الجمعة , نوفمبر 22 2024
الخديوى إسماعيل

المجلس الملي العام – برلمان الأقباط المنسي .

الكاتب : مايكل عزيز البشموري
في عام 1866م قام الخديو إسماعيل بتأسيس مجلس شوري النواب المصري ( مجلس الشعب حالياً) وذلك بدلا من مجلس المشورة الذي أسسه جده محمد علي باشا ، ليقوم الشعب المصري لإول مرة بتاريخه بإنتخاب النواب عبر الاقتراع المباشر ، لتكون مصر بذلك صاحبة الريادة الاولي في العمل البرلماني والنيابي ، ولتصبح أول دولة عربية واسلامية وافريقية تنشأ مثل تلك المؤسسات التشريعية بتلك البلدان ، علماً بأن الدولة العثمانية ذاتها افتتحت أول برلمان في تاريخها السياسي في 19 مارس 1877 أي بعد إحدي عشر عاما من إفتتاح البرلمان المصري .


المجلس الملي العام – البرلمان القبطي المصغر :


كانت مصر حينها دولة فِتْيَة يقودها الشباب المتعلم القادم من البعثات الدراسية بالخارج ، وكان هناك إنفتاحا كبيراً علي الغرب ، وعندما رجع الشباب المصري من الخارج ( مسلمين ومسيحيين ) عقدوا العزم علي إجراء تجديدات وإصلاحات داخل مؤسسات الدولة المصرية لتتناسب تلك الاصلاحات مع معطيات العصر الحديث ولتطبيق افكارهم الاصلاحية التي أتوا بها من الخارج علي أرض الواقع ، وكانت اولي تلك الخطوات الاصلاحية هو إفتتاح المجلس النيابي المصري (البرلمان ) بيد الخديو اسماعيل حاكم البلاد عام 1866 م، وافتتح هذا البرلمان لتنظيم الامور التشريعية والقوانين العامة بالبلاد مثل باقي البلدان الاوروبية .


وفي تلك الاثناء جاءت محاولات جادة من الشباب القبطي القادم من الخارج لتطوير كنيستهم القبطية ، وكان هدف اولئك الشباب هو إجراء إصلاحات إدارية داخل المنظومة الكنسية ، لتعمل تلك الاصلاحات علي هيكلة المؤسسات القبطية من جديد لكي يستفاد منها كافة أبناء الشعب القبطي ، وتبلورت تلك الافكار الاصلاحية عبر نقل التجربة البرلمانية الشابة التي كانت تعيشها مصر آنذاك ، وتطبيق النظام البرلماني المتبع داخل جدارن الكنيسة القبطية ، وذلك عبر إنشاء ( مجلس ملي عام ) خاص للاقباط الارثوذكس ، وقد اعتبر بعض الاقباط هذا الامر بأنه برلماناً صغيراً يستطيع من خلاله تمثيل الاقباط العلمانيين سياسياً واقتصادياً وكنسياً أمام الدولة المصرية ، وذلك من خلال تأسيس وانتخاب وكلاء وأعضاء لهذا المجلس في أغلب المحافظات المصرية ، وبالفعل نجح الشاب بطرس غالي ابن الثماني والعشرون عاما في إستصدار أمرا بالموافقة علي انشاء ( المجلس الملي العام للاقباط الارثوذكس ) بمساعدة من ابيه نيروز غالي الذي كان ناظرا للدائرة السنية ( رئاسة الوزارء ) لشقيق الخديوي إسماعيل وقتها ، وتم ذلك في يناير عام 1974م ، وكان الهدف من المجلس الاتي :
1- إدارة الكنائس القبطية مالياً .
2- إدارة المشروعات الكنسية الكبيرة .
3- إدارة المدارس والمعاهد القبطية .
4- إدارة الاوقاف القبطية .
5- كتابة لائحة للاحوال الشخصية .
6-تقديم خدمات للفقراء والمعوزين من الاقباط.
7- اختيار الكهنة والقسوس بشكل يتناسب مع رغبات أبناء الشعب القبطي وتطلاعاتهم .


