الجمعة , نوفمبر 22 2024
ناريمان مطر

الاستبداد الشرقى والنهر

ناريمان مطر

يصف الفيلسوف اليوناني أرسطو شعوب الشرق بأنهم : ( ولدوا بطبيعتهم عبيداً) ، فقد خلقوا لخدمة غيرهم، فيقول: ( يتمثل الطغيان بمعناه الدقيق ، في الطغيان الشرقي حيث نجد لدى الشعوب الأسيوية على خلاف الشعوب الأوروبية ” طبيعة العبيد”

وهي لهذا تحتمل حكم الطغاة بغير شكوى أو تذمر )

– أما هيجل الفيلسوف الألماني( ١٧٧٠- ١٨٣١ م) أي أنه أتى بعد أرسطو بأكثر من عشرين قرناً ليقول نفس الكلام تقريباً ويرجع الطغيان في الشرق إلى أن الشرقيين لم يتوصلوا بعد إلى معرفة أن الإنسان حُرّ وأن هناك شخص معين وحده الحُر وهو الحاكم الطاغية، أما بقية الشعب فعبيد له، فالعبودية في الشرق ترجع لانعدام الوعي الذاتي.

فمثلاً تحدث عن الشعب الصيني فقال: ( أن الشعب في الصين ليس لديه عن نفسه إلا أسوأ المشاعر فهو لم يخلق إلا ليجر عربة الإمبراطور وأن هذا قدره المحتوم وسلوكهم اليومي يدل على ضألة الاحترام الذي يكنونه لأنفسهم كأفراد وبشر )

– الى هنا انتهى كلام هيجل وسؤالي: إن كان كلام هيجل عن الصين في وصفه لهم بأنهم عبيد يجرون العربة، فماذا نكون لما نحن عليه الآن، و كم يلزمنا من الزمن لنصل لما وصلت إليه الصين الآن من تقدم واحترامهم لذاتهم، هل مازلنا في مرحلة جر العربة ؟!

حد أنهم يوصفون بأنهم ( المارد الأخضر) الذي يجتاح العالم اقتصادياً وفِي القرن الحادي والعشرين و تحدياته العالمية؟

 وكم نحتاج من التنظيم في دولنا لمنح الحريات للإبداع في شتى المجالات لنكتب تاريخنا الحقيقي بأنفسنا بلا خجل ولا مواربة ولا أكاذيب وعنتريات، لا أن يكتبه لنا الحكام المستبدين أو المحتل الدخيل الغاشم، ناهب الخيرات و الثروات، خصوصاً الثروة البشرية المتمثّلة في تدميره للعقول المفكرة التي دمرتها” ثقافة الهدم و البداوة ” الفارغة من أي نظرة أمل مستقبلية؟! الصينيين أمة المليار والربع لم تخضع لاحتلال ولَم تستعبد تاريخياً للمعبود” السامي” أبناء العم، كما يفتخر العرب ويلتصقون ب ” ساميتهم” بزهو يصل حد الحضيض، ليتحقق فيهم قول التوراة ” وكبير يستعبد لصغير” !

وهو ما يخدم الآن ، فكل الأحداث تتمحور حول هذه النبوءة التي يطبقها أبناء العم بحذافيرها ويستقبلها ويستكين لها العرب بعزة وافتخار غريبان

– أما المفكر الأمريكي- الألماني الأصل ” فيتفوجل – Karl wittfogel ” ” ١٨٩٦- ١٩٨٨م” فقد أصدر كتاباً عام ١٩٥٧ ألفه على مدار ثلاثين عاماً ، عنوانه: ( الاستبداد الشرقي: دراسة مقارنة للسلطة المطلقة) يشرح كيف نشأ الطغيان والعلاقة القوية بين ( الاستبداد الشرقي والنهر) أي وجود النهر في بعض بلدان الشرق والتي تعتمد بدورها على الزراعة و ريّ النهر، لتصير الحكومة أعظم مالك للأرض وذات سلطة مركزية استبدادية في

