بقلم : ماجدة سيدهم
قراءة متواضعة في المجموعة القصصية للفارس روبير “نيافة الراعي والنساء “
لاشك أن العنوان مثير للفضول لتجد نفسك تسعى لتمد يدك تلقطه وتفتش بشغف عن الأسرار بين السطور . فقد يبدو للوهلة الأولى أن موضوع الكتاب يحمل قدرا طيبا من المواجهة أو كشف الكثير من الغموض والخبايا وإزاحة الأقنعة المزيفة لرجال الدين بجرأة روبير الفارس المعهودة.
وبالحق الكتاب هو كذلك .. خاصة وأن لفظة نيافة لها مدلولها الكنسي .
فأنت إذن عزيزي القاريء تظن أنك بصدد شغف اكتشاف خطير لصولات وجولات نيافة هذا الراعي ..فتمضي تلتهم السطور تفتش متلصصا عن مدعي التقوى مع جموع النساء
إلا ان ” الفارس” يفاجئنا في مجموعته المؤلفة من ستة عشر حكاية حياتية أن نيافة هذا الراعي ماهو إلا كل رجل صاحب نفوذ ..أو شهرة أو سلطة أو مقدرة وتأثير وله من الصلاحيات ما يتجاوز معها حتى القيم والأعراف من دون أدنى مساءلة في مجتمعات خانقة بالإدعاء والتدين والخوف والنفاق خاصة لو أضفت عليها الكثير من القداسة والهيبة .. ليؤكد كلما ارتفع شأن أو منصب أو مكانة أحدهم كلما استغل هذا بغلالة من ممنوع الاقتراب كخط دفاعي أو كقناع يقيه من نقد المجتمعات الكاذبة ” على الممثل أن يلعب كل الأدوار مادام لها معادل موضوعي في المجتمع .”
فنيافة الراعي هنا هو كل مسؤل.. هو رئيس التحرير وهو رجل الدين وهو السجان وهو الظابط والفنان وهو البطل الوهمي المزيف في قلب اساطير التاريخ وهو الكاتب وهو القاضي وهو الناسك والقواد ومدير الشركة والطبيب والمعلم
فكل أنماط البشر على السواء هم بشر… بكل تناقض مكنوناتهم وتركيباتهم النفسية واختلاف ثقافتهم وتنوع حضاراتهم وانظمتهم السياسية وتوجهات دولهم للحاضر والمستقبل .. ففي المجتمعات المبتورة إنسانيا والمأزومة دينيا تكون للنساء دور البطولة رغم الانكار المعلن .. ومن أجل الوصول إليهن سرا وبمنأى عن تطفل ومراقبة العيون تتعدد كل تلك الأقنعة للرجل وتتعدد كل مظاهر الكياسة والورع لتتلخص في مواقف حياتية حقيقية..
إذن المجتمع هنا هو ممثل وعلى كل منا يتقن دوره في خداع الأخر للبقاء على المكانة والنظام والسلطة
* يأخذنا ” الفارس” في رحلة ماهرة أو بحنكة ماكرة لنصعد معه على مهل..درجة درجة ..كمن يمسك بيدنا ليطلعنا على حقيقة الأمور كما هي دون أن يسبب لنا تلك الصدمة التى أصابنا بها في العنوان الماكر للكتاب ..
.هكذا من بداية صدمة مندوب الأدوية المحطمة أحلامة من سنوات سعيا للحصول على لقب دكتور بينما يقف عاجزا وهو يعرض أحدث منتجات الأدوية عن شركته حين طلب منه الدكتور ” سرحان”
” شبعت سفر ومؤتمرات..زمايلك في الشركة المنافسة يحضروا لي أنواع فاخرة من النساء . ” ليصمت مندوب الأدوية المسكين بلا نطق حتى أكد له مدير الشركة التى يعمل بها قائلا “الزبون دوما على حق “
ثم يصعد بنا الكاتب أيضا درجا آخر لنصل في “صندوق العطاء” إلى ذاك الشاب المريض بحمى العوز يشكو إلى خطيبته كيف رفض الأسقف دعمه ماديا ليتمما الزواج ” تعاملت معه على كونه أبونا وشرحت له الظروف لكن قطب الجبين وشمر عن تكشيرة صعبة .. فوجدته سيد بكل ماتحمله الكلمة من قسوة “
وحين ذهبت الخطيبة غاضبة تصرخ في وجه الأسقف بعد موت خطيبها في حادث إرهابي بطلق ناري على ميكروباص في طريقه للدير ” أمانة يا أبونا لم الدم في صندوق العطاء ” ينظر إليها بغضب ويستمر في وضع النقود بجيبه ويردد “المجد للشهداء ” ..
