لا يختلف إثنان على أهمية البنية التحتية والإمكانات التكنولوجية في الحد من حوادث القطارات والتقليل من مخاطرها ، ولكن برصد وتحليل حوادث القطارات في مصر خلال السنوات الاخيرة، سنجد الخطأ البشري قاسم مشترك في أغلبها، ولو تم استبعاد الأخطاء البشرية أو تحييدها سيبرز الدور الثانوي للعوامل الأخرى والتي غالباً ما تكون تأثيراتها ومخاطرها طفيفة ، وفي هذا دعونا نوجه بعض الأسئلة لنطرح من خلالها عدة مقترحات:
– هل هناك إختلاف على تدني المستويات التعليمية والمهارات الفنية والإستعداد الذهني والنفسي والسلوكي ، وكذلك تراجع المستوى الثقافي والمعرفي لدى الكوادر الفنية بالسكك الحديدية المصرية مثل قائدي القطارات وعمال التحويلات ، لدرجة أنهم لا يدركون خطورة وقيمة ما يعملون ويعتبرونه مجرد وظيفة تغني عن البطالة ؟؟
– كم الف من خريج كليات الهندسة ترتبط مؤهلاتهم وتخصصاتهم بالميكانيكا والنقل وليس لهم عمل أو يعملون في أعمال لا تليق بمؤهلاتهم؟؟
– أَفَلاَ يمثل كادر قائد قطار أو مهندس تحويلات وظائف هامة ذات قيمة ورسالة لحملة الهندسة ومستوى وظيفي أكثر تخصصاً من العمل في ورش ميكانيكا السيارات أو بعض المصانع التي تستغلهم للعمل بعيداً عن تخصصاتهم ؟؟
– أَفَلاَ تمثل كوادر مثل قائدي القطارات ومتخصصي التحويلات وغيرها من الوظائف الفنية بالسكك الحديدية أهمية كبرى تمس حياة المواطنين ، حتى تهتم بها الدولة وترفع من شأنها الوظيفي والمادي وتخصصها لحملة شهادات الهندسة لضمان جودة المهارات الفنية ؟؟
هناك الأن ضرورة لإحداث تغيير نوعي في كوادر الوظائف الفنية بمرفق السكك الحديدية ، والاعتماد على أفراد مؤهلة تعليمياً بديلاً للعمال والفنيين، فمن يتوافر لديه الطموح في الترقي للمناصب العليا سيطور من أدائه ويرفع من إنتاجيته ويحرص على أداء عمله بكل مهنية وبشكل يضمن له طموحاته في الصعود، بعكس ذوي المؤهلات الدنيا ممن يعملون في وظائف فنية وهندسية وليس لديهم ما يطمحون لتحقيقه في السلم الإداري، فيحققون من الفشل والكوارث ما يتفق مع إحباطهم ونظرتهم الدونية لما يعملون .
ولتحقيق ذلك على الدولة تغيير الصورة الذهنية لهذه الوظائف أولاً لدى جمهور المواطنين، والإستفادة من تجارب الدول التي يكاد يتساوى فيها قائد القطار مع قائد الطائرة من حيث المستوى الاجتماعي والدخل المادي والمهارات الفنية، لتقارب المسئوليات ومستوى خطورتها على المواطنين ، ولعل إحداث مقارنة بسيطة بين الكادران في مصر يستدعي إتخاذ خطوات جادة لتغيير نوعي يحمي المواطنين ويحد من موتهم لأتفه الأسباب.
فالقطار المكيف في مصر يتسع لحوالي الف راكب في المتوسط، تتضاعف بالطبع في حالة القطارات السياحية أو قطارات الدرجة الثالثة ، بينما أغلب الطائرات الكبيرة لا تتسع لأكثر من ٥٠٠ راكب على الأكثر، وكلا المركبتين تسافرا لمسافات طويلة وبسرعة عالية وتتعرضا لحوادث بنفس مستوى الخطورة .. ومع ذلك :
– يتم إختيار قائد الطائرة من الكوادر المتعلمة على أعلى مستوى تعليمي بينما لا يتطلب لقيادة القطارات أي مستوى تعليمي وأغلب سائقي القطارات ليس لديهم أعلى من شهادة الإعدادية او دبلوم فني على الأكثر ..
– قبل السماح بقيادة الطائرة يمر قائدها بمراحل عديدة من التدريب والتطوير ورفع مهاراته المهنية والتأكد من سلامته النفسية والسلوكية وانفعالاته وردود أفعاله في المواقف الطارئة، بينما لا يخضع سائقي القطارات سوى لتدريبات بسيطة تتعلق فقط بأدوات الوظيفة ..
– الفرق شاسع بين دخول قادة الطائرات ومستوياتهم المعيشية وضغوط العمل الواقعة عليهم بالمقارنة بنظرائهم من قادة القطارات رغم تقارب مستوى الخطورة على المواطنين ..
– يتم متابعة قادة الطائرات دائماً والكشف على قواهم الذهنية وانفعالاتهم السلوكية من وقت لآخر فضلاً عن متابعة أنماط حياتهم اليومية ومدى تعاطيهم للعقاقير المخدرة وغيرها ، بينما لا يخضع قائدي القطارات لأي من هذه الفحوصات الدورية والمتابعة لأنماط سلوكياتهم اليومية ..
– الأجواء المحيطة بقادة الطائرات توفر لهم مناخ مناسب للقيادة والتفكير بمنهجية سليمة في الأزمات ، بينما يقوم سائق القطار بأداء واجبات عمله دون حتى وجود مروحة تقيه الشمس الحارقة ..
والأمر متروك لصاحب القرار أولاً وأخيراً ..