وكتب المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي تعقيباً علي هذا الاجراء وقال :


“بعد خلو الكرسي المرقسي بنياحة البابا ديمتريوس الثاني قد أختير الانبا : مرقس مطران البحيرة لمهمة القائم مقام للبطريريكية المرقسية ، ووصف نيافته أن ما حدث بالشيئ الغريب ، وهذا الاستحداث هو أن بعض شباب الاقباط من ( الاكابر ) رأوا أن ينشئوا ما ( أسموه ) بالمجلس الملي ، ورأوا وجوب تشريع لائحة مدنية لكيفية تنظيم انتخاب اعضاء هذا المجلس والمدة المقررة لعضويتهم واختصاصاتهم وغير ذلك من التشريعات القانونية العالمية اللازمة لسير عمل المجلس سيراً منتظماً

وقد احتج اولئك ( الاكابر ) يوم ذاك بأن رغبتهم في انشاء هذا المجلس هو لتسيير التنظيم الكنسي داخل اطار الشوري ، وأضاف الانبا غريغوريوس : بأنه قد فات علي هؤلاء الاكابر أن الشوري كانت منذ البداية خطة الرسل التي تسلمها منهم آباء الكنيسة القبطية وحافظوا عليها جيلا بعد جيل ، واوضح دليل علي هذا الواقع ان القوانين الكنسية الاصلية جعلت السلطة العليا في يد المجمع المقدس وليس في شخص البابا ( مهما كان عظم قدره ) كما جعلت الشعب صاحب الحق في انتخاب رعاته علي اختلاف درجاتهم : الكاهن والاسقف والبابا ” .


ولما ارتقى غبطة البطريرك ( البابا كيرلس الخامس ) كرسي البطريركية وجد أنه تم إنشاء المجلس الملي العام للاقباط الارثوذكس ، وذلك في سنة حبريته الاولي عام 1874 م ، ووجد أن لائحة هذا المجلس تعرقل مهامه البابوية لانها كانت تنص علي : ” وجوب نظر المجلس في مصالح الكنائس وأحوالها وفي المدارس والأوقاف والفقراء والأحوال الشخصية، ورسامة القسس وغير ذلك ” ، وقد اعتمد كبار العائلات القبطية تلك اللائحة لدي الحكومة المصرية ليمثل المجلس الملي الأقباط سياسياً واقتصادياً وكنسياً لدي الدولة المصرية .


” لقد حاول البابا كيرلس الخامس في بداية الامر مهادنة أعضاء هذا المجلس ، ولكن عندما رأي البابا عدم تعاون هؤلاء الاعضاء معه بشكل يحترم شخص البابا في قيادته للكنيسة ، إلتمس قداسته أخيراً من الحكومة المصرية بالتصديق على لائحة جديدة للمجلس الملي العام ، وبالفعل صدقت الحكومة المصرية علي اللائحة الثانية بتاريخ 14 مايو سنه 1883 بناءاً علي رغبة البابا ، إلا أن هذه اللائحة كانت حبرا على ورق، لأن أعضاء المجلس لم يلتزموا بها أو بتنفيذ بنودها لانهم كانوا عاقدين العزم بالتمسك بلائحتهم الاولي ، إلي أن قام البابا كيرلس أخيراً بإلغاء العمل بالمجلس الملي نهائياً ، الامر الذي أغضب مؤيدي هذا المجلس من الاقباط “


الانقــــلاب علي البــابـــا :


وقد ذكر يوسف بك منقريوس في كتابه ” القول اليقين في مسألة الاقباط الارثوذكسيين ” :


انه في خلال تلك الاحداث استدعى بطرس باشا غالى الأنبا يؤانس مطران البحيرة إلى القاهرة وكلفه أن يبلغ البابا كيرلس الخامس بأن الأمة القبطية ترغب في إنشاء مجلس ملى جديد لها ، فرد البابا برضاء عن تشكيل مجلس جديد بشـــرط إذا عدلت اللائحة القديمة !!

