طلعت رضوان
ولماذا دافع عن المستشرقين المُـدافعين عن الإسلام؟
أعتقد أنّ المفكرالسورى الكبير صادق جلال العظم نموذج للمفكر الحر الذى يكتب ما يعتقده..وبالتالى كان أحد الليبراليين الذين كرّسوا لمنهج (التنوير بلا تزوير) فهو مثلا فى كتابه (ذهنية التحريم) الصادرعن دارالريس للنشر- نوفمبر92، تناول بعض الشخصيات ذات الشهرة فى البلاد العربية..ومصر أمثال إدوارد سعيد وأدونيس إلخ..وروّجتْ الثقافة السائدة لأسطورة أنّ أصحاب هذه الأسماء رموز ثقافية رفيعة المستوى..وأنهم ((ضد الامبريالية العالمية)) وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية..وأنهم ضد ما يُسمى ((الليبرالية الجديدة)) التى ((تــُـدعّم الرأسمالية المُــتوحشة)) وفق الكتابات السائدة.
ونطرًا لشهرة كتاب سعيد (الاستشراق) اكتشفتُ أنّ أغلب المحسوبين على الثقافة السائدة لم يقرأوا كتابًا واحدًا من كتبه خاصة كتابه (الاستشراق) ودافعوا عنه بحرارة اعتمادًا على (الثقافة السمعية) لذا غاب عنهم سؤال: كيف يكون إدوارد سعيد من التنويريين وهو الذى كتب ((لم يعد أحد يفترض أنّ الشرق كان فى حاجة إلى التنويرالغربى)) (الاستشراق- ترجمة د. محمد عنانى- رؤية للنشر- عام 2006- ص 397) أليس ما قاله سعيد فى هذه الجملة هو ما يقوله شيوخ الإسلام الذين يعتبرون أنّ الإسلام سبق كل الحضارات فى كل المجالات؟ فإذا تقبـّـل العقل الحر هذا القول من أى أصولى إسلامى، فكيف يتقبله من كاتب يعتبره (دراويشه) من (التنويريين)؟ خاصة وأنّ كتابه (الاستشراق- 534 صفحة من القطع الكبير- الترجمة العربية) ليس أكثرمن دفاع عاطفى عن الإسلام ونبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) فإذا تمّ نزع اسم المؤلف مع كتابة أى اسم آخر فسوف يتبادرإلى الذهن أنه أحد عتاة الأصوليين الإسلاميين.
أما المفكرالسورى الكبير صادق العظم فى كتابه (ذهنية التحريم) فقد تناول بالنقد والتحليل كتاب سعيد..ولاحظ العظم أنّ الاستشراق المذموم عند سعيد يمتد من هوميروس إلى المستشرق المعاصر جوستاف فون مرورًا بدانتى وفلوبيروماركس، ولاحظ العظم على كتاب إدوارد
(1) القسوة التى تناول بها محاولات ماركس النظرية لفهم المجتمعات الآسوية والشرقية عمومًا
(2) الرفق واللين عند تناوله معالجة كل من المستشرقيْن هارولد جيب..وماكدونالد للإسلام
(3) التعاطف الكبير والمديح الشديد عند تناوله للتأويلات الروحانية/ الصوفية للإسلام ومجتمعه وثقافته التى اشتهربها (لويس ماسينـــون) ومدرسته فى الاستشراق، حيث يرى سعيد أنّ ماسينون درس الإسلام والشرق بإنسانية لامتناهية..و(حنوعميق)..إلخ..واندهش العظم من إعجاب إدوارد بماسينون الخبير فى الشئون الإسلامية، من جانب الحكومات الاستعمارية..وأنه كان يطالب بلده فرنسا بمساعدة المسلمين فى الدفاع عن ثقافتهم التقليدية..وعن القاعدة التى مارسوا الحكم على أساسها..وعن الإرث الذى وصل إليهم من أسلافهم، فإذا كان هذا هو موقف ماسينون وصلاته الاستعمارية، فلماذا كان إعجاب إدوارد به ؟ وهل يختلف ماسينون (الذى يُعجب به إدوارد) عن رئيس مؤسسة الثقافة الإسلامية فى بارس (تمويل إيرانى) الذى قال: ((استنادًا إلى الأهمية التى يتمتــّـع بها السكان العرب الآن فى فرنسا..وإلى نفوذ الإسلام فى البلاد، بإمكاننا القول إنّ فرنسا غدتْ الآن جزءًا من الأمة الإسلامية..وخلال سنوات قليلة ستــُـصبح باريس عاصمة الإسلام تمامًا مثل بغداد والقاهرة فى أزمنة أخرى))
كتب أدونيس مقالا فى مجلة (مواقف) قال فيه أنّ العظم إتهم إدوارد بأنه عميل للمخابرات الأمريكية..وللسياسة الأمريكية إجمالا..وهى تهمة وجّهها إدوارد إلى العظم فى رسالة شخصية مليئة بالشتائم.