ويواصل الكاتب بنا الصعود إلى علو آخر في طرح الإبداع مع “نهارات البطريق الحزين” كرمز بارع للنقضين معا فيقول الراهب جرجس البجشوني الذي رقد أمام الهيكل لتتلى عليه صلاة الموتى كوعد منه لعشيقته التى تركته مفضلا الموت عن الحياة دونها وهو الآن يفعل “لم اسمع من الصلاة كلمة واحدة فكنت في حالة عاشق محموم بمريم المغزولة في نار لحمية..يبدو أن سر الحياة التى أعطتني في قبلة شهوانية تحت بير السلم أقوى من ادعاء الموت ..التناقض يقتلني “
ويظل الصراع مابين الأسود والأبيض كرمز للبطريق الذي داخلنا قائما .. يبحث عن حلا رماديا لا يأتي أبدا .. هكذا طالما نعشق خداع انفسنا في زي يستر خداعنا ولايراه غيرنا
أيضا لا يتركنا الكاتب في هدوء بل يمتطي بمهارة صهوة خيالة ويحفزنا في الركض وراء إبداعاته الفكرية في الجملة الأشهر لقصته ” تبات رماد تصبح بحيرة ” فيقول . “وطن بلا مؤخرات هو في المقدمة ” باعتبار أن بتر المؤخرات لسكان الدولة النازل إليها بطل القصة كغريب هو القانون السائد بين المواطنين من بعد ثورة …إذ طلب منه أيضا بتر مؤخرته ..فيستمع منصتا لفلسفة سيد تلك الدولة “أن بتر المؤخرات هو ذروة الانتصار السياسي ويحقق الهوية الوطنية الفريدة لدولتنا ..كما يحقق هذا الاستئصال المعنى العملي للتقدم والانجاز .. .فلا مؤخرة لنا بالتالي لا مؤخرة لوطننا ..ومن يقاوم هذا الفعل النبيل نعتقله بعيدا لعيش مع مؤخرته .. عقل مع مؤخرة هو أقصى عقاب..” جملة عبقرية
ولا يهدأ حتى قليلا “روبير الفارس” .بل يتحايل علينا بإثارة المزيد من توابل الشغف والاستفزاز الفكري والفلسفي بالايغال داخل مكنون النفس البشرية بكل فطرتها وطبيعتها الحرة مهما حاولت أي من الايدلوجيات المحفوظة تقنين وكبح تنفس وتمدد الروح لخدمة أفكار أو البقاء على أنظمة. بعينها .أو للحفاظ على موروثات الطقوس من أزمنة بعيدة ولكن هيهات .. فالطبيعة الإنسانية الحرة في كل سطور “الفارس” تتمرد وتغلب وتنتصر حتى لو في الخفاء فمازلنا نبيح و نعيش الصدق في الخفاء خير لنا أن نواجه ونعلن خشية ردة فعل مجتمع يقدس الادعاء ويحتفي بالوهم .