فرفض بطرس باشا تغيير اللائحة الاولي وأصر البابا على طلبه ، وكان بطرس باشا عازما على السفر إلى أوربا وتقابل مع الخديوي توفيق ليأخذ منه إذنا بالسفر فذكر له الخديو أمامه هذا النزاع الطائفي الحاصل بين رجال الكنيسة القبطية وأبنائها ، فأجابه بطرس باشا بأنه لا يمكن أن يهدأ ما لم يشكل المجلس فصدر الأمر لبطرس باشا من قبل الخديو توفيق بتأخير سفره ليسعى في تشكيل المجلس الملي من جديد .


وتم إخطار البابا كيرلس الخامس لقرار بطرس غالي بإنشاء المجلس الملي في تحداً حقيقي ، وفي مساء ذلك اليوم استدعى بطرس باشا غالي نحو خمسمائة نفس من رجال الطائفة القبطية الارثوذكسية ، وذلك بصفته نائب مجلس الأمة لإجراء انتخاب المجلس الملي الجديد للاقباط الارثوذكس .


وفي الغد قصد بطرس غالي الدار البطريركية مقر البابا كيرلس ، وجلب معه عساكر البوليس وتم حصار البابا بشكلاً عسكري ، وقام غالي بمنع دخول أي أحد إلى البطريركية وصرف التلاميذ وطرد الخدم وأغلقت أبواب الدار البطريركية، فأرسل البابا كيرلس يستنجد بوزارة الداخلية فلم ترد عليه، والناس حيارى لا يعرفون ماذا يحدث داخل الدار البطريريكية أو مع أبيهم البطريرك ؟

وبعد الظهر جاء جنود آخرين ، ودخل محافظ القاهرة وطلب من غبطة البابا كيرلس الخامس بأن يقبل الرئاسة على انتخاب المجلس الملي الجديد فرفض البابا بحــــزم ، فقام المحافظ إلى المجلس المعد للانتخاب بالمدرسة الكبرى التابعة للاقباط الارثوذكس داخل البطريركية وبدأو عملية انتخاب المجلس الملي الجديد “.
وحدث بعد ظهور نتائج انتخابات المجلس الجديد أن أخطر البطريرك الخديوي بأن ما حدث كان بغير إرادته ولا يوافق عليه بأي حال كان، وانتهز البابا فرصة عيد الأضحى فذهب مع بعض المطارنة لتهنئة الخديو توفيق بالعيد وأحاطه علما بما جرى، إلا أن الخديوي رفض مقابلتهم وأعلمهم فيما بعد عن طريق ديوانه، أن وقته لا يسمح بمناقشة البطريرك، وإن كان له على أحد شيء فليدفع شكواه إلى جهات الاختصاص.


نفــي البابا كيرلس الخامس علي ايدي أبناءه :


ولما رأى أعضاء المجلس الملي أن وجود البطريرك بالإسكندرية بجانب الأنبا يؤانس مطران البحيرة وسكرتير المجمع المقدس يعطل إجراءاتهم اجتمعوا في 31 أغسطس 1892 وشغلوا مجلسا زوجيا مؤلف من القمص بشاى راعى كنيسة العذراء بحارة زويلة والقمص جرجس بشاي كنيسة الدمشيرية والقمص بولس جرجس وكيل قضايا البطريركية، واتفق المجلسان الملي والروحي على إبعاد البطريرك إلى دير البراموس والأنبا يؤانس إلى دير الأنبا بولا، ورفعوا القرار إلى مجلس الوزراء فأقره سريعًا، وفي صباح الخميس أول سبتمبر 1892 توجه محافظ الإسكندرية إلى البطريرك وأعلمه بهذا الأمر فقبله البابا عن طيب خاطر ووعد بالسفر في اليوم التالي، وهكذا كان الأمر مع الأنبا يؤانس.
للحديث بقية

شاهد أيضاً

جورج البهجوري بنكهة وطن !!

بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي فنان تشكيلي كبير عاصر كل نجوم الثقافة العربية محيطا وخليجا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.