مصر على موعد اليوم الخميس الثامن من يوليو 2021 لاجتماع تاريخى فى مجلس الأمن الدولى لاتخاذ موقفاُ حاسماً تجاه تعنت الجانب الأثيوبى فى مفاضوات سد النهضة الأثيوبى.
تطورات الساعات الأخيرة ألهبت الموقف لدى مصر والسودان بعد أن استبقت حكومة أثيوبيا اجتماع مجلس الأمن واتخذت قراراُ أحادياً ببدء الملء الثانى لسد النهضة وأبلغت مصر بذلك رسميا ، ضاربة بكل الاتفاقيات والقوانين والأعراف الدولي عرض الحائط ، الأمر الذي ردت عليه القاهرة سريعاً بخطاب رسمى أيضاً للجانب الأثيوبى ترفض هذا الإجراء وتحذر من عواقبه الوخيمة ، وحسناً فعلت الحكومة المصرية بإرسال هذا الرد إلى رئيس مجلس الأمن الدولى لإطلاعه على نوايا أثيوبيا السيئة ورفضها لأى تفاوض بخصوص الملء الثانى ، وهى بذلك لم تحترم أعضاء مجلس الأمن ولم تحترم كذلك أى مواثيق أو معاهدات دولية فى تحد صارخ للمجتمع الدولى .
الشاهد أن هناك جهات خارجية تسعى لإشعال الموقف بين الطرفين وتقوم باستمرار بتحريض الجانب الأثيوبى على رفض كافة الحلول السلمية والتفاوضية وصولاً إلى الصدام المسلح لتوريط وإشغال القاهرة فى حرب فى الجنوب، لتنفيذ مخطط مشبوه فى الشمال وتحديدا فى منطقة البحر المتوسط التى أصبحت مطمعاً للدول الاستعمارية الكبرى التى خططت للاستيلاء على خيرات الشرق فى البحر المتوسط وليبيا ، وكانت مصر هى العائق أمام تنفيذ هذا المخطط ، فكان يجب إشغالها بقضية تمثل بالنسبة للمصريين مسألة حياة أو موت وهى قضية مياه النيل ، فتم طرح هذه الورقة للضغط على القاهرة للتغاضي عن عملية “المتوسط” مقابل حل قضية السد .
والغريب أن نجد دولة تحرض على ضربها ، ففى أكثر من تصريح وبيان لمسئولين أثيوبيين نجدهم يحرضون مصر على ضرب السد ، بل ويدفعونها دفعاً للقيام بذلك مدعومين بسوس الأرض فى مصر عناصر جماعة الإخوان التى سعت فى الأسواق ووسائل الإعلام فساداً لتأجيج مشاعر المواطنين وإظهار الدولة – على غير الحقيقة- بمظهر الطرف الضعيف فى أزمة المياه وأنه يجب أن تضرب مصر السد اليوم وقبل الغد .
ولأن القيادة السياسية تعى جيداً تفاصيل هذا المخطط وأهدافه ، فقد استبق الرئيس السيسى الجميع بخطوة ولم ينجرف لآتون حرب مع أثيوبيا فى التوقيت المُخطط له ، وذهب إلى الشمال ليدشن أكبر قاعدة عسكرية بحرية فى منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط وهى رسالة من القيادة السياسية ومن العيون الساهرة بأن كافة أوراق اللعبة مكشوفة لدينا وقادرون على التعامل معها ، وهى الرسالة التى وصلت وبقوة لقوى الشر الخارجية “محركى عروسة الماريونيت” فى أثيوبيا .
وقد تحدثت القوات المسلحة هذه المرة فى افتتاح قاعدة 3 يوليو البحرية وبحضور القائد الأعلى للقوات المسلحة المشير عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية فى أقوى رسالة لها على الإطلاق عندما قال مقدم الحفل العميد ياسر وهبة بصوته القوى المزلزل: ” …. لسنا دعاة حروب أو صراعات أو نزاعات، ولكننا في الوقت ذاته إذا فُرض علينا القتال دفاعا عن حقوقنا، ومكتسبات شعبنا فنحن أهله ودروس التاريخ تؤكد للقاصي والداني أن مصر وإن طال صبرها إلا أنها لا يمكن أبدا أن تفرط في حق من حقوقها، وستظل مصر تنبض بالحياة لترفع أمتها العربية رأسها لعنان السماء.