ويظل الكاتب يصعد بنا حتى ذروة تجلياته الرائعة ليصف الأنبا الأمهر في قصته ” غير متفقة نياتنا في الخبث” وهي ذروة المتعة بالفعل يقول “هو من أندر الرجال الذين يمتلكون سطوة توظيف الصوت .. يدهن بفرشة النبرات كلمات بلون القوة .وحروف أنهكها الضعف ..وتشكيلات تعلن الحرب في كرات الدم في عروق و قلوب المستمعين “
ذاك الاسقف الحاذق في عظاته والآسر روحيا لجموع غفيرة والمروج الشاطر لنشر ثقافة المغفرة .. هو الذي يروق له أن تلقبه الفاتنة “ثناء ” ب “اليوم”
حين أخبرها أنه اللقب الذي يعبر عنه بالتمام ..فاليوم نهار وليل.. وهذا عمق جوهرية شخصيته..قديس واعظ مفوه بالنهار.. وعاشق ولهان لحد الفسق معها بالليل … يردد مقولته المبهرة الصادقة .. .”إن انفصام الشخصية أكذوبة . كلنا هذا اليوم .ولكن قليل من يتسق مع ذاته ويندمج في صورة واحدة …”
* ثم ياخذنا الكاتب في ” موت مدير” حيث السيد مدير الشركة الذي عنف بحدة إحدى الموظفات الجميلات بالشركة على سلوك عطسة رغما منها في أحدى حفلات الأوبرا والتى أصابته بشكل مباشر ..ولما كررت اعتذارها في مكتبه خشية الرفد من العمل. عنفها أكثر بينما نظراته تلتهمها دفعة واحدة وقال متجهما
: الاعتذار لا يكون هنا .. ليدس في يدها ورقة بالعنوان والموعد. . ولما تسلح لها بعدد الأدوية الزرقاء الحمراء توقف قلبة ومات بعد القبلة الأولى . .
في المجتمعات التى تظن وتصدق أن مظاهر التدين تقيها من المكاشفة الحقيقية جاءت سطور “روبير الفارس” محملة بالنصيب الأجرأ لرجل الكهنوت لما يحمله هؤلاء الرجال من كم هائل من ضغوط ضد الطبيعة ، حتى لو كانت اختياريه ..”ألم الصلب أيسر من التناقض الهائل الذي يعيش فيه الأسقف من سنوات في الدير ” حيث قتل القوة النابضة التى كانت تثيره .. عن قصة “مخازن الشك القديم ” فكيف يعتبر تعطيل عمل أعضائه أمرا حتميا .بينما سر الزيجة أحد أسرار الكنيسة السبعة فضيلة قادرة أن تدخله الفردوس النعيم .. ويتساءل “وهل هناك أجمل من النعيم في حضن إمرأة “
فما ذنبه في الجرم الذي فعله آدم الجائع للمعرفة ؟ولماذا يرث عنه العقاب ولا يرث قدرا بسيطا من تنعمه في جنة عدن المأسوف عليها .ماكل هذه القساوة التى توحشت بداخله ..
ربنا كان هذا مبررا جيدا لمعاملته الحادة وشديدة الاحتقار لسكرتيرته الحسناء التى
أقامت فيه كل الرغبات التى انهكها طويلا بكثرة الأصوام والصلاة..
بينما يأخذنا الكاتب في مشهد هزلي في قصة ” يصفف شعر الشر ” حين ينخرط أحدهم بين كتل الزحام الملتهب بفعل الاختناق اليومي وسلبية الجموع الهاربة أمام اي مشهد مزعج و غير إنساني ” وجد نفسه وحيدا أمام ثعبان هرب من أمامه الجميع” ولما بادر بالمواجهة و دق على رأسه بكعب حذاء حريمي هلل الجميع وأثنى على شجاعته صاحب الثعبان “مد له يده وأقامه وأزال التراب عن ملابسه ثم طالبه بثمن الثعبان الذي قتله”
ومازلنا في رحلة شهوة الصعود إلى مرتفعات الفارس الإبداعية لندخل في “بكارة متبلة” والتي تمثل بكارة ذاك المجتمع المنقسم على ذاته و أوهامه التي بلا رقيب والذي لديه كل الإجابات الكاذبة جاهزة حين الرد على أي وصاية للسؤال الممل فيجاوب ذاك الشاب المأزوم بكل تقوى الكذب “أنا ذاهب لصلاة الفجر”بينما يسترق السمع أثناء نزوله ليلا إلى أبواب الشقق المتهالكة لعل وعسي يسمع صوت أنثوي يقظ يهدئ من روحه الملتاعة ..
وبينما يفشل المجتمع كل يوم في الاتساق مع ذاته ما يدفعه للخوف من افتضاح هزيمته النفسية بالإحتماء في الموروث الديني المتعارف عليه “في اللحظة الأخيرة خشيت عقاب الله” وليكن في الهروب إلى المسجد حلا مرضيا للمجتمع ليهدئ من حده مطاردة فضول السؤال…وحين يتم صيده وتدريبه كمجاهد يجذب الحزام الناسف ليفجر أحد الفنادق مرتلا الآيات وهو يتخيل باهتياج فحولة مقدرته الهائلة بالفوز في إزالة بكارة حور الجنة ببراعة ..
