الكاتبة / حنان ساويرس
جميعنا نتشدق بجملة شهيرة الا وهى ” فين أيام زمن الفن الجميل” بل تمتلئ قلوبنا بالحَسرة على زمن كان الفن فيه عنوان الذوق والجَمال والأخلاق الرفيعة ، فَمِن خلاله كانت تنتشرالموضة ، فكانت الملابس في قِمة الأناقة والشياكة فالأزياء وحتى تسريحات الشعر كان يأتي بها الفنانون من أوروبا ليتمثل بها الشباب والشابات فَمَن لَم يَتبع الموضة التى كان يجلبها العندليب
ومَن مِن الفتيات لم تقوم بتقليد تسريحة شادية الشهيرة بأوصة شادية ، فكان الشارع المصرى يَتَسِم بالتحَضُر والأخلاق والقيم الذى كان يَتَعَلم مُعظمها من الفن والفنانين ومن أفلام السينما فأنا حقاً لم أعٌاصر هذا الزمن الجميل لَكِن كَم تَمَنيت وكثيرين مِثلى أن نعيش فيه ، لكن لكل زمان تاريخ يُسجله
فقد رأيت صور قديمة لفتيات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات كن يرتدن ما كانت ترتديه سُعاد حسنى ولبنى عبد العزيز وشادية وغيرهن من جميلات السينما حينها ، وكُنت أعتقد خطئاً أن هذه الأزياء تَخُص الفنانات فقط فكان الجمال يملأ أجواء وطننا الجميل مصر بل كل الوطن العربى !!
فالفن عُنوان الشعوب فَتُقَاس مدى قوة وعَظمة وَتَقَدُم وَتَحَضُر أي بلد بِمَدى إزدهار الفن فيها ، فبدأ الفن في مِصر بقوة مُنذ مَطلع الخمسينيات وتوهج في سِتينيات وسَبعينيات وثمانينيات القرن الماضى وبدأ المنحنى في الإنحفاض تدريجياً مع بداية حقبة التسعينيات ، لاسيما بعد ظهور ما يٌطلق عليه أفلام المُقاولات وماحدث في صناعة السينما من إنتكاسة حدث أيضاً للأغانى وعرفنا مُصطلح جديد علينا الا وهو الفن الهابط والأغانى الهابطة ، فالفن أسمى من أن يكون مُجرد تجارة لربح المال
لأن فن التمثيل والطرب تحديداً يُشكل كيان ووجدان الشعوب ، ويقدم رسائل هامة تحمل ماتحويه القصة من مَبادئ وأهداف سامية تستهدف الجمهور بعيداً عن الإسفاف وخدش الحياء ، كما تحمل معانى كلمات الأغانى من رسائل تُهذب مَشاعر الإنسان وتحثه على الحب والتضحية بدل الكراهية والحقد والأنانية التى نعيشها الآن بعد أن ظهر على السطح من يَدَعون أنهم فنانون ، سواء في مجال التمثيل أو الطرب، ليخدشوا حياءنا ويطعنوا مَشاعرنا في مَقتل ، واليوم أتحدث عن فنان عاصر هذا الزمن الجميل
بل هو جزء منه فوجوده على الساحة يَجعلنا نَتَنَسم نَسمات الأمل والتفاءل وإن الطرب الأصيل لازال موجود وبخير فهوعلى المُستوى الأخلاقى إنسان مُتحضر وديع ومُتواضع وكما نقول بالمصرى ” إبن ناس وإبن أصول ” فلم يتغير أسلوبه أو يَتبدل ليُجارى تَحَوُل الزمن .. زمن مر به الفن عَامةّ والأُغنية خَاصةّ بإنكسارات إلى أن وصلت للقاع حتى الأغانى العاطفية التي يتنسم منها الناس نسمة حب إستكثرها زَمَاننا علينا زَمن طَغَت فيه المَصالح والمَاديات ، ولكن ظل نجمنا فريد من زمن فريد ، فكانت بِدَايته مع إنتهاء جيل العُظماء ، كلا بل كانت إستكمالاً لجيل العظماء الذى تلاقى معهم فتعلم منهم
