تنتشر صور الشيخ الطيب في الأقصر في بيوت ومحال البسطاء فيما يعد افتخارا بأن الإمام الأكبر هو نبت أصيل من أرضهم.
في هذه الصور يرتدى فضيلة الإمام عمامات غير تقليدية، أو يبدو شابا أصغر سنا مما اعتدنا رؤيته على الشاشات أو في الحقيقة.
في رحلة الأقصر الأخيرة تعرفت في حافلة نقلتنا بين البرين الشرقي والغربي على معلم إعدادي كان اسمه “الطيب”، في القهوة على طريق الكباش بجوار معبد الأقصر كان اسم الصبي الذي يقوم على خدمتنا “الطيب”. صاحب البقالة المتواضعة عند أبواب معبد الكرنك أعطى لمحله الصغير مسمى “الطيب”.
سألت نفسي: ما سبب انتشار الاسم في هذه البلاد على هذا النحو؟
يتجاوز السؤال الافتراض أن الناس تفتخر باسم فضيلة الإمام، ويبدو لي أن “الطيب” اسم أبعد من هذا بكثير ويبدو متجذرا ووثيق الصلة بتاريخ الأقصر التي تعرف باسم “طيبة”.
لكن هل حقا “الطيب” و “طيبة” كلمتان من بنات اللغة العربية؟ تذهب بنا بعض المراجع إلى أن المصريين القدماء قبل آلاف السنين كانوا يطلقون على المعبد الرئيس في هذه البلدة المكرسة لعبادة آمون مسمى ” إبيت سوت Ipet Sout وتعني “أكثر الأماكن توقيرا وإجلالا” أو تعني باختصار: المكان “المبجل”.
وفي تفسير علماء آخرين تعني الكلمة: المكان “المصطفى”.
تذهب هذه المصادر إلى أنه قبل أكثر من 2300 سنة حدث اختصار في نطق الاسم فأصبح ينطق “إبيت” مع إضافة أداة التعريف “تا” قبل الاسم فكان المسمى في صيغته الكاملة ” تا إبيت”.
هل نقول إن النطق “تا إبيت” يذكرنا بقرينه في اللغة العربية “طابت” والتي جاء منها الفعل “طاب” والاسم “طيب” و”طيبة” ؟!
الحقيقة لا توجد مصادر تدعم هذا الافتراض الخيالي والقفزة الزمنية, لكن الموثق في المراجع العلمية أنه مع وصول الإسكندر الأكبر لغزو مصر وتأسيس الحكم البطلمي ودخول حكمه إلى “تا إبيت” سمع الإغريق الاسم “تابيت” ومن ثم حرفوه إلى “ثيڤا” تبركا باسم مدينة إغريقية مشهورة لديهم.
لم يكن تحريف “تابيت” إلى “ثيڤا” هو النهاية، فمع الغزو الروماني بعد ذلك بنحو 300 سنة أخرى تم اعتماد النطق اللاتيني لاسم “ثيڤا” ليصبح “ثيبس Thebes” ثم وصلنا بعد أكثر من ستة قرون أخرى في العربية إلى “طيبة”.
لم يكن مصدر التشابه عند الإغريق حين اعتبروا أن “تابيت” هي نفسها “ثيڤا” نابع من تشابه الاسمين في المقام الأول بل في مقارنة المدينة المصرية العظيمة مع المدينة الإغريقية العريقة، حيث كانت ثيڤا أو “ثيبس” عاصمة إحدى أشهر الأقاليم في قلب بلاد الإغريق.
في الخريطة المرفقة وضعت موقع “ثيفا” في اليونان وموقع “طيبة” في مصر التي كانت وما تزال أرضا “طيبة” بشعبها الذي صنع الحضارة، مع الاعتذار طبعا نيابة عن التاريخ الذي خلد لنا أسماء الملوك والحكام وقادة الجيوش وكهنة المعابد ونسي التاريخ أسماء شعب طيبة، وأَنَّىٰ له أن يذكرهم؟!