ليختتم الكاتب تلك المكاشفة “كان من الأمور المحيرة لرجال الأدلة الجنائية أن وجدوا فوق سيقانه بقايا حيوانات منوية غزيرة” في مشهد يجسد قمة التفسخ النفسي للمجتمعات المدعية
ومازال صهيل ” الفارس ” ينبض بالذكاء والحنكة بمهارة حائك للفكرة الحياتية والبعد الإنساني والفلسفي لها .. في توليفة رائعة بالمزج الحاذق بين النص الأدبي وتعبيرات جذابة مستوحاه من التراث المجتمعي المغلف بذهنية دينية مثل ” الخوف من عقاب الله كامن في كل النفوس وهي الحجة المقنعة التى لايناقشه فيها أحد”
وأيضا استخدم تعبيرات من التراث الكنسي (فارقته شمس البر … ابنة الطاعة تحل عليها البركة وقد اطعت حتى خشبة السرير ..الأيقونات المدشنة ..القداس الإلهي..والعديد منها ..) ..فلا يمتلك تلك الناصية إلا قلم مدرك ومثقف لتضعه في مصاف الكاتب صاحب الرؤية كشأن العديد من الأدباء و الشعراء المميزين ولكنهم بالندرة في ببلادنا التى تخشى المكاشفة والجرأة ..
*شكرا صديقي الكاتب البارع روبير الفارس شكرا .. شكرا للفكرة واللغة الأدبية الأنيقة والمتعة الذهنية.. *دعوة لاقتناء وقراءة المجموعة القصصية المتميزة “نيافة الراعي والنساء ” أو قراءته محملا pdf
تبقى الحقيقة التى لاتقبل جدال أن الإنسان هو فقط إنسان مهما اختلفت المسميات الوظيفية في الحياة ومهما اختلفت الثقافات والموروثات والمعتقدات ..ليكون كل المجد للإنسان فوق كل الاعتبارات والقيود النمطية المغلفة بالتدين والزيف في كل الأحوال هو طرح أدبي حر .. جديد وجريء وصادق..
*مرة أخرى .شكرا روبير الفارس
روبير الفارس هو انسان بذئ بكل ما تحمله الكلمه ويتخيل نفسه أنه مصلح زمانه ويتطاول على الجميع وخاصة على الكنيسه ورجالها ويتقمص دور الملاك الطاهر والمصلح ومارتن لوثر ولا ينظر فى نفسه …يعنى عنوان الكتاب يحمل كل البذاءات التى يعف عنها لسان أى انسان محترم …نعم هناك فى كل فئه من الناس يوجد أشرار لكن التعميم غير لائق وغير صحيح واذا كان هناك أسقف منحرف فهذا لا يعنى أن الغالبيه كذلك…وهل يجرؤ على اختيار عنوان مثل : فضيله الشيخ مثلا والنساء ؟ أم لأن الكنيسه هى الحيط الواطيه كما يقول المثل ومن يشتمها فهو فى مأمن من العقاب ؟ أنا لم أقرأ مقالا واحدا لهذا الروبير والا وجدته فارس وبنى خيبان . استاذه ماجده : أنا واحد من قرائك ولكن هذا المقال أعتبره شارد وشطحه ومجامله زائفه لكاتب أو صحفى فاشل بمعنى الكلمه .
نيافة الراعى والنساء ..عنونا قبيح وبذئ من شخص أكثر قبحا وأشد بذاءه …ومن يمدح القبيح والبذئ فهو أسوأ من الجميع ..عيب يا ماجده ..عيب ..احترمى سنك وعقلك وعقول الأخرين . هذا سب وقذف فى حق الغير . بكل تأكيد أنا لا أدافع عن شخص معين بل عن الذوفق العام والحقيقه . نيفة الراعى مقصود بها فئه واحده من الناس وأى غبى يعرف ذلك فلا تنافقى يا ماجده ..