كل ماهو جميل ، فهو فنان لبناني مُتميز كان يَعتقد الكثير من المصريين أنه مصري ، لأنه أقام فيها فترة طويلة لاسيما في بداية مشواره الفنى فبدأ شاباً صغيراً في مُقتبل عُمره ليلتقى بجيل العَمَالِقة وعلى رأسهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ، والموسيقار بليغ حمدى ، كما إلتقى بالفنان الكبير العندليب عبد الحليم حافظ فَلِقَائه بهؤلاء العَمَالِقة شَكَل شخصيته الفنية وطغىَ حتى على أسلوبه في التعامل مع الآخر ، كما أكد هو ذلك بأن من أهم نصائح عبد الوهاب له أنه قال له ”
أننى قبل أن أنام أُسامح كل من أساء لى ولا أجعل الضغينة تسكن في قلبى لصباح يوم جديد ” فالفن والإحساس المُرهف لهؤلاء العَمَالقة كان جزء لا يتجزأ من شخصيتهم فلا غرابة من أن نجد الفتى الوسيم الذى جاء من بلده ” لبنان ” في مَطلع السبعينيات ليشق طريقه في عالم الغناء أن يحظى بأخلاق رفيعة وأناقة في الحديث وإختيار الكلمات كما يَتَسِم أيضاً بالذكاء وسرعة البديهة واللباقة في الحديث والشياكة في التعامل مع الآخر ليظل إلى الآن معشوق الجماهير فأحب وإحترم جمهوره فبادله الحُب والإحترام …. أما على المستوى الفني فهو عملاق من عمالقة الفن الراقى فأغانيه تدخل أذنك لتعلمك الحب والحياء وتسمو بِمَشاعرك بل تبعث فيك الأمل وحب الحياة ، فمن ذا الذى يَحتفل بعيد ميلاده دون سماع أشهر أغانيه “هابى بيرث داى تو يو .. إنزل يا جميل في الساحة ” وما أجمل أُغنيته الرومانسية تيجى نقسم القمر والذى هاجمه بسببها أحد المدعوين شيوخاً وبِمُنتهى السذاجة بل بِمُنتهى الجهل قال من هذا الذى يُريد أن يقسم القمر !! عجباً !!!
فهل رأه أتى بسكين وصعد للقمر ليقوم بتقطيعه أجزاء ؟!! فهل لا يعرف أن اللغة العربية بها صور بلاغية وتعبيرات مجازية !! لكن يبدو أن من سِمات العُظماء ودليل نجاحهم هو الهجوم عليهم بضراوة ، فهم هاجموا من قبله حليم بسبب أغنية زى الهوى تحديداً بسبب كوبليه ماسك الهوى بأيديا !!! ولم تَسلم سيدة الغناء العربى أم كلثوم من هذه الهجمة الشرسة بسبب أغنية “إِنتَ عُمرى” فكان هُجُوماً مُمَنهَجاً ضد الفن والفنانين لطمس التقدم والحضارة . فالفن الغِنائى تعرض لضربات المُتطرفين الغاشمة تارة ، وللهبوط المُفاجئ في الذوق وإنتقاء الكلمات والألحان تارة ، لكن في وسط كل هذا لم يتأثر نجمنا الذى ظل صامداً أمام التحديات والتغيرات التى طرأت على الأغنية العربية ، فهو الفنان الجميل الرائع النجم اللبنانى وليد توفيق فهو من بلد يَكِن له المصريين كل حب وإحترام ، ويُتَابعون بإهتمام نجوم الطرب اللبنانى لاسيما صوت الجبل الراحل وديع الصافى والصوت الملائكى فيروز.. فالحقيقة أعترف أننى أُتابع الفنان الجميل