينفِ الأنبا بولا معرفته بل أقرّها قائلاً “قد وعدنى الله منذ مدة طويلة أن تصير لى زميلاً

فقد أرسلك الرب لكى تثوى جسدى المسكين فى الأرض” ورغم ذلك لم يفتح له إلا بعد إلحاحٍ شديد

بأنه سيبقى على عتبة المغارة حتى يموت إن لم يفتح له فرد عليه الأنبا بولا قائلاً لا يجب

على السائل أن يُلحَّ فى طلب الأمور التى يسعى إليها” ولست أدرى كيف يعلم الأنبا بولا بخبر

إرسال الرب الأنبا أنطونيوس له ورغم ذلك يغلق باب المغارة فى وجهه

ولا يريد أن يفتح له رغم إلحاحه الذى طلب منه ألا يلحّه.

النقطة العاشرة

حينما أخبر الأنبا بولا الأنبا أنطونيوس بأن الرب أرسله ليدفنه بكى وطلب منه قائلاً

“يا أبى إننى لم أشبع من الوجود فى حضرتك أتوسّل إليك ألا تتركنى بل خذنى معك”

وهذا طلبٌ عجيب إذ من المفترض أنه يطلب من الأنبا بولا أن يأخذه معه

ولكن ليس ليشبع من الوجود فى حضرته بل ليتمتع بالوجود فى حضرة الله التى تغنيه عمن سواه

فهذا الكلام يُفهم من طياته أن الرغبة فى البقاء مع رهبان البرية تفوق الرغبة فى البقاء مع المسيح

تلميحاً وإن لم يكن تصريحاً.

ولكن الأعجب من طلب الأنبا أنطونيوس هو جواب الأنبا بولا قائلاً “لا تبحث عن ما هو صالحٌ لك بل عن صالح غيرك

ولكن من الصالح لبقية الإخوة أن يقتدوا بك” فبالرغم من أن هذا الجواب يتوافق مع قول الكتاب :{فإنى محصور من الاثنين لى اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً ولكن أن أبقى فى الجسد ألزم من أجلكم فإذ أنا واثق بهذا أعلم أنى أمكث وأبقى مع جميعكم لأجل تقدمكم وفرحكم فى الإيمان لكى يزداد افتخاركم فى المسيح يسوع فىَّ بواسطة حضورى أيضاً عندكم}(رسالة بولس الرسول إلى فيلبى 1 : 23/26)

إلا أننا لا نجد صدىً لهذا الجواب فى حياة الأنبا بولا فبولس الرسول آثر البقاء فى الجسد عن الانطلاق إلى المسيح من أجل الرعية بينما الأنبا بولا ترك الرعية وهرب للبرية فكان جوابه موافقاً للكتاب المقدس وفعله مجافياً للكتاب المقدس. فكيف له أن يطلب من الأنبا أنطونيوس ما لم يفعله؟!!!

النقطة الحادية عشرة

طلب الأنبا بولا من الأنبا أنطونيوس الحُلّة التى أعطاها له البابا أثناسيوس قائلاً “احضر الحُلّة التى أعطاها لك الأسقف أثناسيوس لتكفِّن بها جسدى” فأحضرها وكفّنه بها كما طلب.

ثم أخذ ثوب الأنبا بولا الليف وسافر إلى الإسكندرية وأعطاه للبابا أثناسيوس الرسولى “وظل البابا يلبسه ثلاث مرات فى السنة أعياد الغطاس والقيامة والعنصرة”ومن سيرة الأنبا أنطونيوس التالى ذكره يتضح أن الأنبا أنطونيوس قد ترك وحدته ونزل إلى الإسكندرية مرتين فقط مرة أثناء رئاسة الأنبا أرشيلاوس ومرة أثناء رئاسة البابا أثناسيوس الرسولى.

مصادر الكتب

سيرة حياة القديس أنطونيوس – بولين تدرى أسعد – صفحة 3وقد كان تاريخ زيارته الإسكندرية أثناء رئاسة البابا أثناسيوس الرسولى سنة 338م. القديس أثناسيوس الرسولى للأب متى المسكين – صفحة 804سيرة حياة القديس أنطونيوس – بولين تدرى أسعد – صفحة 136وبذلك من المقبول أن يكون الأنبا أنطونيوس قد أخذ حلة البابا أثناسيوس الرسولى فى سنة 338م وكفّن بها الأنبا بولا.

ولكن من غير المقبول أن يكون الأنبا أنطونيوس قد أعطى البابا أثناسيوس الرسولى ثوب الأنبا بولا الليف ليرتديه فى أعياد الغطاس والقيامة والعنصرة من كل سنة وذلك لثلاثة أسباب :

السبب الأول

إن الأنبا أنطونيوس نزل الإسكندرية فى رئاسة البابا أثناسيوس الرسولى مرة واحدة التى أخذ فيها حلته ولم ينزل مرة ثانية ليعطيه فيها ثوب الأنبا بولا الليف.

السبب الثانى

كتب البابا أثناسيوس الرسولى أحد الثلاثة أبطال فى قصة الحلة والثوب الليف سيرة الأنبا أنطونيوس ثانى الثلاثة ولم يذكر فيها شيئاً عن زيارته للأنبا بولا ثالث الثلاثة مطلقاً وبالتالى لا حلةً ولا ثوباً من ليف.

