مختار محمود
مساء الخميس الماضى، اصطحب رئيس الحكومة الدكتور “مصطفى مدبولى” أسرته الصغيرة إلى “مول مصر” القريب من مسكنه بضاحية “الشيخ زايد” بمدينة 6 أكتوبر.
لم يكن الوزير مُتكلفاً، بل كان بسيطاً فى مظهره، وكان يدفع عربة المشتريات “الفارغة” بنفسه. رغم أن “مدبولى” ينتمى بشكل أو بآخر إلى مدرسة سلفه المهندس “إبراهيم محلب”، فكلاهما ينتمى إلى فئة “المقاولين”، إلا أن الأخير كان يجيد لفت الأنظار إليه كلما غدا أو راح أو ظهر تليفزيونياً أو تحدث إذاعياً، ما كان سبباً فى استبداله سريعاً، أما الأول فلا يتقن هذه اللعبة، ولا يمتلك تلك الكاريزما، أو ربما تعلم الدرس جيداً، فآثر السلامة وانطوى على نفسه!!
كل ما أخشاه أن يعتقد رئيس الحكومة أن “مول مصر” يمثل عموم المصريين الذين يعيش ثلثهم -على الأقل- تحت خط الفقراء، ويعانى ثلثٌ آخر شظف العيش، فيعود من إجازته ويطلب عقد اجتماع طارئ مع عدد من الوزراء المعنيين، ويطلب منه رفع أسعار كل شئ، بدءاً من الطعام والشراب، وليس انتهاءً بأسعار تذاكر القطارات ومترو الأنفاق وفواتير الكهرباء والمياه.
ربما اجتاحتْ رئيسَ الحكومة حالةٌ من الغضب الممزوجة بالدهشة، عندما شاهد – خلال جولته المُفتعلة- مُجمع المطاعم مُكتظاً عن آخره، وكذلك المطاعم والكافيهات الأخرى، فضلاَ عن المتاجر الكبرى المتخصصة فى بيع “البراندات”، ذات الأسعار الخرافية.
كل ما أخشاه أن يطلب رئيس الحكومة، فور عودته من إجازته الإسبوعية، من وزير التموين والتجارة الداخلية، أن يعيد النظر مجدداً فى بطاقات التموين، فيحذف منها مليوناً أو اثنين أوثلاثة من الفقراء والمُعدمين، أو أن يُوجِّه وزيرة الصحة والسكان برفع أسعار تذاكر المستشفيات وإلغاء جميع الحملات الصحية المجانية، أو أن يتشاور مع وزير النقل فى رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق والقطارات، أو يطلب من وزير الكهرباء، الذى لا ينتظر توجيهاً أصلاً، رفع فواتير الكهرباء فوراً وبأثر رجعى، أو يتحدث مع وزير المالية الذى يريد أن ينقل تجربة مصر فى الإصلاح الاقتصادى إلى الدول المجاورة، بشأن رفع شرائح الضرائب.
من رأيتهم فى زيارتك، يا دولة رئيس الوزراء، ليسوا هم المصريين الحقيقيين الذين يُكملون عشاءَهم نوماً إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ولا هم من يطوفون المستشفيات بحثاً عن علاج مجانى، ولا هم من أعيتهم الحيل بحثاً عن فرصة عمل شريفة ودخل مادى يعفيهم من ذل السؤال.
إنْ كنت جاداً، يا رئيس الوزراء، اذهبْ إلى متاجر ومطاعم ومستشفيات ومدارس الفقراء، حتى ترى الفقر الحقيقى، ذلك الوحش الكاسر الذى لا يرحم، ولم تستطع سياساتكم الرشيدة كسره ولن تستطيعَ. أو توجَّه يا دكتور إلى العشوائيات، وإلى أسافل الكبارى، حيث يعيش المشردون، صغاراً وكباراً، وهم يتناوبون التنقيب عن بقايا الطعام فى أكوام القمامة. أو ولِّ وجهك شطر إحدى قرى الصعيد الفقيرة، لترى بشراً أمثالكم، ليسوا بأحياء أو أموات.
المصريون الحقيقيون، يا دولة رئيس الوزراء، ليسوا من يترددون على المولات الكبرى، فى نهاية الأسبوع، ولا من يُهرعون فى الصيف إلى الساحل الشمالى ومارينا، والأقصر وأسوان فى الشتاء، ولا من يتعلم أولادهم فى المدارس والجامعات الدولية والخاصة، ولا من يتلقون العلاج فى المستشفيات ذات النجوم الخمس، ولكن المصريين الحقيقيين ليسوا كل هؤلاء، ولكنهم وقود المعركة، ووقود الحياة، الذين لا يشعر بهم أحد، ولا تفكرون فيهم عندما تضعون برامجكم التى تصفونها بـ “الإصلاحية”.
أما إذا قصرتْ جولاتك، يا دولة رئيس الوزراء، على المولات الكبرى والمنتجعات والفنادق، فلن يتغير واقع المصريين، وسوف يظل مستقبلهم كثل حاضرهم وماضيهم..