هناك فى عمق الحى القاهرى العريق “شبرا” وفى المجال الحيوى لكنيسة الشهيدين أبى سيفين ودميانة، التقينا القمص بولا ناشد وأنا، كان سكنه مطلاً على تلك الكنيسة العريقة، بدعوة كريمة منه.
ثمة روابط عديدة تجمعنا … ننتمى معاً لنفس الجيل الذى تشكل وجدانه فى سنوات المد الوطنى والروحى الكنسى، جيل التصق بالمذبح والمنبر وهو يتتلمذ على رجل الصلاة البابا القديس الأنبا كيرلس السادس، ويتبلور فكره عبر اجتماعات من يمسك بناصية الكلمة البابا الأنبا شنودة، منذ أن كان أسقفاً للتعليم، ومعهما كواكب مضيئة فى سماء الخدمة.
وننتمى معاً لعائلة واحدة ” آل شوفة” التى تمتد جذورها إلى عمق الصعيد “مركز الغنايم ـ اسيوط”، ومنها نزح جيل الآباء إلى القاهرة فى ثلاثينيات القرن الماضى، ومعهم روح التقوى، واصرار التحقق. وننتمى معاً لحلم يتملكنا أن نعيش كنيسة الآباء، وكان الحلم يستغرق كل مقابلاتنا، كان هو الأكثر شغفاً وبحثاً وحراكاً إيجابياً، وعبره التقيت بالمطران المستنير الأنبا اثناسيوس مطران بنى سويف والبهنسا، ورائد العمل التنموى والتنويرى الكنسى، وفى صالون بيت ابونا بولا تلامست مع نموذج الأسرة المسيحية التى تترجم حياة الشركة والعطاء فى هدوء واحتمال ورضا، وفيه تفتحت عيناى على قضايا الكنيسة ومعاناتها.
وبقدر طوباوية الحلم ومشروعيته كانت صدمة الواقع، الذى اقتربنا منه، لم نتقوقع ولم نقم حائط مبكى، قفزنا فوق الصدمة، وواجهنا الأسئلة التى تفجرت مع المفارقة، واحتمينا بمخزون تراكم عندنا ونحن نتتلمذ فى صبانا وشبابنا على الإنجيل والآباء على يد جيل متميز من الخدام الأتقياء الذين قادوا خطواتنا واناروا لنا الطريق، وترجمنا صمودنا كل فى طريق. كان بيته ملاذاً آمنا لأسر أخوته الكهنة الذين ساقتهم اقدارهم ليواجهوا آنئذ مصادمة اختطاف المحاكمات الكنسية من دائرة الأبوة إلى دوائر العصف، ومن الإلتزام بالقواعد القانونية ذات الصلة والتى وضعتها الكنيسة لكى لا يهلك أحد، إلى التقدير الشخصى لمن يقوم بها، وقيد لى أن اقترب من بعضها، لتتسع صفحات مجلة “مدارس الأحد” بامتداد نحو عامين (1993 ـ 1994) لأنقل انينهم وصراخهم، ويمتد الطرح لقضايا مماثلة معاشة، تأسيساً على أنها المجلة التى شهدت منذ تأسست فى أواخر اربعينيات القرن الماضى
مقالات شباب مدارس الأحد التى تلبستهم روح يوحنا المعمدان الصارخ فى البرية.
قبل سنوات من هذا اللقاء وتلك التطورات، وفيما قلب وعقل المهندس واصف ناشد بسطوروس، كانا مهمومان بالكنيسة، كان قراره الحازم والمغامر أن يكرس نفسه بالكامل لخدمة الكنيسة، واختار أرض معركته، هناك فى ايبارشية حلوان، ووجد قبولاً وفرحاً لا يوصف من مطرانها الأنبا بولس والذى لم يكتف برسامته بدير القديس برسوم العريان بالمعصرة فى 1 يونيو 1979 باسم القس بولا ناشد، بل بادر بمنحة رتبة القمصية فى نفس العام، فى سابقة ذات دلالة، مع رفيق خدمته ورسامته الأب القمص أنطونيوس فهمى، الذى سبقه مبكراً للمجد.
يرحل الأب المطران ـ أنبا بولس ـ عن عالمنا لتبدأ مرحلة جهاد جديدة فى حياة الأب المتتلمذ على الآباء وصاحب الرؤية المتكاملة التى تضع الإنسان فى القلب منها فى ترجمة حياتية للتجسد، يسدد فيها فاتورة ليست له، ترسو به سفينة الخدمة بعد أن انحسرت الأمواج المتلاطمة التى تتقاذفها، بعض الشئ، وبعد معاناة تحملها وأسرته بصبر، على ضفاف اسقفية الخدمات، وتنتهى به الى ايبارشية المعادى حيث الأسقف المستنير الأنبا دانيال، والخدمة المستنيرة بعيداً عن الصخب.
ونعود فنتواصل بعد انتقاله إلى المعادى، ولا يتوقف نهر العطاء المتدفق فى عقله وقلبه، ولا تنقطع افكاره التى يبادر بتسجيلها ويضعها أمام الكنيسة بهدوء ومثابرة
حتى يفاجئنا خبر انتقاله، ليكمل خدمته أمام عرش النعمة ويصلى عنا وعن الكنيسة.. حتى نلتقى.
كلمة الأستاذ كمال زاخر الكاتب و الباحث القبطي،عن المتنيح القمص بولا ناشد