فنــّـد العظم التهمة..ورأى أنّ غضب إدوارد سببه الفقرة التى نقلها عن إدوارد وقال فيها ((يـُـشكــّـل العالم العربى اليوم تابعًا فكريًا وسياسيًا وثقافيًا للولايات المتحدة. لا تبعث هذه العلاقة على الأسى بحد ذاتها.
لكن الشكل المُحدد الذى تتخذه علاقة التبعية هذه هوالذى يبعث على الأسى)) فكان تحليل العظم على هذه الفقرة ((التعبيرعن الدهشة لإنصباب اعتراض إدوارد وأساه ليس على تبعية العالم العربى للولايات المتحدة الأمريكية، بل على الشكل المُحدد الذى تتجلى فيه هذه التبعية..والأسلوب السيىء الذى تـُـمارس به (من جانب المتبوع وليس التابع) وأنّ هذه الدهشة تزداد خاصة أنّ سعيد اشتهربعد 1967 بكونه مفكرًا تقدميًا يساريًا..ومعاديًا للامبريالية.
أما نص كلام إدوارد فهو يؤدى إلى الإسهام فى تحسين شروط علاقة التبعية..والتخلص من جوانبها السيئة (بما يخدم الجانب التابع) وليس الدعوة للتخلص منها كليًا وتحطيمها نهائيًا..كما أنّ إدوارد حذرالخبراء من صانعى السياسة الأمريكية، بأنهم مالم ينظروا نظرة واقعية جديدة إلى العالم العربى، فإنّ المصالح الأمريكية تبقى مستندة إلى أسس من الرمال المتحركة..وبناءً على هذا فإنّ سعيد حريص على سلامة الاستثمارات أوالتوظيفات الأمريكية الهائلة فى الشرق الأوسط..ونسى سعيد أوتناسى أنه لو قام هؤلاء الخبراء وأسيادهم بإتباع نصيحته، سيجد الشرق عندئذ فى الامبريالية الأمريكية عدوًا أعظم هولاً مما يجد الآن..كما أنّ سعيد لا يخفى عضويته فى مجلس العلاقات الخارجية. أى الهيئة المسئولة عن إصدار مجلة فورين أفيرز المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية..وأنّ (ونستون لورد) رئيس مجلس إدارة العلاقات الخارجية، هو فى نفس الوقت (عضومجلس الأمن الأمريكى) المسئول عن الشئون العسكرية والسياسية والاقتصادية فى وزارة الخارجية الأمريكية..ومدير هيئة التخطيط فى الوزارة نفسها.
ويختتم العظم هذا الجزء قائلا ((لذلك لا أعتقد أنى تجنيتُ على إدوارد عندما أخذتُ عليه إرتداده إلى موقع المستشرقين الذين انتقدهم بسبب صلاتهم المعروفة بحكومات دولهم الاستعمارية)) (من ص47- 49، من 87- 97)
إنّ كتاب المفكر السورى الكبير صادق جلال العظم جدير بالقراءة، بمنهجه العلمى..ومعلوماته الغزيرة الموثقة، حيث كتب ((تعمل المصالح الحيوية للطرف المتقدم، ليس على منع الطرف المتخلف من اكتساب تجاوز التخلف فحسب، بل على إعادة إنتاج تخلفه)) وأنّ ذلك تـمّ بالتحالف الوثيق المدعوم بقوة (أمريكيًا) وكذلك تعصب الجماعات الإسلامية الارتدادية..وتحالفها مع الدكتاتورية العسكرية السافرة فى بلد مثل الباكستان)) (ص 328)
هامش: صادق جلال العظم (نوفمبر1934- ديسمبر2016) مفكرسورى تقـدمى، وتخصص فى الفلسفة الأوروبية الحديثة..وشغل عضوية مجلس إدارة المنظمة السورية لحقوق الإنسان..ومن كتبه (نقد الفكرالدينى) و(الاستشراق والإستشراق معكوسًـا) و(دفاعـًـا عن المادية والتاريخ) إلخ..ومات فى منفاه فى برلين.
***