وليد توفيق مُنذُ نعومة أظافرى ، فهو يَتمتع بِدَمَاثة أخلاق قلما نجدها الآن ، فَمُنذُ طفولتى وصولاً لمرحلة المُراهقة كُنت أواظب على شراء ألبوماته وشراء أى مجلة تتحدث عنه وأحتفظ بها وكان لهذا دور في تشكيل وجدانى وإحساسى ، فأذكر أننى كنت أتابع أفلامه بلهفة شديدة وإنتظار عرضها على الشاشة بشغف . ربما جذبنى في البداية كبنوتة صغيرة وسامته وتسريحة شعره التي تميز بها عن غيره لكن عندما نَضَجت جذبنى أيضاً صوته القوى المَمزوج بالحنان والإحساس من وجهة نظرى ، وإحترامه لفنه وإخلاصه ووفائه لمُرشديه ومُعلميه وكل من إقتدى بهم من الفنانين والمُلحنين ، بل وفائه لكل بلد كانت لها فضل في تقدمه الفني لاسيما مصر التى تغنى لها وفيها أكثر ماتغنى لها فنان من أبناءها !! فأعطاها كما أعطته
وربما إبتعد عنها فترة لكن لازال لاينطق إسمها إلا بكل عِرفان وحب وإخلاص .. ألم أقل لكم أنه فنان يُشبه زَمَن جَميل نفتقده .. وأقصد هنا الزمن الذى بدأ فيه أول خطوة للنجومية لأنه إبن كل زمن غنى فيه وإلى يومنا هذا لكنه لم يتخلى عن أسلوبه الذى تميز به وطَوَر منه كى يواكب العصر لكن لم ينحدر كما إنحدر آخرين من أجل المال أو الإستمرارية ، فإستمر دون تنازلات أو ضعف أمام أي إغراءات فهو مازال مُتألقاً لترتبط أجمل أغانيه بأسمه فيناديه جمهوره بها قائلين إنزل يا وليد في الساحة .
الحقيقة النجم وليد توفيق يُذكرنى بالموسيقار والمطرب الفنان الكبير فريد الأطرش الذى أحبه أيضاً وأعشق أغانيه وأفلامه وليومنا هذا لاتُعرض له أغنية أو فيلم إلا وأترك كل شيء وأتابعه جيداً حتى لو رأيت الفيلم او الأغنية ألف مرة من قبل ، فالتشابه بين النجمين أن كلاً منهما يُغنى ويُلحن أغانيه ويُلحن لمُطربين آخرين وأيضاً يشتركان في أن كلاً منهما له روائع في السينما المصرية والعربية فرصيدهما من الأفلام الغنائية خلد أسماءهما بحروف من نور والأثنان يحملان نفس الصفات الإنسانية من الطيبة والكرم والإحترام .
فمؤخراً تألق نجمنا في جولة بأورُبا ليُغنى وَيَشدو بباقة من أجمل أغانيه للجاليات العربية ببرشلونة وموناكو وسردينيا مع النجمين نجوى كرم وكاظم الساهر وقريبا ننتظره في مصر .
*آخيراً .. مرت الأيام والسنوات وأخذتنا الحياة في إزدحامها بعيداً فَتُهنا في مَلاهيها ولكن الغريب أن هذه الذكريات الجميلة لم أنساها ، ولن تذوب أبداً ولازلت مَحفُورة في الذاكرة وفى القلب فهى منقوشة في ذاكرتى حتى الآن فهى جزء لا يتجزأ من حياة جميلة عشتها كالحب الأول في حياة الإنسان لا يُنسى أبداً ماحيينا وهى ذكريات الطفولة والمُراهقة مع نجمى المُفضل والمحبوب وليد توفيق .
كل الشكر والحب لفنانا الراقى الذى لم يغيره الزمن وإستمر كما هو بأغانيه الراقية رمزاً للزمن الجميل وحلم وفتى أحلام الكثير من البنات كما كان ولازال فنانى المُفضل .