واسترشد العميد ياسر وهبة بأبيات لشاعر النيل حافظ إبراهيم :” أنا إن قدر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي، ما رماني رام وراح سليما من قديم عناية الله جندي، كم بغت دولة عليّ وجارت ثم زالت وتلك عقب التعدي، أمن العدل أنهم يردون الماء صفوا وأن يُكدَّر وردي، لا والله لن يُكدَّر وردي”.
رسالة القوات المسلحة كانت بمثابة الإنذار الأخير ليس لأثيوبيا وحدها ولكن لمن يحرضونها بأن مصر لن تفرط فى حق من حقوقها مهما كانت التضحيات وأنها أبداً لن ترضخ لمساومات أو مراهنات على حقوق الشعب ، وأن القوات المسلحة المصرية قادرة على رد الإعتداء وأزالة أثاره ولكنها قامت بكافة الخطوات والإجراءات السلمية لتؤكد للعالم أننا دعاة سلام لا حرب ولكن إذا فرضت علينا فنحن أهل لها – كما ذكر – مقدم حفل قاعدة 3 يولية البحرية. وكان فى حضور الشيخ محمد بن زايد ولى عهد أبو ظبى ، ومحمد المنفى رئيس المجلس الرئاسي الليبي رسالة أخرى أرادت القيادة السياسية أرسالها لكل من يعنيه الأمر أن العرب يقفون مع مصر دفاعاً عن حقوقها التاريخية فى مياه نهر النيل ، وأن ليبيا فى قلب مصر.. وأن أمنها واستقرارها من أمن واستقرار مصر .
والآن وقد دخلنا فى ساعات حاسمة فى قضية السد الأثيوبى ، الكرة فى ملعب مجلس الأمن الدولى ، وعلى المجتمع الدولى أن يتدخل وبقوة لحفظ الأمن والسلم الدوليين اللذان باتا مهددان وبقوة من جانب دولة مارقة تحدت كل القوانين الدولية المنظمة للعلاقات بين الدول.
نعم .. على مجلس الأمن أن يضطلع بمسئولياته وإن لم يقم بها فسيكون مسئولاً أمام التاريخ وشعوب العالم عما يمكن أن يحدث من اضطرابات ونزاعات وصراعات تهدد أمن واستقرار العالم وليس أطراف الصراع فقط ، وهو ما سبق وحذر منه الرئيس عبد الفتاح السيسى .
اجتماع مجلس الأمن اليوم سيكون الورقة الأخيرة قبل اشتعال الموقف ولا يلومن أحداً مصر وهى تدافع عن وجودها وحدودها ومياهها بكافة الوسائل حتى لو وصل الأمر إلى استعمال القوة الغاشمة لرد الإعتداء على مياه النيل وتهديد مصر بالعطش وهو ما لا يمكن حدوثه وفى مصر رجال لا يهابون الموت دفاعا عن مقدرات وحقوق الشعب المصرى.
الهروب من الأزمات
السفير محمد حجازي مساعد وزير الخارجية الأسبق أكد بدء أديس أبابا فى عملية الملء الثانى بدون اتفاق مع دولتى المصب يمثل مخالفة صريحة
لاتفاق المبادئ الموقع فى 2015 بالخرطوم .. وعلى مجلس الأمن أن يقوم بدوره لحفظ الأمن والسلم الدوليين .. فقد بات واضحاً أن القضية ليست قضية تنمية تنموية ولكنها تعدياً على القانون الدولى ، وعلى المجتمع الدولى أن يقوم بدوره لوقف هذا الإعتداء، مشيراً إلى أن بدء أثيوبيا فى الملء الثانى رغم أنف الجميع يتيح لمصر الدفاع عن مصالحها بكافة الوسائل والإجراءات المناسبة وهذا لا يعد اختراقا للقانون الدولى .
واستدل بالمادة 15 من ميثاق الأمم المتحدة التى تتيج للدول الدفاع عن حقوقها لحين صدور قرار من مجلس الأمن فى هذا الشأن .
وأضاف السفير حجازى قائلاً: النظام الأثيوبى يهرب من أزماته الداخلية للخارج لاسترداد شعبيته المفقودة من جديد ، وأن مصر قادرة على الدفاع عن حقوقها ومصالحها فى كل الأوقات ، وعلينا أن ننتظر ما سيسفر عنه اجتماع مجلس الأمن اليوم وبعد هذا الاجتماع لنا قول اخر .