( أعمال السخرة) ليسديها بقية الشعب لأصحاب السلطة المطلقة في البلاد والتي يمارسها الحاكم على رعاياه، والتي مكنت حكام العراق وبابل ومصر من بناء المعابد والقصور الضخمة والأهرامات وشق القنوات كقناة السويس، ولا تزال هذه المشروعات باقية حتى الآن عن طريق السيطرة الهائلة على أعداد هائلة من الأفراد والأيدي العاملة لتوظيفها لأعمال السخرة فيصير الحاكم كإله، مثل فرعون الذي كأن يُعبد كإله عند الفراعنة. وعندما أتى المحتل المقدوني( الأسكندر الأكبر) عبدوه العامة من المصريين أيضاً كإله! والأحداث تكررت بصورة أكثر فداحة عندما أتى المحتل العربي لم يفعل أغلب المصريين شيئاً سوى أنهم عبدوا معتقداتهم البدوية! وكذلك باقي شعوب الشرق خضعوا لاحتلال السيف إما قطع الرقاب من ( قوم الموت)

كما أسماهم التاريخ، ليعتنقوا ما كان يحمله البدوي المتصحر من معتقدات في جعبته وعادات قبلية غريبة لم يكن يعرفها المصريين وشعوب المنطقة وقتها، حد تقديس فكرهم البدائي، لتصير لهم” السلطة المطلقة المقدسة” التي تعتمد على بث الرعب والترهيب والتخويف بالعقاب تحت مبدأ( إن الأبرياء من البشر القلة !) فالعقاب هو الوسيلة الجوهرية الوحيدة لإنجاح السيطرة وبالتالي إنجاح الدولة !

– فإن كان كلام فيتفوجل هذا على مستوى الفرد والمواطن، فكم وكم على المستوى الدولي؟

فهناك دول تمتلك الموارد الطبيعية( كنهر النيل) مثلاً ، وفِي العراق ( نهر الفرات)

– ولَك أن تتخيل عزيزي القارىء مدى الكارثة عندما يصير سد النهضة، ذلك المشروع الصهيوني طوَّق في أعناق المصريين جميعاً” سلطة وشعب” وكل مدى ما يضيق الخناق على مصر لتركيع الشعب من التنظيمات الخفية العالمية التي تدير سد النهضة لصالحها وأيضاً يديرون ما هو أكبر من سد النهضة من مشروعات اقتصادية عالمية. فالسياسة لا تُدار بالأدعية ولا بقسم اليمين والحِلفان بل بالقانون حتى لو أدى الأمر للتحكيم إلى القانون الدولي. فأصحاب الحق التاريخي لهم كل الحق ليصمدوا في موجهة التحديات الصعبة والمؤامرات.

– أعود ل ” فيتفوجل” الذي يتحدث عن( السلطة المقدسة) التي يضفيها طغاة الشرق على أنفسهم حتى يفلتوا من مساءلة الناس وليكونوا دائماً فوق مستوى المساءلة وفِي وضع( الأعلون) وليتمكنوا من معاقبة الأفراد من عامة الناس

– ليصح أن نقول أننا ” شعوب العصى” منذ أعمال السخرة حيث أن الوكيل أو المشرف على مشروعات الدولة كان يسير بين ” الأنفار” الذين هم ” عمال السخرة” وفِي يده العصى ليضرب المتواني ويجلد المخطيء في عمله أو من لا يدفع الضرائب، لبث الذعر وإرغامهم على الطاعة المطلقة حد أصبحت شعوب المشرق( مفعول بها )!

– والسؤال: هل جميع الدول التي تعتمد على النهر في الزراعة أدى هذا النهر إلى نقمتهم في خلق حكومات إستبدادية ؟! .

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

قومى استنيرى

كمال زاخر رغم الصورة الشوهاء التى نراها فى دوائر الحياة الروحية، والمادية ايضاً، بين صفوفنا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.