اليوم 13 فبراير ذكرى ميلاد أعظم وأطيب وأحنّ وأشجع وأروع أب في الدنيا، مع اعتذاري لآباء الآخرين، فقد توفىَ اللهُ والدي، رحمه الله، في ابريل عام 1974، ولا تزال كلماته تسري في قلمي، وروحه تحلق فوقي، وشجاعته بلسم حياتي، وطيبته مصدر سعادتي.
أتذكره، رحمه الله، وهو يحرّضني على الشكوى لجمال عبد الناصر، الذي استجاب مرتين لي، ولوزير التربية والتعليم ( السيد يوسف ) لأنني شاهدت مدرسة في مدرسة الميناء الشرقي أمام بيتنا في الأنفوشي تضرب تلميذا وتدوس بقدمها فوقه ( عام 1966) فانتظرت والدي، الذي نهرني وعاتبني لأنني انتظرت عدة ساعات قبل ارسال الشكوى.
وظل رحمه الله طوال حياته يضع صورة الرئيس محمد نجيب فوق رأسه في مكتبه المتواضع، ولم يكن يحب عبد الناصر، فلما تُوفي الرئيس أبو خالد اكتشفت أن والدي كان يحبه وأدمعت عيناه لكنه رفض أن يجعله كبيراً أمامي.كان يقول دائما: الكبير صغير والصغير كبير، وظل ملتزما بها إلى يوم غيابه.
كان أكرم إنسان في مصر كلها، وإذا مرَّ بأزمة مالية لا يفصح عنها، ويقول كل ما تطلبونه ستجدونه، فالأزمات يتحملها، والسعادة من أجلنا.كان يقول لي: قد أعطيك ما تطلبه لاحقاً، إلا ثمن الكتاب فتحصل عليه فوراً.
لو كان الحب مجسداً لكانه، ولو كان التسامح رجلا لكان والدي.
كان يحتفل بأعياد أقباطنا كأنها عيده الشخصي، ولم أسمع منه منذ طفولتي كلمة عن الفارق بين المسلم والمسيحي.
لا أعرف كثيرا عن طفولته لكنني أتذكر حكاية اشعال النيران في فانلته وإلقائها على معسكر للانجليز، ثم الهروب سريعاً، فقد كان طفلا صغيراً.
لأكثر من أربعين عاما وعيناي تدمعان كلما تحدثت عن والدي، وأستطيع أن أحكي عنه طوال الليل دون توقف رغم أنه توفي وعمري 26 عاماً.
التصرف الغريب الذي لم أفهمه أنه كان يذهب لركوب سيارته، وينظر في العدّاد، فإذا كان قد تحرك عدة كيلومترات، يبلغ قسم الشرطة، ولما استفسرت عن ذلك كان يقول: وهل تضمن لي أن أحداً من عمال الجراج لم يرتكب بها جريمة أو دهساً؟
عندما استدعتني مباحث أمن الدولة في عيد ميلادي العشرين ( 1967 )، رفض أن يأتي معي وقال لي: ادخل عليهم، وانظر في عيونهم، وقل الحقيقة، وإذا حدث لك مكروه فستجد مئة محام معك( وكنت أعرف أنه لا يقول الحقيقة هنا، لكنه أراد تشجيعي).
في عام 1968 قلت له، رحمه الله، بأنني قدمت طلبا لمكتب منظمة التحرير في سبورتنج ليرسلوني في عملية انتحارية ضد إسرائيل، فابتسم لي، وصرخت والدتي، رحمها الله.في مثل هذا اليوم ولد أعظم أب، تغمده الله بواسع رحمته.
محمد عبد المجيد طائر الشمال
أوسلو النرويج