موقف شرير
ووصف الكاتب الصحفى والمحلل السياسى عماد الدين حسين الموقف الأثيوبى بالشرير لأنه ينم عن سوء نية مبيتة ، مشيراً إلي أن حكومة أبى أحمد والحكومات الأصيوبية السابقة اتبعت منهجاً شريراً ومراوغا لكسب الوقت وتفويت كل الفرص ، وبات واضحاً أن أثيوبيا لا تريد السلام ولا التنمية .
مشيراً إلى أن مجلس الأمن لن يقدم الكثير مما ننتظره لأن هناك دول أعضاء بالمجلس لديها مشاكل فى الأنهار ، وعلى سبيل المثال دولاً مثل الصين وروسيا هى دول منابع أنهار ولن تتحمس لقرار أممى ينتصر لدول المصب على حساب دول المنابع حتى ولو كان الأمر يهدد الأمن والسلم الدولى
وسيطلب مجلس الأمن مزيداً من التفاوض وعلى المصريين ألا يعولوا كثيرا على هذا المجلس ولكن رفع الأمر لمجلس الأمن كان ضروريا لنثبت للعالم حسن نوايانا وسوء نوايا الطرف الأخر .
مشيراً إلى أن كافة القوانين والمعاهدات المنظمة للأنهار الدولية تنتصر لمصر والسودان ومنها اتفاقية 1984 الخاصة بتنظيم الأنهار الدولية ، واتفاق المبادئ فى 2015 الذي خالفته اثيوبيا ، كما أن أثيوبيا نفسها كانت قد تعهدت عام 1920 بإخطار مصر بأى إجراء تتخذه على النيل .
وأضاف : لقد استغلت أثيوبيا ارتباك المشهد المصرى فى 2011 وقامت بإجراءات ما كانت تقوى على القيام بها لو كانت مصر فى قوتها وحالتها الطبيعية .
150 مليون فى رقبة مجلس الأمن
الدكتور محمد نصر علام وزير الرى الأسبق استنكر الإجراء الأحادي الذي قامت به أثيوبيا موضحًا أن مصر ذهبت لمجلس الأمن منذ عام وتذهب إليه اليوم مجدداً لتقول له أن الاتحاد الإفريقى لم يحقق الأهداف المرجوة بسبب تعنت الجانب الإثيوبى.
وأضاف علام : 150 مليون مصرى وسودانى مصيرهم معلق بقرار يصدر من مجلس الأمن وعليه أن يقوم بمسئولياته ويتدخل بقوة لحل الأزمة ، قبل أن يفلت الزمام ويدفع العالم بأسره ثمن تقاعسه
القوميات الأثيوبية
وقد لخص القضية الخبير العسكرى والاستراتيجي اللواء أركان حرب سمير فرج عندما أكد فى تصريحات صحفية أن الأزمة الداخلية التى يعانى منها أبى أحمد رئيس وزراء أثيوبيا هى التى دفعته إلى التصعيد مع مصر وأن هناك صلة وثيقة بين إعلان إثيوبيا البدء في الملء الثاني لسد النهضة والمشاكل والأزمات الداخلية التي تعاني منها أثيوبيا”.
مشيراً إلى أن سبب تعنت آبي أحمد في مفاوضات سد النهضة ظنه أن مشروع السد سيجمع القوميات الإثيوبية على قلب رجل واحد”.
وأضاف: “تعيش فى إثيوبيا حوالي 20 قومية وتدخل في حروب شبيهة بما كان يحدث في منطقة البلقان عندما تفتت بعض الدول ، مشيرا إلى أن “إثيوبيا مقبلة على مشاكل كبيرة خاصة مع تعطل الانتخابات وتخطيط الأقاليم للانفصال وتدهور الوضع الاقتصادي والأزمة الغذائية”.
خلاصة القول والذي يغفل عنه الكثيرين أن قوى الشر العالمية التى تعيش على نهب خيرات الشعوب أصيبت بالذهول والصدمة مما يحدث فى مصر منذ عام 2014 وحتى اليوم من نهضة اقتصادية وعسكرية غير مسبوقة ، باتت تهدد أطماع هذه القوى فى المنطقة بعد أن تحولت مصر على يد السيسى فى 7 سنوات إلى قوة عظمى فى منطقة الشرق الاوسط وهو ما لم يقبله العالم ولن يقبله بسهولة لذا بدأت المخططات وبقوة لفرملة عملية التنمية التى تشهدها مصر وإعادتها إلى المربع صفر كما كان فى 2011 وهو ما يؤكد تحرش بعض الدول بحدود مصر فى الجنوب والغرب والشمال لإشغالها عن القيام بدورها نحو حماية أمنها القومى فى الداخل والخارج