مختار محمود
تختلف أو تتفق معه، لكنك لن تُنكر نجوميته وحضوره وذكاءه الذي لا يغيب. إنه الفنان الكبير عادل إمام الذي يتم عامه التاسع والسبعين في السابع عشر من الشهر الجارى.
وبغض النظر عما يكتنف غيابه عن دراما رمضان هذا العام، فإن شمس زعيم الفنانين العرب لا تغيب، وتبقى مشرقة دائمًا بـ”كوكتيل” من الإبداع وقوة الإرادة والذكاء وبراعة الاختيار.
ورغم أن فنانين كثيرين رافقوه في البدايات، كانوا أكثر منه موهبة، إلا أن “عادل إمام” -حده- من صَمَد أمام موجات التغيير المتلاطمة، وكانت السنون المتعاقبة تزيده نُضجًا وإبداعًا فاستحق أن يكون أسطورة فنية خالدة لا تتكرر كثيرًا في الوطن العربى.
“معايا عسلية.. معايا عسلية”.. ربما كانت هذه الجملة هي أول ما نطق به “عادل إمام”، مع انطلاق مسيرته الفنية، خلال مسرحية “ثورة قرية”، في مطلع ستينيات القرن الماضى، حيث كان يُجسد شخصية “بائع عسلية”، وخلال هذه الفترة كان يعانى ظروفًا اقتصادية واجتماعية صعبة جدًا لا ينكرها حتى الآن مع أي إطلالة صحفية أو تليفزيونية.
الفنان الراحل “فؤاد المهندس”، شبَّه اكتشافه لـ “عادل إمام”، باكتشاف “كولومبوس” للقارة الأمريكية، تعظيمًا لموهبته، فيما وصفه العندليب “عبد الحليم حافظ” بقوله: “عادل إمام أجمل اختراع للقضاء على الحزن”.
خلال مشواره الفنى الممتد.. تنوعت وتعددت أعمال “عادل إمام”، بين السياسي والاجتماعى، وحتى الرياضى، إلا أن الطابع الكوميدى والساخر يبقى السمة المشتركة لما قدمه سواء على الشاتين الكبيرة والصغيرة، على خشبة المسرح، وأعماله المسرحية، تحديدًا، حققت نجاحات طاغية منذ “شاهد مشفش حاجة” وحتى “بودى جارد”.
يعتبر “عادل إمام” في طليعة الفنانين الذين تصدوا مبكرًا للإسلام السياسي وجماعات التطرف الدينى، وتجسد هذا في فيلم “الإرهابى” الذي أظهر من خلاله العوار الذي يضرب عقول وضمائر وقلوب المتطرفين، وحذر من خطورتهم على المجتمع، كما قدم فيلمًا آخر في هذا السياق يعكس برجماتية الإسلام السياسي وهو “طيور الظلام”، وكان هذا يحدث في الوقت الذي يمسك فيه فنانون آخرون “العصا من المنتصف”، ويخشون المجاهرة بالخصومة مع التيارات المتطرفة.
من التحديات الصعبة التي اعترضت مسيرة “عادل إمام”، ظهور جيل جديد من الكوميديانات في منتصف التسعينيات، قاده الراحل “علاء ولى الدين” ومعه “محمد هنيدى”، ولحق بهم “أحمد حلمى” و”محمد سعد”، ورغم ما حققه هذا الجيل من نجاحات كبيرة، إلا أن الفنان الكبير لم يستسلم ولم يتوارَ عن الأضواء، ولم يرجع خطوة أو اثنتين إلى الخلف، بل واصل رحلته مع النجاح والتألق، وقدم أفلامًا ناجحة على المستويين الفنى والتجارى، ولو بدرجات متفاوتة، وزارد على ذلك بأن عاد إلى الشاشة الصغيرة بعد غياب دام طويلًا، فانتظم في السنوات السبع الأخيرة في دراما رمضان، وكانت مسلسلاته الأكثر نجاحًا وإثارة للجدل، وربما هذا الإصرار ما دفع الأديب الراحل “يوسف إدريس” إلى أن يقول عنه يومًا: “عادل أمام سائق ماهر يعرف الطرق الخفية للوصول إلى قلوب الجماهير بعيدا عن اختناقات المرور”، ويؤكده كلام الفنان اللبنانى الكبير دريد لحام الذي قال عنه يومًا:”الجمهور لم يمنح عادل إمام النجومية من فراغ.. إنه يستحقها بكل تأكيد”.
الفنان الكبير كان يستعد هذا العام لاستكمال مسيرته مع المسلسلات الرمضانية، وبدأ بالفعل في تصوير مشاهده في مسلسل “فالنتينو” من تأليف أيمن بهجت قمر، إلا أن أسبابًا كثيرة، من بينها ما يتردد عن حالته الصحية، عطلت دون إتمام تصويره واللحاق بالعرض الرمضانى، ولكنه قادر على تجاوزها، كما تجاوز ظروفًا أصعب منها من قبل، ليكمل أسطورته وسيرته ومسيرته الفنية.. وكل عام وأنت طيب يا زعيم..