السبب الثالث

أصل الأعياد الثلاثة الواردة فى القصة البستانية التى كان البابا أثناسيوس الرسولى يلبس فيها الثوب الليف هى أعياد الميلاد والغطاس والقيامة وهذا يبين خطأ القصة البستانية لأنه فى عصر البابا أثناسيوس الرسولى لم يكن عيد الميلاد عيداً مستقلاً بذاته ولذا تدارك طابع البستان هذا الخطأ فصححه بأعياد الغطاس والقيامة والعنصرة وقد أشار إلى ذلك التدارك الراهب القس أثناسيوس المقارى قائلاً : {فى سيرة القديس أنبا أنطونيوس ما يفيد أن الأنبا بولا أول السواح ترك للقديس أنطونيوس عند نياحته ثوب الليف الذى كان يستر به جسده فأخذه الأنبا أنطونيوس وأهداه للبابا أثناسيوس الرسولى فكان البابا يلبسه ثلاث مرات فى السنة فى أعياد الميلاد والغطاس والقيامة

. ولعل الثلاثة أعياد المذكورة هى الغطاس والقيامة والعنصرة لأنه حتى زمن البابا ثاؤفيلس الـ 23 (384 – 412)م يرد فى قوانينه ذكر عيد الإبيفانيا ولم يشر إلى عيد الميلاد كعيد مستقل قائم بذاته}

الميلاد البتولى والظهور الإلهى – صفحة 92/93

النقطة الثانية عشرة

أثناء عودة الأنبا أنطونيوس بحلة البابا أثناسيوس الرسولى ليكفّن بها جسد الأنبا بولا رأى جماعة ملائكة وفى وسطهم القديس بولا وهم يصعدون به ويسبحون وفى الحال سقط الأنبا أنطونيوس على وجهه وألقى بالرمال على رأسه باكياً نائحاً ولما وصل إلى مغارة القديس وجده ساجداً ويداه مبسوطتان كالصليب فسجد مثله بجانبه ظاناً أنه حىٌّ فكيف شك الأنبا أنطونيوس فى رؤية وفاة الأنبا بولا؟!!!

رغم أن البستان به مثل هذه الرؤية دون شك فيها معبرين عنها فى التراث الرهبانى بعبارة “سقط عمود عظيم” فضلاً عن أن بطرس لم يشك فى رؤية الملاءة النازلة من السماء لقبول الأمم وحينما شك فى أثناء حادثة سيره على الماء وصفه يسوع بقليل الإيمان قائلاً :{يا قليل الإيمان لماذا شككت؟}(متى 14 : 31)فهل كان شك الأنبا أنطونيوس مرجعيته قلة الإيمان؟!!!

النقطة الثالثة عشرة

قصة الأسدين اللذين حفرا قبراً لدفن الأنبا بولا سأكتفى تعليقاً عليها بما ورد فى الموسوعة الكاثوليكية :{ليس من المستغرب أن تنتشر قصص لقاء القديس أنطونيوس مع الوحوش الخرافية فى رحلته الغامضة بين الأشخاص الذين ظل إيمانهم بهذه المخلوقات قائماً كمن يؤمن بالجنِّيات حتى يومنا هذا فإن قصص لقاء القديس بولا والقديس أنطونيوس والغراب الذى أحضر لهما خبزاً وإرسال القديس أنطونيوس لجلب عباءةٍ قدمها له الأسقف أثناسيوس ليكفّن بها جسد القديس بولا ووفاة القديس بولا قبل رجوعه والقبر المحفور بواسطة الأسود هى قصص من الأساطير المعروفة للحياة}The Catholic Encyclopedia – Volume XI (11) – Page 591

النقطة الرابعة عشرة

كتب البابا أثناسيوس سيرة القديس بولا ووضعها فى كنيسة الإسكندرية فكانت تُقرأ لكل من يريد الرهبنة لكى يمتلىء غيرةً وقال كان بمدينة الإسكندرية صبىٌّ يُدعى ألادنس مرض ومات فأخذتُ الثوب الليف الذى للقديس أنبا بولا ووضعتُه عليه فقام فى الحال وقد شهد بصحة هذه المعجزة أثناسيوس وألكسندروس الأسقف وأنطونى أول القسوس.

وهذا الكلام انتحل انتحالاً ليضفى على الراهب قداسةً تدفع غيره للسير وراءه اقتفاءً أثره إذ كانت تُقرأ فى كنيسة الإسكندرية لكى يمتلىء الناس غيرةً من قداسة الراهب فيترهبون ولبيان انتحال هذه القصة لكل ذى عقل يكفى أن نطرح سؤالاً واحداً ألا وهو لماذا لم يوضع هذا الثوب الليف على جسد البابا أثناسيوس الرسولى عقب وفاته ليحيا وهو الشخصية الأشهر فى التاريخ المسيحى شرقاً وغرباً؟!!!

فضلاً عن عدم تدوين البابا أثناسيوس الرسولى زيارة الأنبا أنطونيوس للأنبا بولا برمتها عند تدوينه سيرة الأنبا أنطونيوس.

وهنا يحق لنا أنا نسأل من هو كاتب البستان الذى انتحل هذه القصة ونسب صحتها لكلٍ من أثناسيوس وألكسندروس الأسقف وأنطونى أول القسوس؟وكيف نتحقق من صحة باقى قصص البستان؟

النقطة الخامسة عشرة

يوضح البستان أن ذهاب الأنبا بولا للصحراء كان طوعاً نتيجة رؤيته الميت بينما توضح الموسوعة القبطية أن ذهابه للصحراء كان كرهاً نتيجة خوفه من زوج أخته الذى أراد أن يفشى سره للمضطهدين لكى يحصل على ميراثه فهرب إلى الصحراء.وما أبعد الطوع الذى يضفى على الراهب صفة القداسة عن الكَره الذى يضفى على الراهب صفة الجبن والهروب!!!

شاهد أيضاً

الصورة الأولى لمرتكب “حادث دهس ألمانيا” وقرار من السلطات الألمانية

كتبت ـ أمل فرج أعلنت السلطات الألمانية عن إصدار قرار بشأن رواد سوق عيد الميلاد، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.