بقلم : ألبير ثابت فهيم
لا نستطع في خضم الحياة وانشغالاتنا المتلاحقة أن ننسى يوم الاحتفاء بروح ومصدر العطف والحنان (الأم) .
إنه أجمل الأيام لتكريم ملاك الرحمة وحضن الرعايـة، الذي لا يغمض له جفن إن تألمنا، ولا يعرف السعادة إلا بسعادتنا، فالأم بفطرتها هي الحضن الدافئ والملاذ الآمن لأبنائها، إنـه يوم الحادي والعشرين من شهر مارس من كل عام، وهو بداية فصل الربيع رمز التفتح والصفاء والمشاعر الجميلة .
بدأت فكرة الاحتفال بعيد الأم في مصر على يد الأخوين المرحومين ( مصطفى وعلي أمين) مؤسسي دار أخبار اليوم المصرية.
وكان أول احتفال بتلك المناسبة في مصر عام 1956م، ومن مصر خرجت الفكرة إلى البلاد العربية الأخرى لكونها فرصة للتعبير عن الحب الاستثنائي والمشاعر الجياشة التي يحملونها لهذه الشخصية التي مجدتها كل الديانات والأعراف .
وقد اقترح البعض في وقت من الأوقات تسمية يوم الأم بيوم الأسرة؛ ليكون تكريماً للأب أيضاً لكن هـذه الفكرة لم تلق قبولاً كبيراً حتى من الآباء أنفسهم، واعتبر الناس ذلك انتقاصًا من حق الأم، وفيما يبدو لأصحاب فكرة يوم الأسرة أنهم يستكثرون على الأم يوماً يخصص لها.
فالأم حب وعطفٌ وتضحية، وإنها واحة من ضلّوا ومن تاهوا، بل إنها أول بسمة تفتحت عيوننا عليها، وأول الأيادي التي أدخلت الدفء والطمأنينة إلى قلوبنا، إنها حضن الأمان ونبع الحب والحنان!.
لهذا قال عنها شكسبير: ليس في العالم وِسادة أنعم من حضن الأم .
لذا يتوجب عليناً أن نتذكر دائماً أن منزلة الأم لا يعادلها منزلة في البشر بعد منزلة الأنبياء والرسل، وحضت كل الأديان السماوية على إكرامها وتجليلها، والتي فاضت في الكلام عن خصالها وفضائلها.
وتقول أحد الوصايا العشرة : أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض ) مؤكداً بأن خير مثال لإكرام الأم هو السيد المسيح له المجد ، فإنه حتى وهو على الصليب متألما ألماً شديداً لم ينس أمه العذراء القديسة مريم فعهد بها إلى تلميذه يوحنا الحبيب وقال له : ( هوذا أمك ) … كما أن القائد نابليون في لحظات مجده وانتصاراته قال : أنا أساوي ما صنعته أمي ، فأنا أحد تماثيلها .
فالأم كانت ولا تزال حاضرة في قصائد أغلب الأدباء والشعراء وعلى مرّ العصور، فقد اختصر الشاعر حافظ إبراهيم فضلها عندما وصفها بأنها: ( مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق) .
ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي ( حب الأم لا ينطفئ إلا بانطفاء القلب) .
فبركة البيت مصدرها الأم الحنون . ويقول المثل العربي: ( كل القلوب هامدة، ماعدا قلب الوالدة)، (اللي أمه في البيت يأكل خبز وزيت) بل هي ( ست الحبايب) كما تغنت بها الفنانة الراحلة فايزة أحمد .
فالأم قيمة سامية بين كل شعوب العالم، يقول الشعب الهندي عنها : (هي أمي لا فرق عندي، غنية كانت أم فقيرة)، حتى الشعب الإيطالي يقولون عنها : ( الأم تحب برقة، والأب بحكمة) ، وقال عنها الزعيم سعد زغلول: ( من أجل احترامي لأمي احترمت كل امرأة) .
مؤكدين بأن غريزة الأمومة صادقة في المشاعر الطيبة تجاه الأبناء ولم ولن ينتهي دورها عند مرحلة الطفولة الأولي ولا ما بعدها .
حتى أنها تحمل همهم بعد أن يستقلوا بحياتهم ويصبحوا أباء وأمهات . فالأم قيمة ثمينة موجودة في حياتنا بل أنها شمعة منيرة تحترق لأجل أسرتها ، إنها العود الرطب ، ونسمة الحياة في قيظ حرارة الآلام والمتاعب ، إنها صخـرة قوية للصدمات والمحن .
لهذا يتوجب علينا أن نعلم أبناءنا انتقاء الهدايا البسيطة المعبرة حتى لو كانت وردة لأمهاتنا، وذلك تعبيراً عن مدى حبنا ووفائنا بلا حدود، وحتى يشبوا على الشعور والاعتراف بالجميل لكل من ساعدهم يوماً في معترك حياتهم.
إن هذا اليوم من كل عام، مجرد قطرة حب في بحر بل محيط من العطاء والحب ونكـران الذات .
في هذه المناسبة الغالية، نتقدم بالتحية والتقدير، إلى كل أم اعترافاً بدورهـا العظيم في حياتنا، ونترحم على كل أمهاتنا اللائي انتقلن إلى جوار الله تعالى ( رحمة الله عليهن جميعاً ) .