د.ماجد عزت إسرائيل
في هذا اليوم المبارك تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية القبطية في مصر والعالم، وأيضًا بعض الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والغربية بميلاد السيد المسيح. وقبل ذلك وبالتحديد«1582م» كان العالم المسيحي في الغرب والشرق يحتفل بذكرى الميلاد الإلهي في يومنًا واحدًا. أريد أن أتحدث عن رسالة يسوع للعالم كــــــ « نُورٌ أَشْرَقَ فِي الظُّلْمَةِ لِلْمُسْتَقِيمِينَ.
هُوَ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ وَصِدِّيقٌ. » (مز 112: 4). فاليوم «يا جميع الأمم صفقوا بأكفكم وهللوا لله بصوت الترنم» (مزمور1:46)، “لأنه ولد لنا ولد، وأُعطينا ابنًا، وتكون الرئاسة فوق منكبه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا جبارًا أبا الأبد رئيس السلام (أشعياء 6:9)
فإن كانت أنوار بيت لحم في هذه الأيام المُباركة تجذب أبصار قلوبنا بشدَّة للتأمُّل في أمجاد البنوَّة المملوءة حبّاً وسلاماً، فإنَّ أصوات الملائكة لا تزال تلحُّ عليَّ جدّاً أن أتكلَّم مُعطياً “«الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ».” (لو 2: 14).هنا، مُكرِّماً مشاعر الأُبوَّة المتعطِّفة التي صارت منها هذه المسرَّة والنعمة المُتضاعفة. اليوم دقت أجراس كنائس بيت لحم لتعلن للعالم أنه في هذا اليوم ولَّدَ ملك السلام، واِنبَثَقَ النور وبدأت الحياة الجديدة للإنسان “فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ،” (يو 1: 4).
هذا هو النور الذي جاء إلى العالم مُضيئاً بالحقِّ والحياة التي فيه، حتى بنوره نستطيع أن نُدرك النور أي الحق والحياة معاً التي في الله.
إذاً، فاليوم عيد، عيد لكلِّ الناس، لأنه وُلِدَ للبشرية مُعين، وأُعطِيَ للإنسان ابن تكمَّلت فيه كل إعوازها.
اليوم جاء النور إلى العالم؛ فميلاد يسوع هو البداية الحقيقة للحياة لأنه أعاد البشرية لله فلنطرح الإنسان العتيق ولنتشح بالجديد «َأنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ» (أف 4: 22). وأيضًا بالمسيح يولد ويتجدد المصلوبون والمدفونون والأحياء لأنه لا بد لنا من أن نحتمل هذا الانقلاب الخلاصي حتى ينتج الحزن من السرور فينقلب الحال، ونرى السرور من الحزن لأنه حيث تكثر الخطيئة تزيد النعمة أكثر«وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ. وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا.» (رو 5: 20).
اليوم جاء النور إلى العالم؛ لأن المجوس أعلنوا للعالم عن النجم ومكانه «وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ» (مت 2: 1).
وقد جَاءُوا المجوس وراء النور وهم متشجِّعين بالرؤيا وبالنجم الذي يتقدَّمهم ويُلهمهم حكمة لمعرفة الطريق، حكمة ليست من هذا الدهر، ولا من عظماء هذا الدهر، حكمة في سرٍّ، حاملين هداياهم: مال العالم والذهب، ومُشتهيات الجسد مع اللُّبان، ومُر الحياة مع الرضا.
وقدَّموا أموالهم لينالوا الملكوت، ووهبوا أجسادهم ليحظوا بالكهنوت، واحتملوا المُر ليجدوا السرور. ما أحكم المجوس وما أعمق سر الهدايا، إن أسرارها لكثيرة!
ياليتنا اليوم في هذا اليوم المبارك نودع شجرة التوت التي نستظل تحتها؛ ونحن نمارس الخطايا بكل أنواعها مثل الغيرة القاتلة والنافق والكذب والشهادة الزور والسخرية من الآخرين، ونسير أو ننظر إلى بيت لحم مثل المجوس، حقًا سلامٌ لكِ يا بيت لحم مسقط رأسنا.
فقد وُلِدنا فيكِ لله بالمسيح، وصرتِ لنا مكان التبنِّي الذي حُسبنا فيه أهل بيت الله لَمَّا وُلِدَ فيكِ أخونا البِكْر. هل نستطيع اليوم أن نترك شجرة التوت ونشارك مثل المجوس والرعاة، السيدة العذراء فرحتها. وعائلة زكريا الكاهن، هل حقًا نريد أن ندرك النور الحقيقي “مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ آمِنُوا بِالنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّورِ». تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهذَا ثُمَّ مَضَى وَاخْتَفَى عَنْهُمْ.” (يو 12: 36).
وبهذه المناسبة أقدم التهنئة إلى صاحب القداسة البابا الأنبا «تواضروس الثاني» بمناسبة حلول عيد ميلاد مخلِّصنا الصالح، وندعو إلهنا الصالح أن يُديم رئاسته للكنيسة سنين عديدة وأزمنة سلامية مديدة.
كما نتقدَّم بالتهنئة إلى أصحاب النيافة آبائنا المطارنة والأساقفة الأجلاَّء وجميع الإكليروس وشعب الكنيسة المقدَّسة في بلادنا العزيزة وكل بلاد المهجر. ونسأل الله أن ينشر النور والسلام في في مصرنا الحبيبة وعالمنا العربي والعالم، حقًا هذا هو النور الذي جاء إلى العالم!